لتحقيق اختراقات عجزت عن إنجازها الدبلوماسية التقليدية، لجأت دول عديدة إلى مبادرات غير اعتيادية لإزالة التوترات وتحسين علاقاتها مع دول أخرى، وأحيانا لتوطيد روابط الصداقة، بحسب مواقف رصدها لـ"الخليج الجديد".
أحدث هذه المبادرات ما أطلق عليه مراقبون "دبلوماسية الزلزال"، على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا بقوة 7.8 درجات في 6 فبراير/ شباط الجاري، ما خلف خسائر بشرية هائلة وأضرار مادية ضخمة.
عناق بين وزيري الخارجية التركي واليوناني في ولاية أضنة
الزلزال
بين اليونان وتركيا ملفات خلافية عديدة، أبرزها التنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، لكن في السياسة لا تدوم الخلافات ولا التحالفات إلى الأبد، فالتغيير هو الثابت الوحيد.
ما لم تحققه الدبلوماسية التقليدية حققته "دبلوماسية الزلزال"، فقد هبطت طائرة وزير الخارجية اليوناني "نيكوس ديندياس"، الأحد، في أضنة (جنوب)، إحدى الولايات التركية المتضررة من الزلزال، وكان في استقباله نظيره التركي "مولود جاويش أوغلو".
Today I am visiting Turkey, where, accompanied by my Turkish counterpart, @MevlutCavusoglu, I will meet with members of the Greek Aid Mission, which is operating in the areas devastated by the recent earthquakes. pic.twitter.com/6MHUrJFHsG
— Nikos Dendias (@NikosDendias) February 12, 2023
وعقب الزلزال، سارع "ديندياس" إلى الإعراب عن تعازيه لـ"جاويش أوغلو"، وأكد استعداد اليونان لدعم جهود البحث والإنقاذ والاستجابة للأضرار جراء الزلزال.
Σε συνέχεια καταστροφικού σεισμού στη νότια Τουρκία, επικοινώνησα με τον 🇹🇷 ομόλογό μου, Mevlüt Çavuşoğlu, και μετέφερα τα συλλυπητήριά μου στις οικογένειες των θυμάτων. Εξέφρασα την ετοιμότητα της 🇬🇷 να παράσχει άμεσα συνδρομή στις έρευνες διάσωσης & στην αντιμετώπιση των ζημιών
— Nikos Dendias (@NikosDendias) February 6, 2023
وفي تصريحات مشتركة قال "جاويش أوغلو" إن اليونان "من أوائل الدول التي سارعت لعرض المساعدة.. أرسلوا على الفور فرق البحث والإنقاذ وجلبوا مساعداتهم الإنسانية إلى تركيا عبر طائرات عديدة".
وواصفا "ديندياس" بـ"الصديق"، أعرب "جاويش أوغلو" عن شكره لليونان حكومة وشعبا على تضامنهما مع تركيا في هذه الأيام العصيبة، وفقا لوكالة "الأناضول" التركية.
وتابع: "يجب تطبيع العلاقات مع اليونان.. الجار الجيد يظهر وقت الضيق.. سنطبع علاقاتنا مع اليونان رغم وجود تباين في وجهات النظر بين البلدين".
منذ نحو عامين، تجري تركيا ومصر مباحثات لتطبيع العلاقات بينهما بعد سنوات من التوترات منذ الإطاحة بالرئيس المصري الراحل "محمد مرسي".
ويبدو أن الزلزال حرك مياه الدبلوماسية أكثر بين أنقرة والقاهرة، فارتفع مستوى التواصل إلى مكالمة هاتفية رئاسية، بالتزامن مع إرسال القاهرة مساعدات إنسانية وفنية إلى تركيا.
وأجرى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" مكالمة هاتفية قدم خلالها لنظيره التركي "رجب طيب أردوغان" التعزية في ضحايا الزلزال.
الرئيس عبد الفتاح السيسي يجري اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس التركيhttps://t.co/fRE63by7mS#السيد_الرئيس_عبدالفتاح_السيسي#الجمهورية_الجديدة#موقع_الرئاسة
— رئاسة جمهورية مصر العربية (@EGPresidency_AR) February 7, 2023
لمدة شهور قبل الزلزال، خيم التوتر على علاقات تركيا مع السويد؛ بسبب رفض أنقرة التصويت لصالح طلب انضمام ستوكهولم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ما لم توقف أنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها والذي تعتبره تركيا معاديا لها.
