كيف يمكن لدول الخليج فرض نفسها كفاعل دولي في عالم متعدد الأقطاب؟

الأحد 26 فبراير 2023 09:03 ص

"يمكن لدول الخليج أن تفرض نفسها كفاعل دولي لا غنى عنه في استتباب الأمن العالمي، إذا ما تبنت رؤية مشتركة، وعملت على الحفاظ على التوازن بين قوى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين"..

هكذا تحدث تحليل لمنتدى "فكرة" نشره معهد واشنطن، مؤكدا أن توازن دول الخليج مع النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي يتشكل حاليا، سيجعلها قادرة على تفكيك أزمات أمن الطاقة العالمية والتحولات الاقتصادية التي ستعقبها، وستكون قادرة على مواجهة أي تداعيات قد تنتج عن الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب.

يقول التحليل، إن الحرب الروسية الأوكرانية، والقائمة الطويلة من الصراعات العالمية المحتملة التي تنتظر دورها في الاشتعال في تايوان وبحر الصين الجنوبي وجزر الكوريل وكوريا الشمالية وإيران، يشكل جرس إنذار إستراتيجي لجميع دول العالم، مفاده أن النظام الدولي بعد هذه الحرب والصراعات المحتملة لن يكون كما قبلها، وأن نظاما متعدد الأقطاب بدأ يلوح في الأفق.

ويضيف: "هذا يحتم على الدول مراجعة حساباتها الاقتصادية وتحالفاتها السياسية، ومن ثم إعادة تعريف مصالحها الجيوسياسية للتكيف مع أوضاع جديدة قادرة على تأمين الاكتفاء الذاتي لاحتياجات ومتطلبات الدولة خلال أزمات عالمية معقدة، لا يبدو لها سقف زمني واضح، ولا عواقب واضحة ومحددة يمكن التحكم بها".

وفي القلب من هؤلاء تأتي دول الخليج العربي، التي تواجه حسب التحليل، عمليات إعادة التقييم معقدة بشكل متزايد، وذلك في ظل التطورات الجيوسياسية الراهنة للنظام الدولي، إذ يعتبر تحديد مسارٍ جديد للمرحلة القادمة أمرا في غاية الأهمية، لأسباب ليس أقلها إن دول الخليج تنتج 40% من إجمالي الطاقة في العالم.

مصالح وتحالفات

ويتوقع التحليل أن تدفع دول الخليج لإعادة تعريف مصالحها وتحالفاتها، فلا تستطيع دول الخليج أن تتجاهل بوادر تحالف استراتيجي دولي كبير بدأ يتشكل عبر منظمة "شنجهاي"، يضم روسيا والصين وإيران والهند وباكستان ودول آسيا الوسطى.

وبالمثل، تدرك دول الخليج أيضا أهمية الدورين الروسي والصيني في كبح جماح إيران في المنطقة، خاصة إذا انهار الاتفاق النووي (نهائياً) وتحولت إيران إلى نموذج كوري شمالي جديد في المنطقة.

ويتابع التحليل: "في السياق ذاته، ما زالت الدولة الخليجية غير قادرة عن تبني سياسة خارجية مستقرة كون مواقفها الدولية ما زالت غير محددة، وذلك بسبب حالة الانقسام السياسي في واشنطن، والتي أدت تناقضاتها وتذبذباتها إلى انعكاسات سلبية على الشراكة مع الدول الخليجية، حيث يخلق ذلك حالة من عدم اليقين بين تلك الدول بشأن الكيفية التي ستنظر بها الحكومات الأمريكية المتعاقبة إلى سياساتها".

علاوة على ذلك، والحديث للتحليل، لا زالت تداعيات الحرب الأوكرانية وعواقبها غير واضحة بشكل كامل ودقيق على الأمن والاقتصاد الدوليين، خاصة في ظل تداعيات أزمة الطاقة وأسعارها العالمية. ومن ثم، لا تستطيع دول الخليج التضحية بزبائن نفطيين كبار على شاكلة الصين.

ويضيف: "كما لا تستطيع تجاهل دورها العالمي الجديد، وحجم نفوذها واستثماراتها في الشرق الأوسط، ومبادرتها لتغيير ملامح الاقتصاد العالمي المتمثلة في طريق الحرير، إضافة إلى إدراك دول الخليج أيضا أهمية تحالف (البريكس) الذي يضم الدول الأسرع نموا (اقتصاديا) حول العالم ممثلاً بروسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا".

خيارات متعددة

وفي ظل هذه الإدراكات الخليجية والظروف الدولية الراهنة والواقع السياسي على الأرض، ترتسم أمام صناع القرار الخليجيين جملة من الخيارات لتحديد ملامح التوجه الإستراتيجي الجديد لها في المرحلة المقبلة.

ومن ثم، تبدو عملية تنويع الشراكات الدولية لدول الخليج "خيارا مناسبا" في السياق الدولي الراهن، ومع ذلك، حسب التحليل، تظل طبيعة ومضمون هذا التنويع قضية ملحة تحتاج إلى حل بالنظر إلى علاقة الخليج مع الولايات المتحدة.

