استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تونس و«رفض التدخل الخارجي» في شؤونها

الأحد 26 مارس 2023 04:29 ص

تونس و«رفض التدخل الخارجي» في شؤونها

«الاتحاد الأوروبي لا يمكنه مساعدة دولة غير قادرة على توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي».

احتكر قيس سعيّد كل الصلاحيات منذ يوليو 2021 مما ألقى بظلال شك كثيفة على تعامل المؤسسات المالية الدولية مع تونس.

خشية أوروبية من «انهيار» تونس لأن ذلك «يهدد بتدفق مهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي ويسبب عدم استقرار بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

الاتحاد الأوروبي لن يساعد تونس إلا بعد توقيعها إتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي بملياري دولار، وأن يحظى الاتفاق بموافقة وتوقيع الرئيس التونسي نفسه.

لهجة لاذعة مباشرة جمعت بين انتقاد الوضع السياسي، المتوتر بالاعتقالات وهيمنة الحكم الفردي، والاقتصادي بحكم الاختلالات المالية الكبيرة وارتفاع نسب التضخم والبطالة.

* * *

مرة أخرى يكررالرئيس التونسي قيس سعيّد أن بلاده دولة مستقلة ترفض التدخل في شؤونها الداخلية وأنها «ليست تحت الانتداب أو الحماية أو أي نوع من أنواع الوصاية».

دأب سعيّد على إطلاق مثل هذه التصريحات في كل مناسبة تنتقد فيه جهة أمريكية أو أوروبية بعينها الأوضاع في تونس، ولو أنه آثر الصمت أحيانا، حين خرج البعض الآخر بتصريحات مماثلة.

هذه المرة، جاء كلام سعيّد في مدينة القيروان الاثنين بعد ساعات قليلة من تصريح لمفوض السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بروكسيل حين قال إن «الوضع في تونس خطير للغاية» سياسيا واقتصاديا، معربا عن خشيته من «انهيار» تونس لأن ذلك «يهدد بتدفق مهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي والتسبب في عدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

بوريل، الذي لم يستبعد الذهاب إلى تونس قريبا، لم يكتف بذلك بل قال إن وزراء الخارجية الأوروبيين طلبوا من بلجيكا والبرتغال إرسال ممثلين في مهمة إلى تونس لإجراء «تقييم للوضع لتمكين الاتحاد الأوروبي من توجيه إجراءاته» مضيفا أن «الاتحاد الأوروبي لا يمكنه مساعدة دولة غير قادرة على توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي» مشددا في ذات الوقت، في إشارة غير معهودة، إلى أن «الرئيس قيس سعيد يجب أن يوقع اتفاقا مع صندوق النقد الدولي وينفذه، وإلا فإن الوضع سيكون خطيرا للغاية بالنسبة إلى تونس».

ربما لم يسبق أن تحدث مسؤول دولي بارزعن تونس بمثل هذه اللهجة اللاذعة المباشرة التي جمعت بين انتقاد الوضع السياسي، المتوتر بحكم الاعتقالات وهيمنة الحكم الفردي، وكذلك الاقتصادي بحكم الاختلالات المالية الكبيرة وارتفاع نسب التضخم والبطالة.

لكن الإضافة الهامة هذه المرة، وبوضوح شديد، هو أن الاتحاد الأوروبي لن يساعد تونس إلا بعد توقيعها إتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي الذي يناهز ملياري دولار، وأن هذا الاتفاق يجب أن يحظى بموافقة وتوقيع الرئيس التونسي نفسه.

أما لماذا هذه الإشارة الواضحة فلأن قيس سعيّد دأب دائما على تكرار القول إنه لا تفريط في المؤسسات العمومية ولا قبول بما يضر مصالح الشعب الذي يقدم نفسه دائما على أنه المدافع الأول عن مصالحه، في حين أن حكومته تتقدم في مشاوراتها مع صندوق النقد، بعيدا عن أية شفافية، وبما يوحي بأنها موافقة على كل ما طلبه الصندوق من ضرورة وقف التوظيف في القطاع العام وإعادة هيكلة بعض المؤسسات.

وما يعنيه ذلك من خصخصة عديد المؤسسات أو تسريح واسع للعمال، رغم المعارضة الشديدة لاتحاد الشغل لكل ذلك، وكلها «شروط» يريد سعيّد أن ينأى بنفسه عنها ليظل في صورة «نصير الفقراء والمحرومين» و«المنقذ» للبلاد والعباد من «الفاسدين والخونة الذين يريدون التنكيل بالشعب التونسي وتجويعه».

حرصُ الرئيس على بقاء هذه الصورة أربك حكومته ومشاوراتها مع صندوق النقد الدولي وأعطى الانطباع بأن الدولة ليست موحّدة، ولا تتسم مواقفها بالجدية اللازمة في مثل هذه الحالات، مما أجّل البت في القرض الذي تعوّل عليه تونس كثيرا لإنقاذها من غرق محتوم، وليس لإنعاشها للأسف.

يضاف إلى كل ما سبق، الوضع السياسي المشوّش في البلاد بعد أن احتكر سعيّد كل الصلاحيات منذ يوليو 2021 مما ألقى بظلال كثيفة من الشك على تعامل المؤسسات المالية الدولية مع تونس، وذلك حين أضيف تعليقُ البنك الدولي إلى إشعار آخر مناقشات الشراكة والتعاون المستقبلي مع تونس للفترة بين 2023 و2027، بعد ما تعرّض له المهاجرون الأفارقة هناك في أعقاب تصريحات لسعيّد وصفت بالعنصرية.

من الناحية المبدئية الصرفة، لا يمكن لأي تونسي إلا أن يوافق سعيّد على ما قاله بخصوص رفض التدخل الأجنبي في شؤون بلاده، والحرص على كرامة بلده رغم صغرها وتواضع إمكاناتها، ولا ينزّه الاتحاد الأوروبي أو غيره عن مراعاة مصالحه دون غيرها، لكن ذلك لا يمكن أن يكون بمجرد رفع الشعارات البرّاقة، أو المواقف «الثورية» التي لا تسندها قاعدة صلبة على أرض الواقع.

وخاصة إذا جاء كل ذلك في سياق لا تمتلك فيه السلطة أيا من نقاط القوة التي يجعلها تتحمّل تبعات مواقف كهذه، أقلها لحمة وطنية بين كل القوى السياسية ووضع إقتصادي يسمح لك بالوقوف الثابت على رجليك دون عكاز المساعدات والقروض الخارجية وارتباطك التجاري بالخارج تصديرا وتوريدا.

يزيد من هشاشة موقف تونس أنها باتت اليوم في ظل قيادتها الحالية وسياساتها في عزلة واضحة تكاد تتحول معها تقريبا إلى دولة منبوذة وهو ما يتنافى تماما مع ما عرفت به تونس تاريخيا، وباستمرار، من ثوابت دبلوماسية جعلتها قادرة على مد الجسور مع الجميع حتى في أحلك الظروف.

ومع ذلك لا يتردد قيس سعيّد في نفس تصريحاته بالقيروان، في ذكرى الاستقلال، من القول إن ما تحقق في بلاده منذ 25 يوليو 2021 (تاريخ انقلابه على الدستور) يُعــدّ «من قبيل المعجزات»!!

*محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس الاتحاد الأوروبي صندوق النقد الدولي جوزيب بوريل قيس سعيد التدخل الأجنبي يوليو 2021