تركيا واليونان.. جولة جديدة من تضامن معتاد أم بداية حقيقية لحل الخلافات؟

الاثنين 13 فبراير 2023 06:59 ص

في أبريل/ نيسان 2021، تراشق وزير الخارجية اليوناني "نيكوس ديندياس" مع نظيره التركي "مولود جاويش أوغلو" بالتصريحات أمام وسائل الإعلام على خلفية ملفات خلافية عديدة بين بلديهما.

والأحد 12 فبراير/شباط الجاري، استقبل "جاويش أوغلو" نظيره اليوناني بالأحضان على سلم الطائرة، وهو أول وزير من الاتحاد الأوروبي يصل إلى تركيا، قبل أن يتوجها معا لتفقد مناطق منكوبة بالزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا في السادس من الشهر الجاري.

بين البلدين تاريخ من التنافس يعود إلى قرون، لكن الأوضاع تفاقمت جراء نزاعات أبرزها: ترسيم الحدود البحرية والتنقيب عن الموارد الطبيعية ولاسيما الطاقة في بحر إيجه وشرق البحر الأبيض المتوسط، والانقسام اليوناني التركي في جزيرة قبرص، والمهاجرون غير الشرعيين، وليبيا.

كما اتهمت تركيا اليونان بعسكرة بعض جزر بحر إيجه في انتهاك للمعاهدات الدولية، وهي تهمة نفتها أثينا بشدة، وفي حالات عديدة منذ عام 2020، كانت أنقرة وأثينا (المدعومة الغرب) في مواجهة وجها لوجه، بل وواجهتا خطر نشوب نزاع مسلح.

وأكثر من مرة، هدد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" اليونان بأن القوات التركية ستأتي "فجأة ذات ليلة"، وألمح إلى أن صواريخ "تايفون" التركية الجديدة يمكن أن تصل إلى أثينا.

الجار الجيد

لكن الاستقبال الحار لـ"ديندياس"، والتصريحات الدافئة المتبادلة مع "جاويش أوغلو" أثارت تساؤلات عديدة بشأن إمكانية أن تذيب ما باتت تُعرف بـ"دبلوماسية الزلزال" الخلافات الكثيرة بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

واصفا "ديندياس" بـ"الصديق"، أعرب "جاويش أوغلو" عن شكره لليونان حكومة وشعبا على تضامنهما مع تركيا "في هذه الأيام العصيبة".

وأضاف أن اليونان "من أوائل الدول التي سارعت لعرض المساعدة.. أرسلوا على الفور فرق البحث والإنقاذ وجلبوا مساعداتهم الإنسانية إلى تركيا عبر طائرات عديدة".

وشدد على أنه "يجب تطبيع العلاقات مع اليونان.. الجار الجيد يظهر وقت الضيق.. سنطبع علاقاتنا مع اليونان رغم وجود تباين في وجهات النظر بين البلدين".

وبنظرة في التاريخ الخاص بين البلدين، أضاف "جاويش أوغلو" أنه "يجب ألا ننتظر زلزالا آخر لتحسين علاقاتنا".

وهو ما شدد عليه "ديندياس" بقوله: "أريد أن أؤكد تماما في ما قاله مولود: يجب ألا ننتظر الكوارث الطبيعية لتحسين علاقاتنا".

كما نحَّى "أردوغان" السياسة المعتادة تجاه أثينا، واستقبل اتصالين هاتفيين من رئيسة اليونان "كاترينا ساكيلاروبولو"، ورئيس الوزراء "كيرياكوس ميتسوتاكيس" أعربا فيهما عن التعازي وأكدا دعم أثينا لأنقرة في كارثة الزلزال.

علنا، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، أعرب اليونانيون عن دعمهم لتركيا، باستثناء البعض على الهامش القومي المتطرف.

وأخذت النقابات اليونانية زمام المبادرة في جمع المساعدات للنازحين. وفي جميع الأحداث الرياضية في اليونان، السبت، تم الوقوف دقيقة صمت حدادا على الضحايا.

دبلوماسية قديمة

ومنذ لقاء كسر الجليد بين وزيري خارجية تركيا واليونان ارتفع منسوب التفاؤل بإمكانية حلحلة الملفات الخلافية، وصولا إلى تطبيع كامل للعلاقات بين الجارتين الواقعتين على خطوط الصدع الزلزالي.

لكن وفقا لمراقبين، يجب عدم الإفراط في التفاؤل، فالتضامن في الكوارث سياسة قديمة متجددة بين البلدين، ولا تعني بالضرورة حدوث تغييرات بعيدة المدى.

فما حدث بين "جاويش أوغلو" و"ديندياس" ليس سوى جزء من جولة جديدة من "دبلوماسية الزلزال" المعتادة بين الحليفين المضطربين اللذين كانت علاقاتهما في كثير من الأحيان فاترة، إن لم تكن معادية تماما.

وبعد 3 سنوات من خوض البلدين حربا على جزيرتين غير مأهولتين في بحر إيجه، حدث شيء مشابه في 1999، ففي أغسطس/آب من ذلك العام ضرب تركيا زلزال مدمر بقوة 7.6 درجة، وأودى بحياة نحو 17 ألف شخص.

وفي التالي، ضرب زلزال بقوة 6 درجات أثينا،مما أسفر عن مصرع 143 شخصا. وفي كلتا الحالتين، أرسل البلدان رجال إنقاذ للمساعدة في جهود بعضهم البعض. وعلى نطاق واسع أيضا، كما حدث الأحد، حرصت وسائل الإعلام الدولية على تغطية ما أحدثه الزلزالان من دفء في العلاقات الثنائية.

أطراف أخرى

ما يدعو أيضا إلى الانتظار قبل الحكم على مستقبل العلاقات التركية اليونانية هو أن بعض من أبرز الخلافات بين البلدين يوجد بها أطراف أخرى فعالة تمتلك مصالح خاصة، لاسيما فرنسا في ملف البحر المتوسط، ومصر في ملف ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا.

وربما يساهم تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا في حلحلة الخلاف بين أنقرة وأثينا بشأن الحدود البحرين مع ليبيا (الجارة الغربية لمصر).

وللمرة الأولى منذ أن تولى الرئاسة عام 2014، أجرى الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" اتصالا هاتفيا بـ"أردوغان"، أعرب فيه عن تعازيه في ضحايا الزلزال وأكد إرسال بلاده مساعدات إلى تركيا.

وهذا هو أول تواصل بينهما منذ أن تصافحا على هامش بطولة كأس العالم لكرة القدم بالدوحة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بحضور أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، بعد سنوات من التوترات منذ الإطاحة بالرئيس المصري الراحل "محمد مرسي".

لكن مع الدعم القوي لليونان من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يظل موقفهما حاسما في تحديد إن كان ما يحدث بين أنقرة وأثينا حاليا هو بداية حقيقية لحل خلافتهما أم مجرد جولة جديدة من "دبلوماسية الزلزال" المعتادة بين العاصمتين.

((4))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الزلزال تركيا اليونان خلافات البحر المتوسط بحر إيجه الطاقة قبرص ليبيا

خوفا من موجة نزوح.. اليونان تعزز ضوابط حدودها مع تركيا

بزيارة نادرة.. تركيا واليونان ترسلان رسالة ودية لتجاوز الخلافات