من تنس الطاولة مرورا بالباندا إلى الزلزال.. دبلوماسيات غير تقليدية

الاثنين 11 سبتمبر 2023 11:21 ص

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

لتحقيق اختراقات عجزت عن إنجازها الدبلوماسية التقليدية، لجأت دول عديدة إلى مبادرات غير اعتيادية لإزالة التوترات وتحسين علاقاتها مع دول أخرى، وأحيانا لتوطيد روابط الصداقة، بحسب رصد لـ"الخليج الجديد" حتى عام 1971.

أحدث هذه المبادرات ما أطلق عليه مراقبون "دبلوماسية الزلزال"، على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، مساء 8 سبتمبر/ أيلول الجاري؛ ما أودى بحياة 2122 شخصا وأصاب 2421 آخرين، إلى جانب دمار مادي هائل، وفقا لأحدث حصيلة حتى الإثنين.

فغداة الزلزال، أعربت الجزائر عن "خالص التعازي وصادق المواساة لأسر الضحايا والشعب المغربي الشقيق مع خالص التمنيات بالشفاء العاجل للمصابين"، وأعلنت فتح المجال الجوي للبلاد أمام الرحلات لنقل المساعدات الإنسانية والمصابين في زلزال جارها المغرب.

وتغلق الجزائر منذ سبتمبر/أيلول 2021 مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية؛ على خلفية توترات سياسية بين البلدين، أبرزها دعم الجزائر لجبهة "البوليساريو" التي تنازع الرباط منذ عقود السيادة على إقليم الصحراء.

وفي اليوم التالي الأحد، نقل التلفزيون الجزائري الرسمي عن وزارة الخارجية قولها إن "الجزائر تعرض مخطط مساعدات لوجستية ومادية طارئة على المملكة المغربية في حال قبول الرباط بها".

وتلك المساعدات تتمثل في "فريق تدخل للحماية المدنية مكون من 80 عونا متخصصا، يضم عناصر مدربة في عمليات البحث تحت الأنقاض، وأخرى للبحث والإغاثة وفريق طبي، إلى جانب مساعدات إنسانية للإسعافات الأولية وخيما وأفرشة"، وفقا للمصدر نفسه.

وحتى الساعة 07:00 بتوقيت جرينتش لم يصدر تعقيب رسمي مغربي على العرض الجزائري. لتحقيق اختراقات عجزت عن إنجازها الدبلوماسية التقليدية، لجأت دول عديدة إلى مبادرات غير اعتيادية لإزالة التوترات وتحسين علاقاتها مع دول أخرى، وأحيانا لتوطيد روابط الصداقة، بحسب مواقف رصدها لـ"الخليج الجديد".

تركيا واليونان

ما يحدث بين المغرب والجزائر، حدث قبل أشهر بين تركيا ودول عديدة، أبرزها اليونان ومصر والسويد، لكن بوتيرة أوسع وأكثر تطورا؛ إثر زلزال مدمر ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا بقوة 7.8 درجات في 6 فبراير/ شباط الجاري؛ وأودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في البلدين، بجانب أضرار مادية ضخمة.

         عناق بين وزيري الخارجية التركي واليوناني في ولاية أضنة

وبين اليونان وتركيا ملفات خلافية عديدة، أبرزها التنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، لكن في السياسة لا تدوم الخلافات ولا التحالفات إلى الأبد، فالتغيير هو الثابت الوحيد.

ما لم تحققه الدبلوماسية التقليدية بين البلدين حققته "دبلوماسية الزلزال"، ففي 12 فبراير/ شباط الماضي، هبطت طائرة وزير الخارجية اليوناني حينها نيكوس ديندياس في أضنة جنوبي تركيا، إحدى الولايات المتضررة من الزلزال، وكان في استقباله نظيره التركي آنذاك مولود جاويش أوغلو.

وعقب الزلزال، سارع ديندياس إلى الإعراب عن تعازيه لجاويش أوغلو، وأكد استعداد اليونان لدعم جهود البحث والإنقاذ والاستجابة للأضرار جراء الزلزال.

وفي تصريحات مشتركة، قال جاويش أوغلو إن اليونان "من أوائل الدول التي سارعت لعرض المساعدة.. أرسلوا على الفور فرق البحث والإنقاذ وجلبوا مساعداتهم الإنسانية إلى تركيا عبر طائرات عديدة".

وواصفا ديندياس بـ"الصديق"، أعرب جاويش أوغلو عن شكره لليونان حكومة وشعبا على تضامنهما مع تركيا في هذه الأيام العصيبة.

