استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مقتدى الصدر: النفوذ الضائع وحلم السلطة المؤجل

الأحد 5 مارس 2023 07:47 ص

مقتدى الصدر: جردة حساب للنفوذ الضائع وحلم السلطة المؤجل

انسحاب مقتدى الصدر وحركته من المشهد السياسي لا يعني اختفاؤه التام، هي على الأغلب، هدنة لإعادة ترتيب أوراقه. وبالتأكيد هي تمهيد لهوية جديدة تضمن له الفرصة في مناورة جديدة لتحقيق أحلامه المؤجلة.

* * *

بعد تصدر التيار الصدري لنتائج الانتخابات البرلمانية في العراق عام 2021 بحصولهم على 73 مقعداً من أصل 329، أخفقت الحركة الصدرية في تشكيل حكومة أغلبية وطنية. حاول التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي والسياسي مقتدى الصدرتهميش الأحزاب السياسية الشيعية الأخرى والدخول في تحالف مع الكتلة السنية الأبرز والحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن مساعيه لم تنجح.

وبعد نجاح الإطار التنسيقي الشيعي (مظلة سياسية تجمع أغلب الأحزاب الشيعية المعتدلة والمقربة من إيران) في عرقلة التيار الصدري في الانفراد بالسلطة، انسحب مقتدى الصدر مؤقتاً من المشهد السياسي.

الآن، هناك حكومة بقيادة رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، بدون تواجد للتيار الصدري، بعد أن أمر رجل الدين والسياسي الشعبوي، مقتدى الصدر، نواب حركته السياسية بالاستقالة من البرلمان وترك المشهد السياسي العراقي خالياً أمام خصومه من الشيعة.

علي ضوء هذه الخلفية، تبرز العديد من الأسئلة الهامة، منها: كيف نشأ التيار الصدري؟ وكيف نجح طوال السنوات الماضية في لعبته المزدوجة مع حلفائه وخصومه للاستمرار كلاعب هام وفاعل في الحياة السياسية؟ وأين يقف التيار الآن بعد انسحابه من العملية السياسية؟

الصدر الأب: المرجع الثائر

بزغ نجم التيار الصدري منذ التسعينات مع غزو الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين للكويت، لعب السيد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، دوراً محورياً على مختلف الأصعدة، اجتماعيًا ودينيًا وسياسيًا. لجأ الصدر الأب إلى توسيع نفوذه عن طريق لعب دور في الصراع الاجتماعي والطبقي داخل الحوزة الدينية في العراق، فكان الصوت الوحيد لأبناء الطبقات الفقيرة من المحافظات الجنوبية الشيعية المهمشة داخل المؤسسات الدينية، وهو ما زاد من صيته ومكانته.

استفاد الصدر الأب من حركة التمرد الشيعي في محافظات الجنوب بعد حرب الخليج الثانية، واستطاع توحيد المحتجين خلفه، أما داخل المؤسسة الدينية في النجف، فكان محمد صادق الصدر، متمردًا على الطريقة التقليدية التي تُدار بها الحوزة، محاولاً لعب دور موازي لآية الله العظمى، روح الله الخُميني في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن بشروطه وطريقته الخاصة.

فأخذ في انتقاد صمت حوزة النجف عن السياسة في العراق، وكان داعماً لفكرة "ولاية الفقيه" مع تحفظه على أن تكون "ولاية مطلقة" كما هي النسخة الخُمينية في إيران.

خلال التسعينات، استطاع السيد محمد صادق الصدر، تكوين قاعدة جماهيرية من الطبقات الشيعية الفقيرة المتواجدة على الهامش، لتكون هذه الطبقة ثروته الاجتماعية الممتدة التي يعتمد عليها مقتدى الصدر الابن حتى اليوم.

الجدير بالذكر، أن صدام حسين وبالرغم من اضطهاده للشيعة ولرجال الدين في حوزة النجف، إلا أنه في وقت من الأوقات دعم محمد صادق الصدر في محاولة منه لخلق بديل منافس للخُميني، لكنه انقلب عليه في النهاية وتم اغتياله عام 1999.

