استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

قليلٌ من الرشد كثيرٌ من الحكمة!

السبت 25 فبراير 2023 10:08 ص

قليلٌ من الرشد كثيرٌ من الحكمة

الدبلوماسية سيفٌ ذو حدّين وأي خطوة غير محسوبة يمكن أن يكون ثمنها مكلفا جدا، فالرجاء قليل من الرشد كثير من الحكمة.

اشتباكات محدودة بين بعض الوافدين الأفارقة والسكان في عدة جهات وهي حالاتٌ بقيت تحت السيطرة ولم تخرُج عن رقابة الدولة ومؤسّساتها.

اعتبره كثيرون خطاب قيس سعيّد انحرافا بالموضوع نحو العنصرية وتبنّيا لمنظور حركات أقصى اليمين في أوروبا وغيرها من المناطق والدوائر الغربية.

اتهم سعيّد أطرافا ودولا لم يسمّها قال إنها تخطّط لإحداث تغيير ديمغرافي في تونس وتهديد هويتها العربية والإسلامية عبر تدفّق المهاجرين من جنوب الصحراء.

جاء خطاب الرئيس لينقل المسألة من إطارها كظاهرة اجتماعية وعالمية إلى مستوى آخر من التحليل، ويُدرجه ضمن مخطّط تآمري خطير، يهدف لتذويب الهوية الوطنية.

*   *   *

قرّر الرئيس التونسي قيس سعيّد عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي، من أجل مقاومة ظاهرة تدفّق المهاجرين من دول جنوب الصحراء، واتهم أطرافا ودولا لم يسمّها قال إنها تخطّط لإحداث تغيير ديمغرافي في تونس وتهديد هويتها العربية والإسلامية.

وهو خطابٌ آثار المنظمّات الحقوقية، داخل البلاد وخارجها، التي رأت في ذلك روحا معادية لحقوق الإنسان ومناقضةً للمواثيق الدولية والإقليمية التي وقّعت عليها الدولة التونسية.

لم يولد هذا الخطاب المشحون من فراغ، فقد لوحظ، أخيرا، وجود أعداد لافتة للنظر من المواطنين الأفارقة في عدد من ولايات الجمهورية. وبعد أن كان وجودهم يقتصر على الطلبة وموظّفي المؤسّسات والسفارات، اتّسع العدد ليشمل بالخصوص عمالا وعاطلين مستعدّين للعمل في أي مجال، وهو ما جعل بعضهم عرضةً للاستغلال.

وترتّبت عن هذه الظاهرة أحيانا اشتباكات محدودة بين بعض منهم والسكان في عدة جهات، وهي حالاتٌ بقيت تحت السيطرة ولم تخرُج عن رقابة الدولة ومؤسّساتها.

يتحدّث أنصار قيس سعيّد في صفحاتهم ومواقعهم الإلكترونية عن وجود ما لا يقلّ عن مليون مهاجر أفريقي في تونس، وهي مغالطة خطيرة وغير نزيهة، لأن الغرض منها ترويج شحنة قوية من الخوف في نفوس السكان، بينما تتحدّث المصادر وتقديرات المتابعين عن أن عددهم يتراوح بين 21 ألفا و60 ألف مهاجر، أغلبهم في وضعيةٍ غير قانونية.

وهو أمرٌ كان متوقّعا بسبب أزمة المناخ والأوضاع المضطربة في الدول المجاورة، وخصوصا وضعية تونس دولة عبور نحو أوروبا من خلال السواحل الإيطالية، فالعولمة اكتسحت الجميع، والتنوع الثقافي والعرقي والديني اخترق جميع المجتمعات، ولم تعد هناك مجتمعاتٌ "صافية" مائة بالمائة.

جاء الخطاب العلني والأمني لرئيس الدولة لينقل المسألة من إطارها كظاهرة اجتماعية وعالمية إلى مستوى آخر من التحليل، ويُدرجه ضمن مخطّط تآمري خطير، يهدف إلى تذويب الهوية الوطنية.

هذا الخطاب اعتبره كثيرون انحرافا بالموضوع من زاوية عنصرية، وتبنّيا لمنظور حركات أقصى اليمين في أوروبا وغيرها من المناطق والدوائر الغربية.

ما يُخشى أن تكون لهذا الخطأ الدبلوماسي والسياسي الكبير تداعيات سلبية على تونس والتونسيين في أفريقيا والأفارقة، ويضع الجميع ضمن سياقٍ مختلفٍ تماما عن البعد الأفريقي الذي كان يعدّ من ثوابت الدبلوماسية التونسية.

ففي وقتٍ تسعى جميع الدول، خصوصا الكبرى منها، إلى ربط علاقات استراتيجية مع القارّة السمراء بوصفها جزءا من بناء المستقبل العالمي، يُخشى أن تختار الرئاسة التونسية سياسة الانغلاق، ما يؤثر بشكل خطير على علاقة جزء واسع من التونسيين بإخوانهم الأفارقة، ما قد يدفع عديدين منهم إلى مطالبة سفارات دولهم بإعادتهم إلى دولهم.

حاول الرئيس إشاعة تطمينات، بعد الضجة التي أحدثها خطابه الأول في أوساط المهاجرين الأفارقة وردة الفعل القوية من الجمعيات الحقوقية، التي اتهمها الرئيس بالكذب والحصول على أموال من الخارج من أجل توطين المهاجرين.

ورغم أهمية هذه التطمينات، فإن الضرر قد وقع، ويصعب إصلاحه بسهولة. لقد أصرّ على وجود مخطّط لتغيير هوية البلاد وتركيبتها الديمغرافية، وهو ما من شأنه أن يعمّق مشاعر الخوف والعداء في أوساط عموم التونسيين تجاه أصحاب البشرة السوداء.

الدبلوماسية فن وذكاء وقدرة على معالجة المشكلات العويصة بسلمية وحكمة وبدون إثارة وبأقلّ التكاليف. إذ يجب ألا ننسى أن ثمّة جاليات تونسية مقيمة في دول أفريقية عديدة، لا بد من التفكير في أمنها وحماية مصالحها ودعم وجودها والثقة فيها.

وهناك عشرات الآلاف من المهاجرين في أوروبا لا يملكون عقودا ووثائق قانونية، وهناك قوى عنصرية تعمل بكل الطرق من أجل طردهم وإعادتهم من حيث أتوا، في حين تقف إلى جانبهم عشرات الجمعيات الحقوقية تدافع عن حقوقهم بشراسة، وتسعى إلى تقديم العون لهم.

الدبلوماسية سيفٌ ذو حدّين وأي خطوة غير محسوبة يمكن أن يكون ثمنها مكلفا جدا، فالرجاء قليل من الرشد كثير من الحكمة.

*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس قيس سعيد الهوية الدبلوماسية العنصرية تدفق المهاجرين جنوب الصحراء