ومضى قائلا: "يجب تطبيع العلاقات مع اليونان.. الجار الجيد يظهر وقت الضيق.. سنطبع علاقاتنا مع اليونان رغم وجود تباين في وجهات النظر بين البلدين".

مصر وتركيا

حين وقع زلزال تركيا، كانت أنقرة والقاهرة تجريان منذ نحو عامين مباحثات لتطبيع العلاقات بينهما بعد سنوات من التوترات منذ الإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي بعد عام واحد في الرئاسة (2012-2013).

وآنذاك، حرك الزلزال مياه الدبلوماسية بين البلدين، فارتفع مستوى التواصل إلى مكالمة هاتفية بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان، بالتزامن مع إرسال القاهرة مساعدات إنسانية وفنية إلى تركيا.

وبعد قطيعة دبلوماسية استمرت لـ10 سنوات، أعلنت مصر وتركيا، في 4 يوليو/ تموز الماضي، إعادة العلاقات بينهما إلى مستوى السفراء، ورشح كل منهما سفيرا له لدى البلد الآخر.

السويد وتركيا

لمدة شهور قبل الزلزال، خيم التوتر على علاقات تركيا مع السويد؛ بسبب رفض أنقرة التصويت لصالح طلب انضمام ستوكهولم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما لم توقف أنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها والذي تعتبره تركيا معاديا لها.

وزاد من الأزمة بين البلدين، إحراق سياسي دنماركي متطرف لنسخة من المصحف الشريف قرب السفارة التركية في ستوكهولم من دون أن توقفه السلطات، وأخيرا إحرق دمية لأردوغان من دون تدخل السلطات.

لكن عقب الزلزال، سارعت ستكهولم إلى تقديم التعازي إلى أنقرة وعرضت المساعدات ووصفت السويد بأنها "شريك لتركيا".

وبعد نحو عام من الامتناع والجدل والضغوط الغربية، وافق أردوغان، في 10 يوليو/ تموز الماضي، على إحالة طلب انضمام السويد لـ"الناتو" إلى البرلمان التركي للمصادقة عليه، وهي خطوة شبه محسومة نظريا مع امتلاك حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم أغلبية برلمانية.

ومقابل هذه الخطوة، حصلت أنقرة على وعود ومكاسب من كل من السويد والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في ملفات عديدة متنوعة منها مكافحة الإرهاب وتعزيز الروابط التجارية والحصول على أسلحة متطورة.

وضمن "دبلوماسية الزلزال" أيضا، قدمت دول عديدة تعازيها لتركيا وأرسلت مساعدات، سواء بهدف ترسيخ علاقات تم تطبيعها مؤخرا كما في حالة إسرائيل، أو إنهاء خلافات وتحسين العلاقات كما فعلت فرنسا والهند.

كرة القدم

                 كأس العالم جمع أردوغان والسيسي في قطر

على هامش افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم بالدوحة، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عُقد لقاء نادر بين الرئيسين المصري والتركي، بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وتصافح الرئيسان وكانت هذه أول مرة يتحدث فيها أردوغان إلى السيسي" الذي يتولى الرئاسة منذ عام 2014.

هذه المصافحة اعتبرها مراقبون نتيجة لـ"دبلوماسية كرة القدم"، وتعني ذوبان الجليد بين تركيا ومصر.

وجرى خلال اللقاء، وفقا للرئاسة المصرية، "التركيز المتبادل على عمق العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين المصري والتركي، والاتفاق على أن تكون هذه بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين".

فيما قال أردوغان إن المصافحة مع السيسى كانت خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع فى العلاقات بين البلدين، وإن تحركات أخرى ستليها لتطبيع العلاقات، مؤكدا رغبة أنقرة في رفع مستوى الاجتماعات مع القاهرة.

لقاحات كورونا

تسابقت دول وتكتلات عديدة، بينها الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي وتركيا، على تزويد دول أخرى بملايين الجرعات من اللقاحات المضادة لوباء "كورونا" الذي أُبلغ عنه للأول مرة من مدينة ووهان الصينية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019.

وتباينت دوافع المانحين للقاحات بين تعزيز النفوذ والحفاظ على المصالح أو إذابة جليد خلافات أو تحسين علاقات أو حتى منع منافسين آخرين من التواجد في مناطق النفوذ.

وضمن تنافس صيني أمريكي، حققت بكين ما اعتبره مراقبون انتصارا دبلوماسيا ناعما في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، عبر تقديمها ملايين الجرعات من اللقاحات إلى دول في أمريكا اللاتينية.