سقوط صدام وبداية مقتدى الصدر

حتى بداية عام 2003، لم يكن العراقيون يعرفون الكثير عن الحركة الصدرية. بعد اغتيال السيد محمد صادق الصدر، كان من المتوقع أن يتم القضاء على الحركة الدينية الثورية الجديدة، لكن مقتدى الصدر استطاع كتابة تاريخ جديد للحركة، يعتقد البعض أن اغتيال رجل الدين عبدالمجيد الخوئي في أبريل 2003، كان حادثاً مدبراً يقف خلفه مقتدى الصدر، وأياً كانت الحقيقة، فلا يمكن تجاهل أن اغتيال الخوئي كان له أثر في تمهيد الطريق أمام مقتدى الصدر نحو توسيع نفوذه، السياسي والديني.

بالتوازي، كانت الفوضى التي تبعت حرب العراق التي قادتها الولايات المتحدة هائلة، قرر مقتدى الصدر أن يكون للتيار الصدري دوراً في السيطرة على هذه الفوضى، كما لعب دورًا اجتماعيًا بارزاً في توسيع قاعدته الجماهيرية من خلال أتباع والده في تنظيم المساعدات وعمليات الاغاثة.

نجح التيار الصدري في أدواره الاجتماعية، لكن بقي أمامه معضلة دخول الحياة السياسية الجديدة، خاصة بعد وصول الأحزاب الشيعية السياسية التي كانت تعيش في المنفى واستعدادها للعب دورها السياسي الجديد.

لكن، الأمور لم تمض كما توقع مقتدى الصدرإذ رفض الأمريكيون أي تواجد للتيار الصدري داخل مجلس الحكم الانتقالي الذي تم تأسيسه في يوليو 2003. وأمام سياسة واشنطن في تغييب التيار الصدري واللجوء إلى الشخصيات السياسية التي كانت تعيش في المنفى، بدأ مقتدى الصدر في لعبته المزدوجة التي ستستمر لسنوات طويلة.

جيش المهدي والمواجهات المسلحة

انتقل مقتدى الصدر بين هويات متناقضة بسهولة. بعد رفض تمثيل التيار الصدري في المجلس الانتقالي عام 2003، لجأ الصدر إلى لعب دور المقاوم ضد الاحتلال وأسس فصيله المسلح “جيش المهدي”، الذي مكنه من دخول الحياة السياسية من موقع قوي.

قضى جيش المهدي سنوات من المواجهات المسلحة العنيفة ضد القوات الأجنبية في العراق من جهة، وضد الجماعات السنية من جهة أخرى، كما وتورط في أحداث طائفية دامية استمرت لمدة عامين ما بين 2006 و 2008.

في الوقت ذاته، كانت الحكومة العراقية الأولى قد تشكلت برئاسة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي استطاع بمساعدة الولايات المتحدة الحد من نفوذ جيش المهدي، وهزيمته في معركة دامية في البصرة بعد سيطرة مقاتلي مقتدى الصدر على المدينة الغنية بالنفط.

أعلن مقتدى الصدر تجميد أنشطة جيش المهدي واعتزاله لاستكمال دراسته الدينية في حوزة قُم بإيران، رغم ذلك، كان مقتدى قد تمكن فعلاً من زرع بداية تواجده السياسي من خلال مناصب حكومية قليلة.

المكاسب السياسية التي حققها مقتدى الصدر في هذه الفترة كانت نتاج استراتيجيته المزدوجة، فقرار تجميد جيش المهدي لم يتم بشكل فعال واستمر مقاتلوه في انتزاع المكاسب الاقتصادية من خلال عمليات التهريب والاستيلاء على الممتلكات العامة والحكومية بقوة السلاح.

ما بعد إيران: الإصلاح والقومية

سنوات إقامة مقتدى الصدر في إيران ساهمت في صناعة تحولات جديدة في هويته، من زعيم فصيل مسلح إلى قائد سياسي قومي إصلاحي. توقع مقتدى الصدر أن تستقبله إيران استقبال الأبطال، خاصة وأنها قد دعمته في السنوات الأولى للغزو الأمريكي مالياً وعسكرياً. لكن الذي حدث هو أن طهران اختارت حليفاً سياسياً آخر، هو نوري المالكي.

