الشرق الأوسط الجديد.. الفائزون والخاسرون من الحراك الجاري في المنطقة

الجمعة 31 مارس 2023 09:16 ص

يقف وراء الحراك الجاري في المنطقة عدة دول مؤثرة مثل السعودية وتركيا وإيران وبدرجة أقل مصر. فيما كان قبل بضع سنوات، من المستحيل تخيل أي تقارب سياسي أو دبلوماسي بين السعودية وإيران، وبين تركيا ومصر، وبين عدد من الدول العربية وسوريا.

يتناول مقال عامر أبابكر في "مودرن دبلوماسي" تطورات المنطقة ويشير إلى أنه على مدى عقود، كانت الولايات المتحدة تعمل على "شرق أوسط جديد" يحتضن إسرائيل، ومن ثم تتجه الظروف نحو "شرق أوسط جديد يشمل إيران".

ويرى الكاتب في دراسة عوامل التغيير الحالي أنه على الصعيد الداخلي، من الواضح أن المنطقة بزعمائها وشعبها قد سئمت الحروب والاضطرابات، وهي الآن تحسد العالم على تقدمه وهي غارقة في عقباتها وأزماتها التي لا تنتهي.

وعلى الصعيد الدولي، يمكن الحديث عن دور الولايات المتحدة ومن ثم التغيرات السياسية والاجتماعية في أوروبا بالتزامن مع صعود قوى دولية على الأطراف مثل الهند والصين وغيرهما، وأخيراً الحرب في أوكرانيا.

ومن وجهة نظر الكاتب كانت البداية مع وصول الرئيس دونالد ترامب ولجوئه إلى لغة مؤلمة لا تخفي أن الرجل لا يحترم المنطقة وقادتها بل يعتبرها مجرد بازار يسوق فيه ما يشاء. ومجرد جهاز صراف آلي يسحب منه متى شاء وبقدر ما يشاء. ناهيك عن صراحته بأنه لن يخوض حروبا باسم منطقة يراها كسولة ومتخلفة وترفض الاعتماد على نفسها. وقد جسّد ترامب هذه الإدانة عندما رفض ضرب إيران ردا على هجمات الحوثيين الخطيرة على منشآت نفطية في السعودية منتصف سبتمبر/أيلول 2019.

وقد دفعت هذه الصراحة الفجة وقلة الاحترام منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، خاصة الدول التي اعتبرت الولايات المتحدة حليفًا أبديًا مثل السعودية، إلى التساؤل: ماذا سيفعل الديمقراطيون بنا إذا كان ترامب حليفنا الجمهوري لا يحترمنا؟

ويضيف الكاتب: لم ينتظر الديمقراطيون طويلًا فبعد أن جاء جو بايدن إلى البيت الأبيض اتخذ نهجا مشابها لنهج ترامب، ولكن لأسباب أخرى ومن عقلية مختلفة.

بالإضافة إلى انزعاج السعودية ودول أخرى في المنطقة من قضايا الحقوق والحريات التي ألمحت إليها إدارة بايدن، هناك ارتباك كبير أبدته هذه الإدارة في التعامل مع مشاكل المنطقة.

ومن ذلك، كما يرى الكاتب، اهتمامها المفرط بالصراع مع الصين ولاحقًا بالحرب في أوكرانيا على حساب حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في هذه المنطقة.

ويشير الكاتب إلى أن لإدارتي ترامب وبايدن دورا في إيقاظ قادة الشرق الأوسط والخليج، لأن مقاربتهم كانت بمثابة دعوة للاستيقاظ سيكون من الخطر تجاهلها. وكانت الخدمة التي قدمتها الإدارتان لقادة المنطقة هي أنهم متساوون في ازدرائهم للجميع: السعودية وتركيا والإمارات ومصر والأردن مع الحرص على المزيد من خنق إيران وسوريا لأسباب معروفة.

