عبر التاريخ والجغرافيا والموارد.. أوزبكستان تمد يدها إلى دول الخليج

الجمعة 31 مارس 2023 07:38 ص

إن موقع أوزبكستان الحيوي بين روسيا والصين والحكومة الأفغانية الجديدة جعلها شريكًا اقتصاديًا وأمنيًا محتملًا مهمًا لمنطقة الخليج.

يتناول مقال ديانا جاليفا في "منتدى الخليج الدولي" العلاقات الخليجية الأوزبكية وترى الكاتبة أنه بالرغم من تفاعلهما المحدود خلال القرن العشرين بسبب القيود الجيوسياسية، فقد برزت مصلحة متبادلة متزايدة باستمرار بين أوزبكستان والخليج. واليوم، تم تشجيع مشاركتهم بشكل أكبر من خلال إصرار دول الخليج على تنويع علاقاتهم العالمية.

تمتلك أوزبكستان تاريخًا إسلاميًا طويلًا وغنيًا، يتجسد في شخصية البخاري، والتي استفادت منها الحكومة الأوزبكية لتحسين العلاقات مع الدول في جميع أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك دول الخليج.

وتعد البلاد موطنا للعديد من المواقع الإسلامية التاريخية والدينية وهي مركز رئيسي للتعليم والثقافة الإسلامية وهو أمر يهم مراكز التمويل الخليجية.

الاهتمام بأوزبكستان

تعتقد الكاتبة أن الاهتمام الأجنبي بأوزبكستان له علاقة بموقعها الجغرافي الاستراتيجي بقدر أهميتها بالنسبة للإسلام حيث تقع أوزبكستان على حدود أفغانستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، وتشكل جزءًا حيويًا من الطريق البري لـ"مبادرة الحزام والطريق" الصينية.

وتعد أوزبكستان أيضًا واحدة من أكبر منتجي القطن في العالم وتتمتع باحتياطيات كبيرة من المعادن والغاز والنفط. بالإضافة إلى هذه الموارد، فإنها تصدر كمية كبيرة من الغاز الطبيعي.

نتيجة لذلك، تشترك أوزبكستان في مصلحة مماثلة في التنويع الاقتصادي الذي يقود الكثير من السياسات الاقتصادية الخليجية. بالنظر إلى الإمكانات الواضحة لتعاون أكبر بين أوزبكستان ودول مجلس التعاون الخليجي، من المهم تقييم مستقبل هذه العلاقات، وكذلك إلى أي مدى ستشكل الهويات الإسلامية المشتركة والتحولات الجيوسياسية مشاركتها المستمرة.

وترى الكاتبة أن الثقافة والتقاليد الأكثر وضوحًا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالهوية الدينية. ومع ذلك، فإن القيم الإسلامية المشتركة تمكن أيضًا من التعاون الاقتصادي من خلال تطوير الصيرفة والتمويل الإسلامي. نمت هذه الروابط بسرعة تحت قيادة الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف. على عكس القادة الأوزبكيين السابقين ولاسيما الزعيم القوي إسلام كريموف، الذي تأثر بشدة بسياسة الاتحاد السوفييتي للإلحاد، فإن الرئيس ميرزيوييف "ينظر إلى الإسلام على أنه وسيلة للإلهام وتحرير المجتمع".

وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي الثرية شريكًا مثاليًا لأوزبكستان لتوسيع قطاع الخدمات المصرفية والمالية الإسلامية.

وتشير الكاتبة إلى أنه في عام 2021، استضافت أوزبكستان القمة السنوية للبنك الإسلامي للتنمية حيث استثمر البنك ما يقرب من ملياري دولار في أوزبكستان. سيحاول القانون الجديد المزمع إصداره في أواخر عام 2023 تعزيز كفاءة قطاع البنوك والاستثمار الإسلامي الأوزبكي، ما يجعل أوزبكستان أقرب إلى جيرانها، كازاخستان وقيرغيزستان، اللتين تم تطوير بنيتهما التحتية للتمويل الإسلامي بشكل ملحوظ.

وأشار أحد المصادر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إلى أن أوجه التشابه الثقافي، بما في ذلك أهمية القبائل والعشائر في آسيا الوسطى، تساهم أيضًا في إقامة روابط وثيقة مع القيادة الخليجية. وتتم رعاية العلاقات الشخصية بين النخب الخليجية والمواطنين الأوزبكيين من خلال أنشطة ثقافية مهمة مثل الصيد وأنشطة الفروسية.