ولذلك، ضغطت طهران على مقتدى الصدر في عام 2010 لتأييد نوابه في البرلمان لمنح المالكي فترة ولاية ثانية، صحيح أن الصدر رفض في البداية لكنه في نهاية المطاف منح الثقة للمالكي. كان نواب التيار الصدري في البرلمان في ذلك الوقت هم أهم كتلة معارضة لحكومة نوري المالكي الثانية.

عاد مقتدى الصدر من إيران ليظهر بدور السياسي القومي المصلح، الداعي إلى إصلاح النظام السياسي الذي نشأ بعد عام 2003 على أسس طائفية، في الوقت ذاته، استطاعت حركته السياسية بالتوازي مع نشاطه المسلح أن تحقق مكاسب وازنة، سواء في انتخابات المحافظات أو الانتخابات البرلمانية، فأصبح التيار الصدري رقماً صعباً في المعادلة السياسية العراقية.

استعاد مقتدى الصدر خطاب والده المرجع القومي وبدا مناهضًا للهيمنة الإيرانية على العراق عبر تسويق مسار شيعي عربي بعيد عن إيران، وهو ما أعطاه ثقلًا سياسيًا واجتماعيًا ساعده في إدارة معاركه السياسية بمرونة ونجاح، بدءًا من إدارة تحالفات التيار مع الكتل السنية والكردية واليسارية وانتهاءً بحصولهم على أكبر عدد من مقاعد البرلمان عام 2021.

من حلم السيطرة إلى الهزيمة

مهّد الفوز الكبير للتيار الصدري في الانتخابات الشروع في تحقيق حلمه بالسيطرة وإعلان تشكيل حكومة أغلبية وطنية. استخدم التيار الصدري كامل طاقته ونفوذه واختار التحالف مع الكتل السنية والكردية الفائزة بأكبر عدد من المقاعد.

لكن لأن الاندفاع والتهور، وهما أبرز نقاط ضعف مقتدى الصدر، كانا السمة البارزة في إدارة الصدر لصراعاته السياسية، لم يستوعب الأخير قدرة خصومه على المراوغة وقوة الغطاء الإيراني داخل المكون الشيعي، كما أن حلفائهُ من السنة والأكراد قد سئموا من عناده وتعطيله لأي تفاهمات سياسية ممكنة.

استطاعت أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي عرقلة محاولات التيار الصدري الانفراد بالسلطة.في الوقت ذاته، لم يستطع مقتدى الصدر الوفاء بتوقعات حلفائه في الكتل السنية والكردية ولم يبد أي اهتمام بمخاوفهم، فكان من السهل على خصوم الصدر استمالة حلفائه ودفعه إلى التحول من الفائز الأكبر إلى الخسارة.

لجأ مقتدى الصدر إلى استخدام استراتيجيته المعتادة من خلال اللجوء إلى الشارع والاحتجاجات، سيطر أنصاره على البرلمان والمنطقة الخضراء ودخلوا في مواجهة مسلحة مع خصومه والقوات الأمنية.

كانت هذه الاستراتيجية بداية لهزيمة كبرى للتيار الصدري نتج عنها إعلان الصدر الابتعاد عن الحياة السياسية، الأمر الذي فعله كثيرًا.

انسحاب مقتدى الصدر وحركته من المشهد السياسي لا يعني اختفاؤه التام، هي على الأغلب، هدنة لإعادة ترتيب أوراقه. وبالتأكيد هي تمهيد لهوية جديدة تضمن له الفرصة في مناورة جديدة لتحقيق أحلامه المؤجلة.

*شيماء محمد كاتبة ومترجمة

المصدر | البيت الخليجي للدراسات

  كلمات مفتاحية

العراق إيران احتجاجات مقتدى الصدر نوري المالكي جيش المهدي الشيعة الإطار التنسيقي الشيعي ولاية الفقيه