              لاعب كرة السلة الصيني الشهير "ياو مينغ" (يسار)

كرة السلة

لعب عملاق كرة السلة الصيني الشهير ياو مينغ دورا مميزا في تعزيز العلاقات بين واشنطن وبكين من خلال لعبه في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين حتى اعتزاله عام 2011.

ومينغ (2.3 متر)، المولود في شنجهاي، بدأ حياته لاعبا في نادي شنغهاي شاركس، ثم ضمه نادي هيوستون روكيتس الأمريكي في 2002، ووصف حينها بأول لاعب آسيوي في ناد أمريكي كبير لكرة السلة.

الكريكت

عام 1987 قرر الرئيس الباكستاني آنذاك الجنرال ضياء الحق حضور مباراة كريكيت بين الهند وبلاده في مدينة جايبو الهندية في ظل توترات بين الجارتين.

ورافقه في هذه الزيارة 68 مسؤولا حكوميا وأفراد عائلته، وبالفعل أدّت إلى تهدئة التوترات بين الدولتين.

وضمن دبلوماسية اللعبة الشهيرة في شبه القارة الهندية، دعا رئيس وزراء الهند في 2011 مانموهان سينغ نظيره الباكستاني يوسف رضا جيلاني لحضور مباراة نصف نهائي كأس العالم للكريكيت بين منتخبي البلدين في مدينة موهالي الهندية.

وقبل المباراة نزل الزعيمان إلى أرض الملعب وصافحا لاعبي الفريقين، وهو ما اعتبره البعض حلقة جديدة من دبلوماسية الكريكيت أعادت إلى الأذهان خطوة "ضياء الحق".

                             دبلوماسية الباندا تقليد تاريخي لدى الصين

الباندا

منذ خمسينيات القرن الماضي تستخدم الصين "دبلوماسية الباندا" العملاقة كتقليد تاريخي لتعزيز علاقاتها الخارجية وكسب صداقة الدول.

وأهدت الصين، أواخر 2008، تايوان البندا "توان توان" ورفيقته في التكاثر "يوان يوان" لتعزيز العلاقات الودية آنذاك بين بكين وتايبيه.

وتعتبر الصين تايوان جزءا من أراضيها، وتعهدت سابقا  باسخدام القوة إذا لزم الأمر لإعادة الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي إلى سيادتها، وفي إشارة إلى هذا الهدف، فإنّ اسمَي حيواني الباندا يعنيان "لم الشمل" أو "الوحدة".

بزيارة تاريخية إلى بكين في 21 فبراير/ شباط 1972، عزز الرئيس الأمريكي حينها ريتشارد نيكسون العلاقات مع الصين، لتبادر الأخيرة إلى إرسال حيوان "باندا" كهدية دبلوماسية إثباتا لحسن نواياها.

ويوجد نحو  1800 باندا عملاقة بالبرية في الصين، معظمها في مقاطعة سيتشوان، وحوالي 600 تعيش في حدائق الحيوان ومراكز التكاثر حول العالم.

نيكسون والزعيم الصيني ماو تسي تونغ خلال لقائهما التاريخي في بكين

تنس الطاولة

قبل 52 عاما، كان المنتخب الصيني لكرة الطاولة يستقل حافلة في بطولة العالم باليابان عام 1971.

وبينما كان اللاعبون يتحدثون ويضحكون، استقل اللاعب الأمريكي غلين كوان الحافلة بالخطأ في وقت كانت فيه بكين وواشنطن على خلاف عميق.

بعد لحظات من الصمت، قرر بطل العالم الصيني ثلاث مرات تشونغ زيدونغ كسر الجليد، عندما قدّم لكوان قطعة حريرية مطرزة كتذكار من الصين.

التقط مصورون لحظة التصافح والابتسام بين زيدونغ وكوان في حدث شكّل لاحقا منعطفا تاريخيا، وأطلقت ما باتت تُعرف بـ"دبلوماسية البينج بونج" (تنس الطاولة).

بعد أيام، وتحديدا في 10 أبريل/ نيسان 1971، أصبح لاعبو الفريق الأمريكي لتنس الطاولة أول أمريكيين تطأ أقدامهم أرض الصين بعد نحو ربع قرن من القطيعة، عندما تمت دعوتهم للعب مباريات ودية.

وأدت زيارة نيكسون للصين، في 1972، إلى ذوبان الجليد بين البلدين، وزار فريق صيني لكرة الطاولة الولايات المتحدة، ثم أُقيمت علاقات رسمية بين البلدين في 1979.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

دبلوماسية الزلزال الباندا تنس الطاولة الكريكت كرة القدم كورونا