تحولات الطاقة تضعف النفوذ الجيوسياسي لدول النفط بالشرق الأوسط

الخميس 16 فبراير 2023 09:39 م

"من المتوقع أن تتأثر البلدان المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط سلبًا بتحولات الطاقة التي تمليها المخاوف بشأن تغير المناخ، وبالتالي فإن نفوذها الجيوسياسي الاستراتيجي القائم على الطاقة سيضعف مع الوقت".

هذا ما خلص إليه الكاتب "يونس أبو أيوب" في مقاله المنشور بموقع معهد الشرق الأوسط، رغم تأكيده أن الوقود الأحفوري لا يزال هو السائد في مزيج الطاقة العالمي، حيث يمثل النفط 34% من استهلاك الطاقة العالمي، والغاز 23%، والفحم 28%.

وبالرغم من التطورات الأخيرة في مصادر الطاقة المتجددة، وظهور السيارات الكهربائية، فإن حصتها في مزيج الطاقة لا تزال محدودة، حيث لا يزال النفط يلبي معظم احتياجات تطوير قطاع النقل، كما أن أنواع الطاقة المتجددة كالرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية ليست قادرة بعد على تغيير هذا الواقع بشكل جذري.

ويحتوي الشرق الأوسط، بما في ذلك منطقة الخليج، على ما يقرب من نصف النفط الذي يمكن الوصول إليه بسهولة، وتعد روسيا والشرق الأوسط والولايات المتحدة الآن هي المصادر الرئيسية للغاز.

ويرى الكاتب أنه حتى بعد النصف الثاني من القرن العشرين، استفاد الاقتصاد العالمي من النفط الرخيص نسبيًا، وشكّلت هذه السلعة الهامة الجغرافيا السياسية للعصر، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، أصبح النفط المصدر الرئيسي للطاقة على المستوى العالمي.

وزاد اعتماد الدول المتقدمة على نفط دول الجنوب، وقد كان لهذا الواقع تأثير قوي على العلاقات الدولية والجغرافيا السياسية في المنطقة، فيما تلقت سياسات الطاقة عدة صدمات، وبمرور الوقت أصبح هذا مكونًا رئيسيًا للدبلوماسية والعلاقات الدولية، ما أدى إلى إعادة التفكير في أساليب التسعير.

ويعدد الكاتب 3 جهات فاعلة رئيسية في صناعة النفط تتمتع بقدرة تفاوضية غير متكافئة، وهي البلدان المنتجة للنفط، والبلدان المستهلكة، وشركات النفط عبر الوطنية، وفي أغلب الأحيان، لا تتقارب مصالح هؤلاء الفاعلين الثلاثة. وتؤدي هذه المصالح المتضاربة أحيانًا إلى مواجهات جيوسياسية.

وعلى المستوى الوطني، بالنسبة للبلدان المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لعبت الاقتصادات القائمة على النفط والغاز دورا في السياسات المحلية والخارجية، وكان لها دور في إنشاء نظام مالي حقيقي قادر على تحقيق حل وسط مع مختلف الفئات الاجتماعية.

ووفقا للكاتب، أدى الاعتماد القوي للدول المنتجة للنفط في المنطقة على صادراتها بانتظام، إلى عدم استقرار الاقتصاد الكلي بسبب التقلبات في المستوى الدولي، وبالتوازي مع تطوير أنماط الاستهلاك غير المستدامة، فإن هذا النظام الريعي غير قادر على خلق فرص عمل تتماشى مع النمو.

ويؤكد أن التغييرات الهيكلية التي يتطلبها التنويع الاقتصادي ستعمل بلا شك على تمكين دوائر الأعمال التجارية التي قد تميل إلى تحدي النخبة الحاكمة، ولن يكون إنشاء عقد اجتماعي جديد أمرًا سهلاً حتى مع انخفاض عائدات النفط.

وينقلنا "أبو أيوب" إلى المستوى العالمي، حيث أن الموارد الهيدروكربونية هي أيضًا عامل قوة وتأثير على المستوى الدولي.

وتعتمد المنطقة، باعتبارها أكبر مصدر صافٍ للنفط الخام في العالم، والتي تضم نصف احتياطيات النفط العالمية المؤكدة وأكثر من ثلث احتياطيات الغاز، اعتمادًا كبيرًا على الطاقة في تشكيل وضعها الجيوسياسي.

وأوضح مثال على ذلك هو التحالف السياسي والأمني الدائم بين السعودية والولايات المتحدة منذ الثلاثينيات حول تصدير نفطها.

ومع ذلك، فإن الانخفاض التدريجي في الواردات منذ بداية عام 2010 واحتمال أن تصبح الولايات المتحدة مصدرًا صافيًا للنفط قبل عام 2030، بفضل استغلال الموارد غير التقليدية، هي مصادر قلق اقتصادي وسياسي لدول الخليج، وعلى وجه الخصوص السعودية التي قد تخشى إضعاف تحالفها مع واشنطن.