وسط هذا العمل، اندلعت حرب روسيا ضد أوكرانيا لتخلط الأوراق في جميع أنحاء العالم، ولكن على وجه التحديد في منطقة الشرق الأوسط والخليج بسبب توتراتها الاستراتيجية التقليدية وثرائها بالنفط والموارد الطبيعية، والحاجة إليها من كلا المعسكرين لكسب دعمها لها.

كانت حرب أوكرانيا وأوروبا بمثابة جرس إنذار في الاتجاه الإيجابي لقادة الخليج. كانت حرب أوكرانيا متنفسًا لهؤلاء القادة على أكثر من مستوى. وأعطتهم في البداية الفرصة للمناورة والتعبير عن استيائهم من الإهانات الأمريكية. وأعطتهم بديلاً لا يقل قوة عن الغرب التقليدي يمكنهم التعامل معه في ظروف أفضل وبدون إهانات، وهو معسكر روسيا والصين وعشرات الدول التي تسبح في فلكهما حول العالم.

سيكون من الخطأ الإفراط في التفاؤل بشأن هذا الحراك متعدد الأوجه. ومن وجهة نظر الكاتب تتطلب الواقعية الاعتراف بأنها كلما كانت استثنائية زادت أسباب فشلها في ظل غياب التطور الكافي والتضحيات المطلوبة من جميع الأطراف.

ومن نقاط ضعف هذه الحركة أنها ناتجة عن ضغط مدفوع بالحاجة وليست عن قناعة. فإيران تخنقها العقوبات والوضع الداخلي غير المستقر. ولم يعد بإمكان السعودية أن تتسامح مع صاروخ واحد من الحوثيين. كما يعاني الاقتصاد والوضع المالي في تركيا من ضائقة شديدة. ومصر لا يتحرك بها شيء غير "الأرز". ويريد النظام في سوريا الخروج من عزلته التي ستكون تتويجًا لما يعتبره انتصارًا على خصومه. وتريد الإمارات أن تثبت للولايات المتحدة أنها ليست كل شيء في هذا الكون.

ويضيف الكاتب على الصعيد العملي، هناك العديد من المعوقات التي ستقف في طريق هذا الحراك خاصة عندما يتعلق الأمر بالسعودية وإيران ومصر وتركيا. إنها صدفة جيدة (وسيئة في نفس الوقت) أن التطبيع (أو عدمه) بين الرياض وطهران سينعكس إلى ما هو أبعد من الدولتين، وينطبق الشيء نفسه على أنقرة والقاهرة.

فالسعودية وإيران تفصل بينهما خلافات سياسية ودينية واستراتيجية ليس من السهل التغلب عليها. وساحات المواجهة بين الدولتين شاسعة، منها اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان، وهناك حتما مجالات وقضايا أخرى تشكل نقاطا للخلاف.

كما أن تركيا ومصر عالقتان في العديد من القضايا، أبرزها جماعة الإخوان المسلمين وليبيا ومجالات الطاقة في البحر الأبيض المتوسط. بالإضافة إلى السياسة الخارجية المصرية غير المستقلة تمامًا والموجهة مع رياح الخليج، وتظل الملفات الخارجية التركية بما في ذلك التطبيع مع مصر، معتمدة على نتائج الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في تركيا أواخر مايو/أيار.

كما سيكون ضروريًا للقادة العرب والخليجيين الذين قرروا الانخراط في هذه الحركة، مع الأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة لن تقبل بسهولة المناورات من وراء ظهرها في منطقة تعتبرها مضمونة لأكثر من 70 عامًا. وهناك أيضاً موقف إسرائيل الذي لن يقبل إعادة تأهيل النظام الإيراني في المنطقة، ولن يبتلع بسهولة أن المنطقة فضلت إيران.

ولكن يرى الكاتب أن ما يحدث في العالم يفوق الولايات المتحدة وإسرائيل ويحدث ضد إرادتهم. إنها فرصة لن تتكرر بسهولة إذا عرفت المنطقة كيف تستفيد منها لصالح الجميع.

المصدر | عامر أبا بكر | مودرن دبلوماسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ترامب بايدن السعودية إيران مصر تركيا