وزاد من الأزمة بين البلدين حرق سياسي دنماركي متطرف لنسخة من المصحف قرب السفارة التركية في ستوكهولم من دون أن توقفه السلطات، وأخيرا حرق دمية لـ"أردوغان" من دون تدخل السلطات.
لكن عقب الزلزال، سارعت ستكهولم إلى تقديم التعازي إلى أنقرة وعرضت المساعدات ووصفت السويد بأنها "شريك لتركيا".
Saddened about the loss of lives in Türkiye and Syria following the major earthquake. Our thoughts go to the victims and their loved ones. I have sent my deepest condolences to @RTErdogan. As partner of Türkiye and holder of the EU presidency, we stand ready to offer our support.
— SwedishPM (@SwedishPM) February 6, 2023
وضمن "دبلوماسية الزلزال" أيضا، قدمت دول عديدة تعازيها لتركيا وأرسلت مساعدات، سواء بهدف ترسيخ علاقات تم تطبيعها مؤخرا كما في حالة إسرائيل، أو إنهاء خلافات وتحسين العلاقات بالنسبة لفرنسا والهند مثلا.
İsrail Devleti mümkün olan her yolla yardım göndermeye her zaman hazır durumdadır. Kalplerimiz bu acı dolu zamanda yas tutan ailelerin ve Türk halkının yanında.
— יצחק הרצוג Isaac Herzog (@Isaac_Herzog) February 6, 2023
كأس العالم جمع أردوغان والسيسي في قطر
كرة القدم
على هامش افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم بالدوحة، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عُقد لقاء نادر بين الرئيسين المصري والتركي، بحضور أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني".
وتصافح الرئيسان وكانت هذه أول مرة يتحدث فيها "أردوغان" إلى "السيسي" الذي يتولى الرئاسة منذ عام 2014.
هذه المصافحة اعتبرها مراقبون "نتيجة لدبلوماسية كرة القدم"، وتعني ذوبان الجليد بين تركيا ومصر.
وجرى خلال اللقاء، وفق الرئاسة المصرية، "التركيز المتبادل على عمق العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين المصري والتركي، والاتفاق على أن تكون هذه بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين".
فيما قال "أردوغان" إن المصافحة مع "السيسى" كانت خطوة أولى نحو مزيد من التطبيع فى العلاقات بين البلدين، وإن تحركات أخرى ستليها لتطبيع العلاقات، مؤكدا رغبة أنقرة في رفع مستوى الاجتماعات مع القاهرة.
كورونا
تسابقت دول وتكتلات عديدة، بينها الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي وتركيا، على تزويد دول أخرى بملايين الجرعات من اللقاحات المضادة لوباء "كورونا" الذي أُبلغ عنه للأول مرة من مدينة ووهان الصينية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019.
وتباينت دوافع المانحين للقاحات بين تعزيز النفوذ والحفاظ على المصالح أو إذابة جليد خلافات أو تحسين علاقات أو حتى منع منافسين آخرين من التواجد في مناطق النفوذ.
وضمن تنافس صيني أمريكي، حققت بكين ما اعتبره مراقبون انتصارا دبلوماسيا ناعما في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، عبر تقديمها ملايين الجرعات من اللقاحات إلى دول في أمريكا اللاتينية.
وحتى الأحد، بلغ عدد المصابين بالفيروس في العالم 755 مليونا و385 ألفا و709 أشخاص، بينهم 6 ملايين و833 ألفا و388 حالة وفاة، بحسب منظمة الصحة العالمية.
لاعب كرة السلة الصيني الشهير "ياو مينغ" (يسار)
كرة السلة
لعب عملاق كرة السلة الصيني الشهير "ياو مينغ" دورا مميزا في تعزيز العلاقات بين واشنطن وبكين من خلال لعبه في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين حتى اعتزاله عام 2011.