ومن ثم، يمكن لدول الخليج أن تمضي قدما في عقد شراكات استراتيجية مع الصين وروسيا وقوى صاعدة أخرى، وهو ما قد يتسبب في إلحاق الضرر بعلاقاتها مع واشنطن، أو يمكن لها أن تبدأ بإنشاء علاقات تكتيكية ومشروطة مع تلك القوى مع الحفاظ في نفس الوقت على المستوى الاستراتيجي من الشراكة مع واشنطن.

ويشير التحليل إلى أن "الخيار الأخير سيسمح لتلك الدول بموازنة مصالحها الجيواستراتجية بين الولايات المتحدة من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى، وهو ما سيجنبها صعوبة إقناع واشنطن بجدوى تطوير شراكات استراتيجية مع الصين وروسيا".

ومن ثم، فإن إنشاء شراكات تكتيكية ومشروطة لا ترتقي إلى مستوى استراتيجي بين تلك الدول وبين الصين وروسيا، سيكون مقبولا بالنسبة للولايات المتحدة.

وسيكون أيضا مقبولا لكلا من الصين وروسيا اللتين تقدران العمق الاستراتيجي للعلاقات الأمريكية الخليجية، حسب التحليل.

أما في حالة اعتماد دول الخليج الخيار الثاني، فإنها يمكن أن تصبح بمثابة قناة تواصل وتفاهم وتوازن بين مصالح الولايات المتحدة، وبين مصالح الصين وروسيا في مختلف القضايا العالمية وأبرزها قضايا الطاقة والتجارة.

وعلى وجه الخصوص، يمكن أن تلعب الإمارات دورا عالمياً مهماً في إدارة التوازنات والمصالح الدولية في منطقة الشرق الأوسط على أقل تقدير نظراً لمكانتها الإقليمية المتميزة.

كما يمكن للسعودية أن تعلب دورا أكبر في إدارة هذا التوازن بين المصالح العالمية، إذا ما طورت أجهزتها البحثية والدبلوماسية، وتبنت رؤية سياسة واضحة ومحددة ودقيقة لهذا الغرض.

كذلك بإمكان قطر وعُمان أن تدير ملفات معقدة بين الولايات المتحدة وبين الصين وروسيا، نظرا لباعهم الطويل في مجال المفاوضات المعقدة، فقطر نجحت في إبرام اتفاق بين حركة طالبان والولايات المتحدة.

بينما نجحت عُمان في عدة صفقات بين إيران والولايات المتحدة بما فيها الاتفاق النووي عام 2015.

ما المطلوب؟

وبغية تحقيق هذا الغرض، يتحدث التحليل إلى أهمية صياغة آلية محددة لدول الخليج لتتمكن من خلالها إدارة توازن حساس ودقيق بين المصالح الأمريكية وبين المصالح الروسية الصينية.

وحتى يتحقق هذا التوازن "ينبغي ألا يرتقي التعاون الدفاعي بين دول الخليج وبين روسيا والصين إلى معاهدة دفاع مشترك، وألا يؤثر على منظومة التسليح الأمريكية في دول الخليج، وخاصة منظومات الدرع الصاروخية".

وأيضا، يجب ألا يضر التعاون بين دول الخليج وبين روسيا والصين بالمصالح الأمريكية أو يمسها بشكل مباشر، أو يضر بمصالح حلفاء واشنطن، خاصة فيما يتعلق بأمن إمدادات الطاقة وأمن إسرائيل.

وويتابع التحليل توصياته بالقول: "يجب أيضا ألا يفضي التعاون مع الصين وروسيا إلى الهيمنة على منطقة الخليج، ما قد يؤدي إلى رد فعل من قبل البيت الأبيض أو الكونجرس".

ويضيف: "من الضروري بمكان أن تتوخى دول الخليج الحذر بحيث تنأى بنفسها عن الانخراط المباشر أو غير المباشر في صراعات روسيا ونفوذها حول العالم".

في المقابل، والحديث للتحليل، فإنه على دول الخليج أن تطالب واشنطن بسياسة واضحة ومحددة ودقيقة تجاه قضايا الشرق الأوسط، على أن تكون خالية من التناقضات والتذبذبات التي تفرزها الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء الجمهورية أو الديمقراطية.

ويزيد: "كما ينبغي ألا تتدخل واشنطن في تفكيك التزامات خليجية قديمة مع القوى الدولية الأخرى نظرا لما يترتب على ذلك من إضرار بالمصالح الخليجية".

ويشير إلى أنه بإمكان إسرائيل، وبموجب اتفاقيات السلام المبرمة إقليميا، أن تلعب دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر الخليجية مع نظيرتها الأمريكية حول بعض القضايا الإقليمية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج أمريكا روسيا الصين النفط الأمن

شرق أوسط جديد.. إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية بقيادة السعودية وتركيا