عودة الجدل حول سد النهضة الإثيوبي.. ما جديد الأزمة؟ وهل من سبل للحل؟

السبت 11 مارس 2023 01:51 م

تصاعد السجال مجددا بين القاهرة وأديس أبابا بشأن سد النهضة الإثيوبي، تزامنا مع كشف صور أقمار صناعية عن تجهيزات لتعبئة جديدة هي الرابعة لهذا السد، وسط اعتراض مصري واتجاه للتوجه من جديد إلى مجلس الأمن، دون أفق واضحة للحل.

جاء ذلك بعد أسابيع من إعلان السودان اتفاقه مع إثيوبيا بشأن جميع قضايا السد، الذي تراه مصر بمثابة "تهديد وجودي" لها، ما يفتح باب التساؤل حول خلط الأوراق في القاهرة، ومصيرها في الوقوف ضد السد منفردة.

والأسبوع الماضي، أظهرت صور أقمار صناعية، نشرتها شركة "ماكسار" الأمريكية، عملية الإنشاءات الجارية، والتعلية في سد النهضة لتجهيزه للتعبئة الرابعة، المتوقعة خلال العام الجاري، حيث تستهدف إثيوبيا الوصول بحجم المياه التي سيَجري تخزينها في السد إلى 40 مليار متر مكعب.

وبدأت المرحلة الأولى لملء سد النهضة في يوليو/تموز 2020، وخزّنت إثيوبيا خلالها نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه، قبل أن تزيد هذا الحجم إلى 13.5 مليار متر مكعب في العام التالي.

وفي أغسطس/آب الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية أنها أكملت التعبئة الثالثة لسد النهضة، بحجم 22 مليار متر مكعب من المياه.

ومن المستهدف استمرار عمليات تعبئة السد حتى عام 2027، لملء خزان سد النهضة بسعته البالغة 74 مليار متر مكعب من المياه.

وأمام ذلك، قادت مصر جامعة الدول العربية عقب اجتماع وزاري إلى قرارًا بشأن سد النهضة، "يدعو أديس أبابا لإبداء المرونة في القضية، فضلاً عن طرح الأزمة كبند دائم على جدول أعمال مجلس الجامعة"، وهو ما أثار غضب إثيوبيا، والتي قالت على لسان خارجيتها في بيان: "يجب ترك إدارة واستخدام نهر النيل، بما في ذلك ملء وتشغيل السد، للأطراف المعنية في أفريقيا".

وواصلت أن "سد النهضة هو قضية أفريقية تحتاج إلى حل أفريقي"، مشيرة إلى أن "نهر النيل وجميع البلدان المشاطئة توجد في أفريقيا"، في إشارة إلى رفضها التدخل العربي في القضية.

وأمام ذلك، اتهم وزير الخارجية المصري سامح شكري إثيوبيا بأنه "لا يوجد لديها رغبة للتوصل لاتفاق حول سد النهضة"، مشيرا أنها "مُقدِمة على ملءٍ أحادي رابع للسد".

وخلال موسم الأمطار الغزير، الممتد من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول، تنجز إثيوبيا مراحل ملء السد، باعثة كل مرة إخطارات لدولتي المصب مصر والسودان.

وأكد شكري أن سد النهضة يمثل قضية محورية ذات أولوية متقدمة لبلاده، وأن استمرار إثيوبيا في إجراءاتها بشأنه من دون اتفاق له تبعات خطيرة على أمن مصر القومي، ويمثل انتهاكا لقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، ومخالفة لبيان مجلس الأمن الدولي الرئاسي الصادر سبتمبر/أيلول 2021.

وبشأن المرحلة الحالية والمستقبلية، قال شكري: "في هذه المرحلة مع استمرار بناء السد والإقدام على الملء الأحادي الرابع أصبح هناك ضرورة أن تتحلى إثيوبيا بالمسؤولية في كل ما تضطلع به من إجراءات للانتهاء من السد".

