سكك حديد الحجاز.. هل يمكن للجغرافيا السياسية الصعبة إحياء أداة تاريخية لربط المنطقة؟

الأحد 19 مارس 2023 11:49 ص

دعت باحثة تركية إلى تأسيس إرادة إقليمية للحفاظ على إرث "سكك حديد الحجاز"، وهو المشرو ع الطموح الذي بدأته الدولة العثمانية في عهد سلطانها عبدالحميد الثاني، باعتباره إرثا تاريخيا يمكن أن يتحول إلى أداة فعالة لربط شعوب متباينة، رغم صعوبة ذلك حتى الآن، لأسباب جيوسياسية.

واعتبرت الباحثة سنيم سينجيز، في مقال نشره "منتدى الخليج الدولي"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن المشروع الذي يربط الدول الساحلية للبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر لا يزال رمزًا قويًا للوحدة الإقليمية ويقدم رؤية للسلام والتعاون.

وتقول الكاتبة: "تخيل أنك ركبت قطارًا في إسطنبول، ووصلت إلى مدينة في منطقة الخليج بعد مرورها بمحطات في دمشق وعمان والقدس والمدينة المنورة بعد أيام قليلة فقط".

وتضيف: "بالنسبة للمسافر المطلع على التاريخ، ستشعر بالرحلة كأنها تمر عبر آلاف السنين في غضون ساعات".

ويبدو مسار الرحلة هذا غير واقعي في الوقت الحاضر، بالنظر إلى الظروف الحالية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، منذ أكثر من قرن، بذلت الإمبراطورية العثمانية الحاكمة محاولة جادة لتحقيق هذا الهدف، بل نجحت لفترة قصيرة حيث خلقت خطًا واحدًا يربط هذه المدن التاريخية ببعضها البعض.

حكاية سكك حديد الحجاز

في سبتمبر/أيلول 1900، وبناءً على أوامر السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، بدأ بناء مشروع سكة حديد كان يهدف في البداية إلى ربط مكة بدمشق، وفي النهاية بإسطنبول.

كان هذا المسعى، الذي عُرف في ذلك الوقت باسم سكة حديد الحجاز، حلم عبدالحميد الثاني، الذي يهدف إلى إنشاء طريقة ملائمة وفعالة للمسلمين لأداء فريضة الحج إلى مدينة مكة المكرمة في الحجاز، وهي منطقة تقع في غرب البلاد المعروفة بالسعودية اليوم. وكان الخط سيقلل الرحلة الطويلة والشاقة للحجاج من دمشق إلى مكة إلى أيام قليلة فقط.

بصرف النظر عن أهميتها الدينية، عملت سكك حديد الحجاز على بناء الشرعية السياسية للعثمانيين بين الشعوب التي حكموها وساعدتهم على إبقاء مقاطعات الحجاز البعيدة والمضطربة في بعض الأحيان تحت السيطرة.

وفي وقت من الأوقات، تمت الإشارة إلى خط السكة الحديد باسم "طريق الحرير الحديدي" نظرًا لأهميته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. استغرقت المرحلة الأولى من المشروع من دمشق إلى المدينة 8 سنوات، من عام 1900 حتى عام 1908. وكانت الخطة هي مد الخط شمالاً إلى إسطنبول وجنوباً إلى مكة نفسها.

لكن لسوء الحظ، لم تصل السكة الحديد إلى مكة قط، فقد توقف بناء الخط بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، والتي لم تؤد فقط إلى انهيار الإمبراطورية العثمانية، بل أدت أيضًا إلى نهاية سكة حديد الحجاز بعد استقلال العديد من الدول على طول الطريق، خلال الحرب.

وتعرضت السكك الحديدية نفسها لهجوم شديد من القوات العربية المناهضة للعثمانيين بقيادة الضابط البريطاني تي. لورنس، المعروف باسم لورنس العرب.

وقالت الكاتبة إن مشروع سكة حديد الحجاز كان يومًا ما مشروعًا طموحًا ونادرًا ما تتم مناقشته اليوم، على الرغم من الإنجاز الضخم الذي جسده، وكان تنفيذه تحديا، قياسا إلى ضخامة تكلفته قياسا بموارد الدولة العثمانية التي لم تكن على ما يرام في ذلك الوقت، حيث قدرت التكلفة الإجمالية للمشروع بـ 4 ملايين ليرة عثمانية، أو ما يقرب من 570 كيلوجرامًا من الذهب، ما يقرب من 20% من الميزانية العثمانية بأكملها.

