استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أمريكا والودّ البارد تجاه أوروبا

الاثنين 20 فبراير 2023 06:57 ص

أمريكا والودّ البارد تجاه أوروبا

من يتابع علاقات أمريكا بدول أوروبا قد لا يمنع نفسه من الذّهاب إلى الاعتقاد بحاجة أمريكا إلى أوروبا ضعيفة تكون رهينةً لسياساتها.

تفضي الرّأسماليّة، حكماً، إلى علاقاتٍ تنافسيّة؛ بل صراعيّة، بين الرّأسماليّات خاصّةً بعد زوال العدوّ الشّيوعيّ التّقليديّ الذي كان وجودُه يؤلِّف بينها.

لم يحْمِل الأمريكيون كثيرا من الودّ لأوروبا، أو هكذا - على الأقلّ - تبدو حالهم منذ أصبح للأمريكيّين موطئُ قدمٍ في أوروبا قبل قرن ونيف.

ظلت أمريكا تسعى أن تقطع على أوروبا خطّ تفاهُمها مع مراكز دوليّة أخرى غير المركز الأمريكيّ، لتظلّ أوروبا مجالاً حيويّاً حصْريّاً للنّفوذ الأمريكيّ.

سياسة أمريكا بإزاحة أوروبا من مركز السّيادة وبسْط النّفوذ عليها تنتمي لمبدأ المصلحة؛ المبدأ الذي حوّلتْه الرّأسماليّة إلى معتقدٍ جديد حاكمٍ للسّياسة والدول.

لم تسمح أمريكا لدول غرب أوروبا بإبداء أيَّ شكلٍ من الاستقلال بالقرار عن واشنطن على نمط السّابقة الفرنسيّة في عهد الرّئيس شارل ديغول (الانسحاب من حلف شمال الأطلسيّ).

*   *   *

مع أنّ الأمريكيين ذوو أصولٍ أوروبية ابتداءً - قبل أن يتّسع نطاق روافدهم البشريّة (الأفريقيّة واللاّتينيّة والآسيويّة) -؛ ومع أنّ ذوي تلك الأصول (الأوروبية) من البيض هُم من يملكون السّلطة السّياسيّة والاقتصاديّة والماليّة، التي ورثوها عن أجدادهم الأوروبيّين المهاجرين، إلاّ أنّهم لم يحْمِلوا الكثير من الودّ للأوروبيّين، أو هكذا - على الأقلّ - تبدو حالهم مع الأخيرين منذ أصبح للأمريكيّين موطئُ قدمٍ في أوروبا منذ قرن.

تحاول عبارةُ الغرب - بكلّ ما تضْمِرُه من غموض والتباسٍ وعموميّة - أن تتستّر على تلك الفجوة الهائلة التي تقوم، نفسيّاً، بين العالميْن الأمريكيّ والأوروبيّ، لكنّها العبارة التي سرعان ما تنفضح حيلتها عند كلّ منعطفٍ سياسيّ يجد فيه هؤلاء وأولئك أنفسَهم في حالٍ من النّزاع الصّامت على المصالح.

لعلّ أمريكيّي هذه القرون التي أعقبت إعلان دستورهم نسوا معاناتهم في مجتمعات أوروبا، ومع طبقاتها العليا والوسطى على نحوٍ خاصّ، حين كانوا أوروبيّين ينتمون إلى فئاتٍ اجتماعيّة هامشيّةٍ ورثّة تجمع جيشاً عرمرماً من المتبطّلين والخارجين على القانون (قبل بدايات القرن السّادس عشر)؛ ولعلّهم تناسوها لئلاّ تُذكِّرهم بما كانت عليه حالهم من بؤسٍ وقَهْر؛ كما قد لا يكون مستبعداً، تماماً، أن يظلّ شيء من تلك الذّكرى المؤلمة في النّفوس (ولو على نحوٍ غيرِ موعى به)!