ويفسر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق حسين هريدي، موقف بلاده بطرح القضية أمام جامعة الدول العربية، بحق القاهرة في إثارة القضية أمام المنابر المتاحة، ومطالبة مساندة الدول ودعمها للتوصل إلى اتفاق دائم ملزم لجميع الأطراف.

ويشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤولون مصريون في محافل دولية عن الأزمة، مشددا على أن اجتماع وزراء الخارجية العرب منبر مهم تسعى مصر من خلاله لحشد التأييد العربي لحقوقها في القضية.

ووسط مفاوضات مجمدة منذ أكثر من عام، تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي حول الملء والتشغيل، لضمان استمرار تدفق حصّتيهما السنوية من مياه نهر النيل، فيما ترفض أديس أبابا وتؤكد أن السد الذي بدأت تشييده منذ 2011 لا يستهدف الإضرار بأحد.

وسبق أن حذر شكري من تداعيات عدم الاستجابة الإثيوبية لمطالب مصر قائلا: "بدون شك إذا لم يتم ذلك سوف تدافع الدولة المصرية عن مصالح شعبها، وتتخذ من الإجراءات ما يقود إلى ذلك، ولكن دائما نسعى للتوافق والتفاهم".

وهذا ما يفسر ما ذكرته مصادر من سعي مصري جديد لطرق أبواب مجلس الأمن الدولي مجدداً، في ظل تعنت إثيوبيا بشأن العودة إلى المفاوضات، موضحاً في هذا الصدد أن القاهرة "لا يمكنها الإقدام على تلك الخطوة من دون توافق مع الخرطوم بشأنها".

إلا أن الأزمة المصرية تفاقمت بعد زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد إلى الخرطوم، وإعلانه مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان عن التوافق بشأن أزمة السد، إذ كانت تعول القاهرة كثيراً على وحدة القضية مع الخرطوم في مواجهة أديس أبابا.

ويحد تغير الموقف السوداني، والذي مال نحو إثيوبيا، من هذا التحرك.

يقول المصدر لصحيفة "العربي الجديد"، إن القاهرة "تدرك جيداً حجم المحاولات التي تقوم بها أديس أبابا لتغيير الموقف السوداني وفصله عن الموقف المصري، عبر عرض مجموعة من التسهيلات التي تخاطب المخاوف السودانية".

ويشير المصدر إلى أن أديس أبابا "عرضت معلومات مفصّلة على الخرطوم بشأن عملية الملء الرابع، بحيث تتمكن الأخيرة من الاستعداد الجيد لعملية الملء بالشكل الذي يجنبها أي مخاطر أو تداعيات سلبية"، لافتاً إلى أن الخرطوم من جانبها "تلقت الخطوة الإثيوبية بالترحاب، من دون التمسك بربطها باتفاق قانوني ملزم، وهو المطلب الذي تتمسك به مصر".

ويثير السودان مخاوف من مخاطر تترتب على عدم التنسيق وتبادل المعلومات والتأثيرات السلبية على سد الروصيرص، الذي يبعد كيلومترات قليلة عن سد النهضة، ما يشكل تهديداً للتشغيل الآمن للسدود السودانية.

ويشدد الجانب السوداني على أن هناك معلومات لا بد أن توفرها إثيوبيا، مشيراً إلى أن غياب التنسيق "يؤثر سلباً على التوليد المائي من سد الروصيرص وخزان مروى".

ويأمل السودان في أن يسهم المشروع في ضبط الفيضانات السنوية، لكن يخشى أن تلحق أضرار بسدوده في غياب اتفاق حول تشغيل سد النهضة.

وكان آخر تحرك مصري تجاه مجلس الأمن عبارة عن خطاب موجه من وزير الري المصري السابق محمد عبدالعاطي في أغسطس/آب الماضي، حذرت فيه القاهرة من "وجود شقوق تمتد في الواجهة الخرسانية للسد الفرعي المرتبط بسد النهضة الإثيوبي"، مؤكدة أن هذا الأمر "مثير للجزع بشكل خاص بسبب فشل إثيوبيا في الامتثال لواجب إجراء دراسات الأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي المطلوبة".

