القمح والحرب.. كيف تقود العقوبات التعاون الروسي السوري؟

الأحد 2 أبريل 2023 10:02 ص

تم الإبلاغ على نطاق واسع عن تورط روسيا في تهريب القمح من المناطق أو الأراضي المحتلة في أوكرانيا خلال العام الماضي.

ورداً على ذلك، أصدرت الولايات المتحدة عقوبات في سبتمبر/أيلول 2022 ضد المسؤولين الروس بالوكالة المتورطين في سرقة الحبوب الأوكرانية.

يرى مقال هايد هايد في "تشاتام هاوس" أنه في حين نجحت بعض الإجراءات في توجيه العديد من البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا بعيدًا عن شراء القمح المسروق، أصبحت سوريا إحدى وجهاتها الأساسية.

نظرًا للعقوبات المفروضة بالفعل على كل من روسيا وسوريا، فليس لديهما العديد من الشركاء التجاريين البديلين، كما أنهم أقل قلقًا بشأن أي عواقب إضافية قد يواجهونها نتيجة لتعاونهم. وقد تعززت علاقتهما بشكل أكبر بسبب حاجة سوريا الماسة إلى القمح في مواجهة انعدام الأمن الغذائي المتزايد، وهناك اتفاق مع دمشق على دفع مبالغ زائدة لموسكو مقابل السلعة مقابل قروض.

ويرى المقال أن دور العقوبات في تشجيع هذا التعاون يتطلب دراسة متأنية لأنظمة العقوبات، لكن دون زيادة انعدام الأمن الغذائي في سوريا، لا سيما في أعقاب الزلزال.

قبل اندلاع الصراع السوري عام 2011، أنتجت سوريا حوالي 3.5 مليون طن من القمح سنويًا، وهو ما يكفي لتلبية الطلب المحلي. ومع ذلك، فإن الأضرار واسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية الزراعية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، والانقسامات الإقليمية، والفساد، والنزوح، وانخفاض ربحية الأنشطة الزراعية، وسوء الأحوال الجوية، أدت إلى خفض إنتاج القمح في سوريا إلى النصف تقريبًا.

ويضيف المقال أن الضغوط أثرت بشكل كبير على توافر الخبز المدعوم، وهو غذاء أساسي للعديد من السوريين، ما أجبر ملايين السوريين على قطع وجبات الطعام أو دفعهم إلى الديون.

ويرى المقال أن نقص الخبز المدعوم ساهم في انعدام الأمن الغذائي الذي يواجهه 12.1 مليون سوري وقد تفاقم الأنر بسبب تأثير الزلازل الأخيرة. ونتيجة لذلك، أصبحت الحكومة السورية تعتمد بشكل كبير على واردات القمح من روسيا، والتي تتراوح حاليًا بين 1.2 و 1.5 مليون طن سنويًا. يُظهر البحث الذي أجراه مشروع إكسبت أنه لم يتم الحصول على كل القمح المتدفق من روسيا أو عبرها إلى سوريا بشكل قانوني؛ فقد صدّرت شبه جزيرة القرم المحتلة وحدها أكثر من مليون طن من القمح إلى سوريا بين عامي 2019 و2022.

وأبرزت المصادر أيضًا أن احتلال موسكو لأجزاء من أوكرانيا أدى إلى زيادة كبيرة في الحجم الإجمالي للحبوب التي يتم شحنها. وتظهر النتائج المذكورة أعلاه أنه بدلاً من الحد من الأنشطة غير المشروعة، زادت العقوبات المفروضة على سوريا وروسيا تعاونهما على ما يبدو. في حين أن العديد من الدول قد تتجنب شراء القمح الذي ربما يكون قد نشأ في الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا بسبب الخوف من عقوبات ثانوية، فإن هذا لا يمثل مصدر قلق لدولة مثل سوريا التي هي نفسها هدف للعقوبات الدولية.

كما أن روسيا قادرة على بيع القمح المسروق للحكومة السورية بسعر أعلى بكثير من سعر السوق، حيث إنها حاليًا من الدول التي تمنح قروضًا للحكومة السورية.

ووفقًا للوثائق المسربة، كان شرط موسكو لإعطاء القروض هو أن استخدام الأموال فقط للدفع لشركات روسية معينة.

ونظرًا لأن الصراع في سوريا أدى إلى انخفاض في تدفقات الإيرادات والعملات الأجنبية، لم يكن أمام الحكومة السورية الكثير من الخيارات سوى قبول شروط التمويل غير المواتية لتمويل استيراد السلع الأساسية مثل القمح.

وبحسب ما ورد، أصدرت الحكومة السورية تعليماتها لمسؤوليها بترسية مناقصات القمح على الشركات الروسية، بغض النظر عن مدى عدم تنافسية عروضهم.

وقد أشار رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس في عام 2021 إلى أن بلاده استوردت 1.5 مليون طن من القمح الروسي بنحو 319 دولارًا للطن، بينما لم يتجاوز السعر العالمي للقمح 235 دولارًا.

وينوه المقال أنه بسبب الفساد والمحسوبية الموجودة في جميع أنحاء سلسلة توريد القمح، حيث تجد النخب المشاركة في تجارة القمح طرقًا للربح بينما يضطر ملايين السوريين إلى الجوع لا زال هناك أزمة في القمح في سوريا.

ويؤكد المقال أن تقاطع الصراعات المختلفة، وسرقة الكيانات الروسية للقمح الأوكراني، والفساد الذي يتسبب في انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء سوريا، كلها جوانب من سلسلة توريد القمح للصراع.

ويتوقع المقال أن يظل إنتاج سوريا من القمح في عام 2023 أقل بنحو 75% من مستويات ما قبل عام 2011 بسبب نقص هطول الأمطار وارتفاع تكلفة المدخلات الزراعية، مثل الأسمدة والبذور والوقود. وهذا يعني أن احتياجات استيراد الحبوب لهذا العام من المتوقع أن تبلغ 2.7 مليون طن.

ويقدم المقال عددا من التوصيات لمعالجة الآثار السلبية لسلسلة توريد القمح، سواء داخل حدود سوريا أو خارجها، مثل قيام المجتمع الدولي بتطوير سياسة شاملة تعالج النطاق الكامل للديناميكيات والجهات الفاعلة المشاركة في المراحل المختلفة من سلسلة التوريد الخاصة بالنزاع.

وهذا يشمل دراسة متأنية للأثر المحتمل على انعدام الأمن الغذائي في سوريا، لا سيما بعد الزلازل الأخيرة.

ويرى المقال أن التدخلات المتقطعة ستفشل، مثل العقوبات المحدودة وغير المنسقة، في إحداث تغيير مستدام لمعالجة المشكلة برمتها. لذلك يجب على صانعي السياسات الدوليين التفكير في دور العقوبات في تشجيع التعاون الفعلي بين دول مثل روسيا وسوريا وجعل هذا التعاون أكثر صعوبة وتكلفة.

المصدر | هايد هايد | تشاتام هاوس - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القمح الحرب العقوبات سوريا روسيا