ويشير الكاتب لمثال آخر، هو قطر، التي وفرت قدرتها على تسييل الغاز، قدرة مالية وبالتالي نفوذًا سياسيًا قويًا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

وينوّه الكاتب في مقاله إلى أن فك الارتباط الاستراتيجي الأمريكي التدريجي عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فضلاً عن مواجهتها مع دول مثل روسيا وإيران وفنزويلا، أدى إلى تعميق العلاقات بين موسكو وعدد من دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط والغاز، وبالتالي إدخال تنويع وتوسيع دبلوماسية الطاقة في المنطقة.

وفي حين، تتماشى العديد من دول الشرق الأوسط تقليديًا مع المواقف الأمريكية، إلا أنها ليست مستعدة لعزل روسيا.

وهنا يدل امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 على رغبة معينة في الاستقلال، بالرغم من دعمها لاحقًا لقرار الجمعية العامة (غير الملزم قانونًا).

ويشير الكاتب إلى أن بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتابع التطورات الجيوسياسية عن كثب، وترغب في تنويع علاقاتها الدبلوماسية، وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة لدول مثل السعودية والإمارات، الغارقة في الصراع في اليمن.

وأخيرًا، مع بلوغ الطلب على النفط ذروته في أوروبا منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سارع مصدرو النفط الخام في منطقة الشرق الأوسط في تحولهم نحو الأسواق الآسيوية، ورسموا مسارات جديدة ذات آثار جيوسياسية هائلة.

ويفترض الكاتب أن البلدان المنتجة في منطقة الشرق الأوسط سوف تتأثر سلبًا بتحول الطاقة، وبالتالي فإن نفوذها الجيوسياسي الاستراتيجي القائم على الطاقة سيتلاشى.

في الواقع، نظرًا لأن تحولات الطاقة تمليها في الغالب المخاوف بشأن تغير المناخ، فمن المتوقع أن ينخفض الطلب على النفط، وسيكون لهذا تداعيات جيوسياسية استراتيجية.

وإلى جانب ما سبق، يتوقع الكاتب أن ينمو الطلب على الغاز المسال والإيثان، وسيشمل مزيج الطاقة الجديد أيضًا أنواعًا أخرى من الطاقات المتجددة.

ويمكن أن يساعد التحول العالمي للطاقة في تقليل الفوائد السياسية التي تجنيها بعض البلدان من تصدير الهيدروكربونات الخاصة بها، كما هو الحال مع الفحم من الستينيات فصاعدًا، وسيستمر استهلاك النفط ولكن قيمته الاقتصادية والجيوسياسية ستنخفض في النهاية تدريجياً.

ومع ذلك، يقر الكاتب أنه بالرغم من أن العديد من العوامل المتعلقة بالطاقة قد تساهم في تآكل الوضع الجيوسياسي للمنطقة، فإن الخسارة الاستراتيجية تظل نسبية ويجب تفسيرها بفروق بسيطة. ولكن ستتأثر جميع مناطق العالم بطريقة أو بأخرى بعملية انتقال الطاقة.

وفي أعقاب الحرب في أوكرانيا، من المقرر أن ينمو الدور الجيوستراتيجي للغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ستصبح هذه السلعة القيمة جزءًا مهمًا بشكل متزايد من قطاع الطاقة في المنطقة.

وعلى سبيل المثال يعمل العراق، على تطوير الحقول في منطقته الغربية ومحافظة ديالى، في حين تراهن السعودية بشكل متزايد على تطوير الغاز غير التقليدي في الجافورة وما إلى ذلك.

وبالنسبة لقطر، ربما يكون هذا هو أفضل مثال على القوة الجيوسياسية الاستراتيجية المتنامية، مع حصتها المتزايدة في مزيج الطاقة، وإزالة الكربون من سلسلة الغاز، وتعزيز الدور الذي يلعبه الغاز في المرحلة الانتقالية.

ومن زاوية أخرى، لم تعد الولايات المتحدة معتمدة على الخارج في مصادر الطاقة على عكس الصين التي  تعد الآن أكبر مستورد صاف للنفط في العالم. ولما سبق تتابع الدول هذا التحول في مجال الطاقة وتحاول أن تقلل من خسائرها الجيوسياسية.

المصدر | يونس أبو أيوب/ معهد الشرق الأوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الطاقة الغاز المنطقة قطر الشرق الأوسط

وول ستريت جورنال: شركات النفط العالمية بدأت تعود لشمال أفريقيا بسبب روسيا

أرامكو السعودية: التحول الكامل للطاقة خلال ربع قرن فكرة خيالية