واعتمد مجلس الأمن الدولي، في 15 سبتمبر/أيلول 2021، بياناً رئاسياً، دعا فيه أطراف الأزمة إلى استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي، إلا أن ذلك لم يتم.

كما أن الآمال المصرية في الحصول على مساعدة أمريكية حاسمة في قضية سد النهضة، تواجه عقبات سياسية وقانونية، أساسها دعم الولايات المتحدة الواضح لحكومة أبي أحمد من جهة، والقيود التي فرضها إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، الذي وقعته كل من مصر وإثيوبيا والسودان، في الخرطوم في 23 مارس/آذار 2015، على مطالب الوساطة التي قد تتقدم بها إحدى الدول الثلاث، من أجل التدخل لحل الأزمة.

يذكر أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقع اتفاق اعلان مبادئ عام 2015، ما سمح لإثيوبيا ببناء السد، ولم تعرض الاتفاقية على البرلمان ذلك الوقت للتصديق عليها أو رفضها مما وضعها موضع التنفيذ.

وأمام كل ذلك، يبدو أنه بعد 10 سنوات من الأزمة، فإن إثيوبيا فرضت الأمر الواقع، وقاربت على الانتهاء من بناء السد ونفذت الملء الأول والثاني والثالث منفردة ودون موافقة الدولتين، وبدأت في توليد الكهرباء من السد دون اتفاق أيضا.

وكان تقرير لمركز "كارنيجي"، قال الشهر الماضي، إن "النزاع الطويل الأمد حول سد النهضة الأثيوبي الكبير، لا يقتصر فقط على الموارد المادية وإنما يمتد إلى أبعد من ذلك".. وهو صراع على الهوية وهي "لعبة غالب ومغلوب".

ويشير التقرير إلى أنه مع تسارع وتيرة التغيّر المناخي، دخل نزاع النيل مرحلة جديدة من التعقيد، ما دفع بدول المنطقة إلى التنافس على المياه والغذاء وأمن الطاقة.

وعلى الرغم من هذا الخلاف في وجهات النظر، من الواضح أن سعي الطرفَين المتناحرين إلى الحفاظ على أمنهما الوجودي، أو الحفاظ على هوية الدولة، هو عاملٌ محرّك لنزاع النيل، وفق "كارنيجي".

وجاء بناء سد النهضة الأثيوبي الكبير، وهو مشروع للطاقة الكهرومائية غير الاستهلاكية تقوم أديس أبابا بإنشائه على نهر النيل، ليُفاقم تعقيدات العلاقة بين أثيوبيا ومصر، حيث تعتبر الدولة الأولى أن المشروع هو ضرورة وجودية لها، فيما ترى فيه الدولة الثانية تهديدًا وجوديًا لها.

ولكن هذا النزاع لا يدور فقط حول الموارد المادّية، بل يطال أيضًا هوية الدولتين بحد ذاتها.

جدير بالذكر أن مصر تعتمد على نهر النيل للحصول على 97% من احتياجاتها من المياه، ولا يتعدى نصيب الفرد من المياه 560 مترا مكعبا سنويا، ولا تتجاوز كمية الأمطار المتساقطة على مصر 1.3 مليار متر مكعب سنويا مقابل ما بين 1600 و2000 مليار متر مكعب سنويا من المياه تتساقط على دول منابع النيل، ومن بينها إثيوبيا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سد النهضة مصر السودان إثيوبيا الملء الرابع

التصعيد يعود.. مصر: كافة الخيارات مفتوحة بأزمة سد النهضة وقدراتنا كبيرة

إثيوبيا ترفض تصريحات مصرية عن سد النهضة: تخترق مواثيق دولية

إثيوبيا تحتفل باكتمال بناء 90% من سد النهضة.. ما هي خيارات مصر المتبقية؟