وفي هذه الحال، مَن يمنع المرء من النّظر إلى الوصاية الأمريكيّة على أوروبا، وسياسات واشنطن تجاه قرار الأوروبيّين ووجوب انتظامه تحت سقف القرار الأمريكيّ، من حيث هو تعبيرٌ عن قِصَاصٍ أمريكيّ من أوروبا وما فعلَتْه بمَن عَدَّتْهم من حثالاتها التي كان تخلصُها منهم شرطاً لتحقيق إقلاعها؟

إنْ تركنا، جانباً، أثر العوامل النّفسيّة العميقة في صناعة السّياسات وهندسة الخيارات، سنُلفي أنّ الأمريكيّين ظلّوا موزّعين - في علاقاتهم بأوروبا والأوروبيّين - بين مسلكيْن يبْدوان متناقضيْن؛ بين الانتهال من أوروبا والبناء على نموذجها من جهة، وتحيُّن الفُرص لإزاحتها ووراثة دورها من جهةٍ أخرى:

حاكَتِ أمريكا النّموذج الاقتصاديّ والسّياسيّ والعلميّ في أوروبا الغربيّة منذ القرن الثّامن عشر وأعادت إنتاجه، في عقر دارها، وذهبت به إلى الأبعد لتعيد تصديره إلى أوروبا والعالم. تَدين لأوروبا بكلّ شيء صَنَع نهضتها ووحدتَها وتقدّمَها وأسباب سيادتها على العالم؛ وليس من شيء يُسْتَغرب في ذلك، لأنّ الذين بَنَوا أمريكا، أوروبيّون وهي امتدادٌ لبلدانهم الأوروبيّة الأصل التي وفدوا منها، وثمرة من ثمرات علومها وعقولها ورساميلها.

لكنّ أمريكا لم تمنع نفسها، يوماً، من أن تتحيّن فرصةً للانقضاض على مركز أوروبا والاستيلاء عليه وفرْض التّبعيّة عليها بالتّالي.

وإذا كانت سياسةُ الانتهال من أوروبا ومن نموذجها تنتمي إلى الجذر الثّقافيّ المشترك وإلى حاجة أمريكا إلى تأهيل نفسها بالموارد التي صنعت تقدُّم أوروبا، فإنّ سياسة إزاحتها من مركز السّيادة وبسْط النّفوذ عليه هو ممّا ينتمي إلى مبدأ المصلحة؛ المبدأ الذي حوّلتْه الرّأسماليّة إلى معتقدٍ جديد حاكمٍ للسّياسة والدول.

هكذا لم تتورّع أمريكا في اغتنام فرصة نزيف أوروبا، في حربيْها الكبريين، واضمحلال قواها وقدراتها على المنافسة، لتضع دولها (في غرب القارّة) تحت نفوذها العسكريّ والسّياسيّ والاقتصاديّ مستغلّة صعود النّظام السّوفياتيّ وقيام أنظمة شّيوعيّة شرق أوروبا.

ومنذ ذلك الحين من منتصف أربعينات القرن العشرين، لم تسمح الولايات المتّحدة لدول غرب أوروبا بأن تبديَ أيَّ شكلٍ من إرادة الاستقلال بالقرار عن واشنطن اقتداءً منها ( دول أوروبا) بالسّابقة الفرنسيّة في عهد الرّئيس شارل ديغول (الانسحاب من حلف شمال الأطلسيّ).

وما كانت دول أوروبا الغربيّة، من جهتها، أمام ترف الخيار بين الاستقلاليّة والتّبعيّة لواشنطن؛ فلقد فرضت عليها أجواء الاستقطاب الدّوليّ والهلع من الاتّحاد السّوفييتيّ أن تسلّم بالوصاية الأمريكيّة على قرارها. ولم يتغيّر شيء كثير حتّى بعد انهيار الاتّحاد السّوفييتيّ وسقوط أنظمة حلفائه في شرق أوروبا، وزوال الحرب الباردة.

والحقّ أنّ من يتابع فصول علاقات أمريكا بدول أوروبا قد لا يمنع نفسه من الذّهاب إلى الاعتقاد بأن حاجة أمريكا إلى أوروبا ضعيفة تكون رهينةً لسياساتها.

وليس مردّ هذه الهواجس الأمريكيّة إلى ما تفضي إليه الرّأسماليّة، حكماً، من علاقاتٍ تنافسيّة؛ بل وحتّى صراعيّة، بين الرّأسماليّات خاصّةً بعد زوال العدوّ الشّيوعيّ التّقليديّ الذي كان وجودُه يؤلِّف بينها، وإنّما يفسِّر بعضَه أنّ أمريكا ظلّت تسعى - حتّى اليوم - أن تقطع على أوروبا خطّ تفاهُمها مع مراكز دوليّة أخرى غير المركز الأمريكيّ، من أجل أن تظلّ هذه الأوروبا مجالاً حيويّاً حصْريّاً للنّفوذ الأمريكيّ.

*د. عبد الاله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

أمريكا أوروبا الصراع الرأسمالية حلف شمال الأطلسي النفوذ الأمريكي