وبدأ "مينغ" (2.3 متر)، المولود في شنغهاي، حياته لاعبا في نادي شنغهاي شاركس، ثم ضمه نادي هيوستون روكيتس الأمريكي في 2002، ووصف حينها بأول لاعب آسيوي في ناد أمريكي كبير لكرة السلة.
الكريكت
عام 1987 قرر الرئيس الباكستاني آنذاك الجنرال "ضياء الحق" حضور مباراة كريكيت بين الهند وبلاده في مدينة جايبو الهندية في ظل توترات بين الجارتين.
ورافقه في هذه الزيارة 68 مسؤولا حكوميا وأفراد عائلته، وبالفعل أدّت إلى تهدئة التوترات بين الدولتين.
وضمن دبلوماسية اللعبة الشهيرة في شبه القارة الهندية، دعا رئيس وزراء الهند في 2011 "مانموهان سينغ" نظيره الباكستاني "يوسف رضا جيلاني" لحضور مباراة نصف نهائي كأس العالم للكريكيت بين منتخبي البلدين في مدينة موهالي الهندية.
وقبل المباراة نزل الزعيمان إلى أرض الملعب وصافحا لاعبي الفريقين، وهو ما اعتبره البعض حلقة جديدة من دبلوماسية الكريكيت أعادت إلى الأذهان خطوة "ضياء الحق".
دبلوماسية الباندا تقليد تاريخي لدى الصين
الباندا
منذ خمسينيات القرن الماضي تستخدم الصين دبلوماسية "الباندا العملاقة" كتقليد تاريخي لتعزيز علاقاتها الخارجية وكسب صداقة الدول.
وأهدت الصين، أواخر 2008، تايوان البندا "توان توان" ورفيقته في التكاثر "يوان يوان" لتعزيز العلاقات الودية آنذاك بين بكين وتايبيه.
وتعتبر الصين تايوان جزءا من أراضيها، وتعهدت سابقا باسخدام القوة إذا لزم الأمر لإعادة الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي إلى سيادتها، وفي إشارة إلى هذا الهدف، فإنّ اسمَي حيواني الباندا يعنيان "لم الشمل" أو "الوحدة".
بزيارة تاريخية إلى بكين في 21 فبراير/ شباط 1972، عزز الرئيس الأمريكي حينها "ريتشارد نيكسون" العلاقات مع الصين، لتبادر الأخيرة إلى إرسال حيوان "باندا" كهدية دبلوماسية إثباتا لحسن نواياها.
ويوجد نحو 1800 باندا عملاقة بالبرية في الصين، معظمها في مقاطعة سيتشوان، وحوالي 600 تعيش في حدائق الحيوان ومراكز التكاثر حول العالم.
"نيكسون" والزعيم الصيني "ماو تسي تونغ" خلال لقائهما التاريخي في بكين
تنس الطاولة
قبل 52 عاما، كان المنتخب الصيني لكرة الطاولة يستقل حافلة في بطولة العالم باليابان عام 1971.
وبينما كان اللاعبون يتحدثون ويضحكون، استقل اللاعب الأمريكي "غلين كوان" الحافلة بالخطأ في وقت كانت فيه بكين وواشنطن على خلاف عميق.
بعد لحظات من الصمت، قرر بطل العالم الصيني ثلاث مرات "تشونغ زيدونغ" كسر الجليد، عندما قدّم لـ"كوان" قطعة حريرية مطرزة كتذكار من الصين.
التقط مصورون لحظة التصافح والابتسام بين "زيدونغ" و"كوان" في حدث شكّل لاحقا منعطفا تاريخيا، وأطلقت ما باتت تُعرف بـ"دبلوماسية البينج بونج" (تنس الطاولة).
بعد أيام، وتحديدا في 10 أبريل/ نيسان 1971، أصبح لاعبو الفريق الأمريكي لتنس الطاولة أول أمريكيين تطأ أقدامهم أرض الصين بعد نحو ربع قرن من القطيعة، عندما تمت دعوتهم للعب مباريات ودية.
وأدت زيارة "نيكسون" للصين، في 1972، إلى ذوبان الجليد بين البلدين، وزار فريق صيني لكرة الطاولة الولايات المتحدة، ثم أُقيمت علاقات رسمية بين البلدين في 1979.