الصراع الأخطر داخل إسرائيل

الانقسام الحالي لم يبقَ في إطار التنوع السياسي الموجود في الشارع الإسرائيلي بل وصل حد التنازع بين مشروعين متباعدين!

الإدارة الأمريكية وغالبية الدول الغربية الحليفة لإسرائيل ترى في تعديل قانون المحكمة العليا تهديداً للديمقراطية في إسرائيل.

يتجه الصراع القائم بين المتدينين المتطرفين والقوى العلمانية نحو مسارٍ غير مسبوق يهدد الدولة التي أنشئت قبل 75 عاماً على حساب شعب فلسطين.

المفاوضات الجارية بين الحكومة الإسرائيلية والمعارضة للتوصل لحل وسط لم تفض لنتيجة بعد، وما زال التهديد قائماً بأن يحمل المستقبل مفاجآت أكثر.

الائتلاف اليميني الحاكم فوجئ بتأييد واضح من الجيش لمعارضي التعديل وكادت التظاهرات العارمة تجتاح مقرات الحكومة وتشل البلاد برمتها في 26 مارس الماضي.

* * *

جنح الصراع القائم بين المتدينين الإسرائيليين المتطرفين والقوى العلمانية نحو مسارٍ جديد لم يسبق أن شاهدناه من قبل، وهو يهدد الدولة التي أنشئت قبل 75 عاماً على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وتهدد الخلافات بين المجموعات المتباعدة بفرض معادلات قد تخسر معها إسرائيل مكتسباتها السابقة، لأن الانقسام الحالي لم يبقَ في إطار التنوع السياسي الموجود في الشارع الإسرائيلي؛ بل وصل إلى حد التنازع بين مشروعين متباعدين، تعمل مجموعات «اليهود الأشكيناز» لتحقيق أحدهما، بينما تجهد مجموعات «اليهود السفارديم» وإلى جانبهم غالبية اليهود الشرقيين، أو «اليهود المزارحيم» لتحقيق المشروع الآخر.

أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالاتفاق مع حلفائه في الائتلاف اليميني المتطرف، سباقاً يهدف إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا، وهذه المحكمة بالصيغة الموجودة حالياً لها دور سياسي وقضائي متقدم في ظل عدم وجود دستور للدولة.

وهي قادرة على نقض القوانين الصادرة عن الكنيست، وعلى تعطيل بعض قرارات الحكومة، ولها دور أساسي في ضمان مقاضاة المسؤولين، وحماية المحاكم الأقل درجة في مواجهة القيادات السياسية والإدارية والعسكرية النافذة.

ربما تكون أحد أهداف نتنياهو من وراء طرح تعديل قانون المحكمة العليا؛ النجاة من حكم قد يصدر ضده بعد الادعاء عليه بتهمة تلقي رشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.

المعروف عن نتنياهو أنه شخصية «ميكيافيلية» يعمل لتحقيق مبتغاه بأي وسيلة، بما في ذلك استخدام نفوذه السياسي داخل البرلمان والحكومة، أو الاستفادة من وضعه العائلي، وهو بالفعل كان استفاد من هذه الوضعية عندما اتفق مع زوجته سارة على السكوت عن إشهاره لعلاقة عابرة له مع امرأة أخرى، لتقويض جهود منافسه في حزب الليكود «الأشكينازي» ديفيد ليفي الذي كان يحضر له فضيحة بهذا السبب قبل 30 عاماً.

حلفاء نتنياهو في الائتلاف اليميني لهم أهدافهم الخاصة أيضاً من وراء دعم تعديل قانون المحكمة العليا، لأن هؤلاء يخافون من إجهاض المحكمة لأي قانون قد يعفي النشطاء المتدينين من الخدمة العسكرية الإلزامية، وهو ما حصل في السابق بالفعل.

إضافة إلى تلاقي هؤلاء مع صقور حزب الليكود الذين يطالبون بتوسيع الاستيطان في أراضي الضفة الغربية الفلسطينية، بينما المحكمة العليا بتركيبتها الحالية تمنع ذلك.

تتركز النقاط التي يتناولها التعديل الذي تقدمت به حكومة نتنياهو على قانون المحكمة العليا، على أن يكون للحكومة صلاحية أكثر قوة في عملية تعيين القضاة، وأن يكون الرأي الحاسم عند الخلاف بين الفريقين القضائي والمدني داخل اللجنة التي تسمي القضاة للحكومة، وليس للقضاة كما هو عليه الحال اليوم.

الرأي العام المتابع؛ تفاجأ في حجم الاعتراضات الشعبية العارمة التي ترفض التعديلات على قانون القضاء؛ بحيث وصلت حد تهديد وحدة الدولة ومستقبلها.

وأدى مشهد التوتر إلى تدخُل مباشر من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وكان مضمونه ثني نتنياهو عن متابعة السير بالتعديلات، لأنها تنسف غالبية مهام المحكمة العليا، وبالتالي تحدث تغييراً على النظام الديمقراطي المعمول به في «إسرائيل»!

بحيث لا يبقى أي رادع أمام جنوح الأكثرية النيابية، ويصبح بإمكانها تشريع ما تشاء في ظل عدم وجود دستور، وحكومة نتنياهو الحالية تملك أكثرية بسيطة لا تتجاوز 64 نائباً مقابل 56 نائباً للمعارضة.

قوى الائتلاف اليميني الحاكم الذي يتزعمه نتنياهو- وهي بمعظمها تنتمي إلى مجموعات «الأشكيناز»- تتهم المعارضين لتعديل قانون القضاء؛ بأنهم مجموعات يسارية وعلمانية لا يهتمون بمستقبل الدولة.

لكن الائتلاف اليميني الحاكم فوجئ بتأييد واضح من الجيش لمعارضي التعديل، وكادت التظاهرات العارمة أن تجتاح المقرات الحكومية وتشل البلاد برمتها الأحد في 26 مارس/آذار 2023.

الإدارة الأمريكية وغالبية الدول الغربية الحليفة لإسرائيل ترى في تعديل قانون المحكمة العليا تهديداً للديمقراطية في إسرائيل.

والقوى المعارضة في الداخل تعتبر أن نفاذ التعديل يقضي على الحريات العامة، ويفرض ديكتاتورية الأغلبية النيابية، وهي لن تسمح بإقرار القانون في جلسة 30 نيسان/إبريل 2023.

المفاوضات الجارية بين الحكومة الإسرائيلية والمعارضة للتوصل إلى حل وسط لم تفض إلى نتيجة بعد، وما زال التهديد قائماً بأن يحمل المستقبل المزيد من المفاجآت.

*د. ناصر زيدان أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بالجامعة اللبنانية