وقد زاد عدد الشركات المملوكة للسعوديين في أوزبكستان تدريجياً خلال العقد الماضي. في الوقت نفسه، ارتفعت الاستثمارات السعودية في أوزبكستان بشكل كبير. بحلول عام 2021، بلغت الحصة السنوية للمملكة في أوزبكستان 1.5 مليار دولار، مقارنة بـ88 ألف دولار فقط قبل 4 سنوات. تم تكوين علاقات قوية بشكل متزايد، وعلى الأخص في قطاع البنية التحتية للطاقة.

ووفقًا لتقديرات بحثية فإن التوسع الصناعي سيدفع التكامل الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأحد الأمثلة الرئيسية وغير المفاجئة هو مشاركة "أرامكو" السعودية في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما ومعالجتهما في أوزبكستان. وبمساعدة شركة الحبيب الطبية، تم إدخال أحدث التقنيات الطبية في نظام إدارة الرعاية الصحية في أوزبكستان.

وتذكر الكاتبة أنه من بين المجالات الرئيسية للتعاون هو دافع الدولة نحو الطاقة المتجددة. وقعت أكوا باور مؤخرًا اتفاقية مع وزارة الطاقة لإنشاء وتشغيل وصيانة سلسلة من محطات طاقة الرياح بقدرة 500-1000 ميجاوات، بقيمة إجمالية تبلغ 550 مليون دولار إلى 1.1 مليار دولار. وتشمل صفقات أكوا باور الأخرى مع طشقند مخططًا بقيمة 1.2 مليار دولار لتطوير محطة طاقة توربينية تعمل بالغاز ذات الدورة المركبة 1.5 جيجاوات، ومذكرة تفاهم لإنشاء مركز تدريب للطلاب والمهنيين الأوزبكيين.

ومن المؤكد أن تطبيق تجربة المملكة في التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون سيساهم بشكل كبير في تطوير تقنيات صديقة للبيئة، ومن المرجح أن يمكّن أوزبكستان من إنتاج 25% من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

ويشير خبراء اقتصاد الطاقة المحليون إلى أن هذه خطوة كبيرة إلى الأمام، لكنهم يشيرون أيضًا إلى بعض التحديات التي ينطوي عليها تنفيذ مثل هذه المشاريع الطموحة مثل الكفاءة الحقيقية للألواح الشمسية. نظرًا لأن أوزبكستان تشهد 365 يومًا مشمسًا سنويًا، فإن تكنولوجيا الطاقة الشمسية لديها إمكانات هائلة لتشغيل شبكة الكهرباء في أوزبكستان. ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك حول قدرة الدولة على بناء قطاع طاقة شمسية قابل للاستمرار والحفاظ عليه.

وعلى سبيل المثال بينما يبني السعوديون مصنعًا في كاراكا لباكستان، يخدم الجزء الشمالي الغربي بأكمله من أوزبكستان، تقوم الإمارات أيضًا ببناء مزرعة زرافشان للرياح في نافوي، وهي مدينة في جنوب غرب أوزبكستان. وزرافشان هو ثاني مشاريع "مصدر" على نطاق واسع في أوزبكستان، بعد مشروع نور نافوي للطاقة الشمسية بقدرة 100 ميجاوات.

لكن أكبر استثمار أجنبي في أوزبكستان هو مشروع طالي مرجان باور، ويدار من خلال صندوق الثروة السيادي مبادلة الإماراتي. حتى الآن، ضخت مبادلة الأموال في مجموعة واسعة من مشاريع الطاقة في المنطقة ووقعت اتفاقيات استثمار بقيمة 10 مليارات دولار في أوزبكستان، معظمها في مجال توليد وتوزيع الطاقة.

وبالرغم من زيادة الاستثمارات وتدابير حسن النية، لكن هناك العديد من النقاط الشائكة التي قد تمنع العلاقات المستقبلية بين أوزبكستان ودول مجلس التعاون الخليجي. يمكن معالجة هذه الأمور بطرق مختلفة، مثل تحسين أسعار العقارات، والتي غالبًا ما تكون حاسمة في جذب المستثمرين الأجانب، وتحسين الجودة المؤسسية، وسيادة القانون، والشفافية.

