استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كوارث النرجسية في السياسة

الأحد 26 مارس 2023 06:32 ص

كوارث النرجسية في السياسة

النرجسية مرض نفسي إن اصاب شخصاً مهماً أو قائداً في أي عمل سياسي لن يؤدي إلا إلى مصائب وكوارث.

تعليم لا يستند لأمثولة واقعية وتجارب شريفة إنسانية يشار إليها يصبح تعليماً نظرياً يفقد بريقه وصدقيته، بسبب تعارضه مع الواقع وعيشه في الخيال.

النظام الاقتصادي والمالي لا يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى، مع أن كل الدلائل تشير إلى أن هذا النظام، أصبح يرسخ الظلم، ويقود إلى مزيد من الفقر.

النظام الديمقراطي ينخره الفساد المالي والذممي والأخلاقي، ويقف عاجزاً أمام قوى الاستخبارات والدولة العميقة، وما يهذي به هذا القائد النرجسي الشعبوي المجنون!

* * *

لا بد أن هناك خللاً كبيراً في الممارسة السياسية عبر العالم، يفسر ما أصاب هذا الحقل مؤخراً من تناقضات، ومغامرات، وخلط مريع للأوراق، وولادة أحداث وقرارات تهدد العالم كله بإمكانيات الدمار والفناء. وما عادت هناك جهة أو تجربة واحدة يستطيع الإنسان الإشارة إليها، أو الإشادة بها ليتعلم منها شباب وشابات أمة العرب.

فالنظام الديمقراطي كان يعول عليه كصمام أمان لضبط تجاوزات المؤسسات الاقتصادية ولحماية المؤسسات الاجتماعية، وإيجاد توازن ومعقولية في ممارسات الحرية الفردية والعامة، وفي بناء علاقات مجتمعية تحكمها موازين العدالة والمساواة في المواطنة واحترام القوانين.

هذا النظام ينخره الفساد المالي والذممي والأخلاقي، ويقف عاجزاً أمام قوى الاستخبارات، وما تفرضه الدولة العميقة، وما يهذي به هذا القائد النرجسي الشعبوي المجنون أو ذاك، وتدخله في اليأس والقنوط تقلبات أمزجة الناخبين وضحالة ثقافتهم السياسية وعدم دفاعهم عن أسس المنافسة السياسية الشريفة.

والنظام الاقتصادي والمالي لا يخرج من أزمة حتى يدخل في أزمة أخرى، ومع أن كل الدلائل تشير إلى أن هذا النظام، أصبح يرسخ الظلم، ويقود إلى مزيد من الفقر.

بينما يزيد غنى أقلية صغيرة متخمة، ويتطور شيئاً فشيئاً نحو الدخول في مغامرات تكنولوجية مجنونة وكوارث بيئية كبرى، إلا أن المؤمنين به على استعداد لأن يشعلوا الحروب والاضطرابات السياسية والأمنية في كل مكان، من أجل الإبقاء على هذا النظام طيعاً وخادماً لقوى استعمارية مهيمنة نهمة وأنانية إلى أبعد الحدود.

وما كان ذلك كله ليكفينا، إذ نحن الآن أمام نظام إعلامي وتواصل اجتماعي يسرّع الخطى نحو التمرد على غاياته الإنسانية القديمة الكبرى، في تقريب البشر وتسهيل تفاهمهم وتعارفهم، ليحل مكان ذلك تسخير الحقل برمته في خدمة السياسة والاقتصاد الفاسدين المليئين بكل الخطايا التي ذكرنا، بدلاً من فضحهما وتصحيح مساوئهما.

وفي هذه اللحظة لا يعرف أحد إلى أية كوارث سيقود هذا الحقل بعد أن أصبح كالعادة، وبالنسبة المماثلة لكل الحقول والأنظمة الأخرى، أداة طيعة في يد أقلية تستعمله لجني الثروة وبناء الوجاهة السياسية لها.

وهكذا فعندما يرى المشاهد ما يجري من جنون وعبث ومغامرات في أوكرانيا، وما تجري من مماحكات تجارية وتكنولوجية بين أمريكا ومنافسيها، وما يعرض يومياً من تمثيليات، يعرف القاصي والداني أنها كاذبة وملفقة، وصادرة عن مخابرات حاكمة مهيمنة، بشأن شيطنة هذه الشخصية أو تلك، كما هو الحال مع تعامل الغرب المضحك مع الرئيس الروسي بوتين.

وما أصبح مبدأ سياسياً مقبولاً من التعامل بألف وجه مع المشكلة أو الحادثة نفسها، كما نراه من تعامل الغرب مع مآسي الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة، مقارنة بتعامله مع مآسي شعب أوكرانيا.

عندما يرى الإنسان كل ذلك، وهو جزء صغير من محيط كبير متلاطم، يدرك الإنسان مقدار الصعوبة في عملية التثقيف السياسي في بلاد العرب، بل في العالم كله، فالتعليم الذي لا يستند إلى أمثولة في الواقع، وإلى تجارب شريفة إنسانية يشار إليها يصبح تعليماً نظرياً يفقد بريقه وصدقيته، بسبب تعارضه مع الواقع وعيشه في الخيال.

ومع ذلك يحتاج شباب وشابات الأمة أن ينبهوا إلى جانب مفصلي جدير بأن لا ينسى قط، وهو أن لا يتعاملوا مع، ولا يقتربوا من، ولا يثقوا في أية شخصية سياسية، سواء في داخل أوساطهم أو خارجها، تتصف بالصفات النرجسية.

هذا المرض النفسي إن اصاب شخصاً مهماً وقائداً في أي عمل سياسي لن يؤدي إلا إلى مصائب وكوارث، وإذا كان يجب أن يشار إلى شخصية تجسد تلك العاهة النفسية وتحتاج إلى أن يتعلموا من إشكاليات نرجسيتها، فإننا ننصح بقراءة ما كتبه عشرات من علماء النفس الأمريكيين حول شخصية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

من الضروري أن يتعرفوا على ذلك من أجل أن يتعرفوا على إمكانيات إشكالياتها في حقل السياسة عبر كل بلاد العرب، وحتى يعملوا في النضال السياسي بعيداً عن أجواء وملابسات النرجسية، وهذا موضوع يستحق أن نناقشه أكثر.

*د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر قومي بحريني

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

الأزمات الإعلام النرجسية السياسة النظام الاقتصادي والمالي فلسطين أوكرانيا