ورغم ذلك، تم تمويل المشروع الضخم من خلال المساهمات السخية من جميع أنحاء العالم الإسلامي. وعلى الرغم من أن بناء خط السكة الحديد تم تنفيذه من قبل مهندسين ألمان وأتراك وعمال محليين تم تجنيدهم من المناطق الواقعة على طول الطريق، فقد تم رفض رأس المال الأجنبي على وجه التحديد للحفاظ على المشروع "مقدسًا"، أو بتمويل إسلامي بالكامل.

حتى يومنا هذا، يعتبر المشروع وقفا إسلاميا، ما يجعله أصلا يخص جميع المسلمين.

محاولات للإحياء

وبعد عام 1918، كانت هناك عدة محاولات لإعادة فتح السكك الحديدية، حيث تم إصلاح الأضرار التي لحقت بالمسارات أثناء الحرب، ووصل القطار إلى المدينة المنورة مرتين، مرة في عام 1919 وثانية في عام 1925.

ومع ذلك، بسبب الأسباب الفنية، توقفت الأمور في المدينة، في الوقت الذي ظلت فيه الأقسام الأخرى في سوريا، الأردن، لبنان، وعلى طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، مؤقتًا في الخدمة.

وفي عام 1904، وبعد 4 سنوات من بناء خط دمشق، تم بناء 460 كيلومترًا من السكك الحديدية، وربط الخط بالأردن، ثم تم توصيل السكك الحديدية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر حيفا في فلسطين، وهي مدينة تحتلها إسرائيل الآن.

مبادرات تركية

وتقول سنيم إنه في السنوات الأخيرة، أطلقت تركيا مبادرات دبلوماسية للولايات الإقليمية لإحياء سكة حديد الحجاز.

وفي عام 2018، بعد توقيع بروتوكول في بيروت، مولت أنقرة تجديد محطة قطار السكة في طرابلس لبنان، وقبل عامين، وقعت تركيا بروتوكول مع حكومة الأردن لترميم محطة على السكك الحديدية نفسها بأراضي الأردن، وتضمنت عملية الترميم، التي مولتها وكالة التنمية التركية (TIKA)، بناء متحف جديد في المحطة للاحتفال بتاريخ سكة حديد الحجاز.

وفي عام 2015، تقدمت السعودية بطلب لإضافة السكك الحديدية إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو، وكانت على "قائمة مبدئية" للتراث العالمي لليونسكو منذ أبريل/نيسان 2015، وذلك على الرغم من أن السعودية لم تختر مواصلة الخدمة على طول الخط مثل الأردن.

وتؤكد الكاتبة أن الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط منعت إعادة التأهيل الكامل لسكك حديد الحجاز مرة أخرى، حيث غادر آخر قطار إلى سوريا من محطة قطار عمان في عام 2011، وتم تعليق الخدمة العادية بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا.

وأشارت التقارير الأخيرة إلى أن النظام السوري قد سلم المبنى التاريخي لمحطة سكك حديد الحجاز في دمشق إلى شركة خاصة لم تكشف عن اسمها لمدة 45 عامًا، وتحويله إلى فندق سياحي ومركز تجاري.

ويبدو أن تصرفات سوريا تنتهك المبدأ القائل بأن كل محطة على طول الخط الأصلي هي وقف إسلامي بعد التمويل الإسلامي الجماعي للخط، ففي الأردن، على سبيل المثال، تملك محطة السكك الحديدية وزارة الشؤون الإسلامية ولا يمكن بيعها إلى القطاع الخاص بسبب ارتباط السكك الحديدية بالحج إلى مكة.

واختتمت سنيم سينجيز مقالها بالقول إنه "من الصعب تخيل أن الدول الإقليمية، وهي تركيا وسوريا والأردن وإسرائيل والسعودية، يمكن أن تعمل بشكل جماعي معًا لإحياء هذا الخط مجددا، ولكن مع ذلك، من المهم الحفاظ على تراث سكة حديد الحجاز على قيد الحياة، مع إدراك أهميتها التاريخية وقدرتها على ربط المدن والشعوب المتباينة.. إنها في الواقع أكثر من مجرد سكة حديد".

المصدر | سنيم سينجيز | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سكك حديد الحجاز الدولة العثمانية إرث تاريخي الحج الجغرافيا السياسية العلاقات التركية الخليجية

سكك حديد الخليج.. مخاطر في الأفق قد تعرقل الحلم الموحد