مع تقدم هذه التحولات والإصلاحات، هناك اتجاهات أخرى يمكن توقع التعاون فيها. يدرس قطاع الزراعة الأوزبكستاني الغني بشكل متزايد فرص تصدير منتجات المحاصيل إلى الخليج، سواء للإمداد المباشر أو للتصدير اللاحق.

الجغرافيا السياسية

تشكل الأهمية الجغرافية لأوزبكستان أيضًا سياسات الخليج المتعددة القطاعات. يجعل القرب من أفغانستان كلاً من السعودية والإمارات قلقتين من عودة ظهور الجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة في أفغانستان وكيف يمكن أن ينتشر ذلك إلى الدول المجاورة.

وبهذا المعنى، قد تساعد الروابط السياسية والعسكرية مع أوزبكستان في مكافحة التطرف. في الوقت نفسه، كانت أفغانستان مهمة لمناطق نفوذ دول مجلس التعاون الخليجي، فبينما استضافت الدوحة مكتبا تمثيليا لطالبان منذ عام 2013، ولعبت دورًا مهمًا في المحادثات الأفغانية، سعت الإمارات إلى الاستفادة من الوضع الحالي للبلد كذلك.

وبالرغم من بعض التوترات الأخيرة، ربما تتمتع أوزبكستان بأفضل العلاقات مع طالبان من القوى الأجنبية المحلية. تتمتع حكومة أوزبكستان بصلات اقتصادية مع الحكومة الجديدة، حتى إنها تقدم ما يصل إلى 60% من احتياجاتها من الكهرباء لأفغانستان.

وفي شمال أفغانستان، تعد غالبية السكان من عرق الأوزبك، ما يزيد من فرص ودوافع التعاون. بالنسبة لدول الخليج، قد تساعد الجغرافيا والسياسة في أوزبكستان في الحفاظ على توازن إقليمي جيد، وإقامة روابط مع حكومة طالبان أيضًا، بالرغم من الانتقادات الكثيرة منذ عودتها بعد انسحاب الولايات المتحدة.

وقد كان العامل الآخر في تنمية أوزبكستان، وأهميتها بالنسبة للخليج، هو الصين التي سعت إلى التوسع غربًا عبر أوزبكستان من خلال مبادرة الحزام والطريق.

وفي القرن السابع عشر، كانت أوزبكستان مركزًا تجاريًا رئيسيًا على طريق الحرير. يمثل الاستثمار الصيني اليوم واحدة من أكبر الفرص لأوزبكستان لاستعادة أهميتها الجيوسياسية في هذه المنطقة.

يمكن أن تكون أوزبكستان بمثابة ممر للتعاون الاقتصادي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وستشهد فوائد واضحة من هذا الترتيب.

وتشير الكاتبة أخيرًا، لعامل آخر، ألا وهو تأثير حرب أوكرانيا؛ فلأكثر من 20 عامًا، لعبت شركات الطاقة الروسية الدور الأكبر بين الشركات الأجنبية في تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في أوزبكستان. وأثرت العقوبات المفروضة على روسيا على نقل التكنولوجيا والمعدات وسيؤثر ذلك على مشروعي الشركات الروسية في أوزبكستان.

وقد كانت هناك مناقشات طويلة في أوزبكستان حول الرغبة في أن تكون أقل اعتمادًا على روسيا في الطاقة، والخوف من فقدان السيادة الاقتصادية على الطاقة.

ونظرًا للعقوبات الغربية، فإن الاستثمارات الروسية المباشرة معطلة، لكن من المرجح أن تظل قائمة لبعض الوقت. وتوفر المخططات الحالية التي تمنح الشركات الروسية دورًا في قطاع الطاقة في أوزبكستان فرصًا للشركات المحلية لتطوير شراكات مع الشركات الروسية، والتي لها قيمة حقيقية وراسخة طويلة الأجل لطشقند.

من ناحية أخرى، يعتبر الحفاظ على التوازن بين روسيا والغرب تحديًا مستمرًا لأوزبكستان، الأمر الذي أصبح أكثر إلحاحًا للبلاد منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

وعلى المدى المتوسط، واعتمادًا على نتائج الصراع في أوكرانيا، قد تفقد روسيا دورها بشكل دائم في أوزبكستان، ما يخلق فرصًا لدول الخليج للاستثمار ومشاركة خبراتها.

المصدر | ديانا جاليفا | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية الإمارات أوزبكستان الصين

عقدتا جولة جديدة من الحوار السياسي.. قطر تفتتح مقر سفاراتها في أوزبكستان