استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تونس وصندوق النقد الدولي

السبت 15 أبريل 2023 01:17 م

تونس وصندوق النقد الدولي

مستقبل الدولة بأكملها على المحك ولم يتحرّج أكثر من مسؤول أجنبي من الإشارة لاحتمال انهيارها إذا لم تستطع تدبر أمرها ماليا في أسرع وقت ممكن.

تونس الآن في وضع حرج جدا وثقوب ميزانيتها قد لا تسد قريبا، واللجوء لـ«نادي باريس» لإعادة جدولة ديونها أمر اقترب أكثر من أي وقت مضى.

قول الرئيس (نعوّل على أنفسنا) غير ذي معنى لأنه لن يحلّ مشكل بلد لم يتهيأ لاحتمال كهذا ولم يهيأ رأيه العام له، فالحكومة لم تنتهج سبل المصارحة والشفافية.

هل سيخرج قيس سعيّد ليشرح لشعبه معنى التعويل على النفس بعيدا عن دغدغة مشاعر «السيادة الوطنية» لأنه يبدو معوّلا على استرداد أموال تونسية منهوبة بالخارج؟

حثت رئيسة حكومة إيطاليا الاتحاد الأوروبي ودول خليجية وحتى إسرائيل على مساعدة تونس وفك ضائقتها لكن لا خطوة دون ضوء أخضر من مؤسسات مالية دولية تَراجع تصنيف تونس.

* * *

وما البديل سيد الرئيس؟

نعوّل على أنفسنا.

هكذا سُئل الرئيس التونسي قيس سعيّد بعدما قال إنه يرفض إملاءات شروط صندوق النقد الدولي لمنح بلاده قرضا بقيم 1،9 مليار دولار لسد الفجوة في ميزانيتها، التي إن استمرت فقد تؤدي لعجز عن سداد ديونها الخارجية لأول مرة في تاريخها.

كان السؤال بسيطا، وكذلك الجواب، لكن المسألة ليست بسيطة على الإطلاق، إذ عليها يتوقف تقريبا مستقبل دولة بأكملها لم يتحرّج أكثر من مسؤول أجنبي من الإشارة إلى احتمال انهيارها إذا لم تستطع أن تتدبّر أمرها ماليا في أسرع وقت ممكن.

جواب سعيّد جاء ليضع حدا لأشهر من الغموض والتردد تتعلق بمدى قدرة تونس على حسم أمورها والتوقيع على اتفاقها مع المؤسسة المالية الأبرز في العالم، ضمن المواصفات التي تحددها هذه المؤسسة والقائمة بالأساس على ضرورة القيام بجملة من الإصلاحات.

تتمثل بالخصوص في وقف التوظيف في القطاع العام وتجميد الأجور وإعادة هيكلة بعض المؤسسات العمومية والتنازل التدريجي عن سياسة الدعم الحكومي للمواد الغذائية والمحروقات، وهو ما التزمت بالقيام به الحكومة التونسية مع الصندوق دون أن تملك الجرأة عن مصارحة الشعب به.

يقول خبراء الاقتصاد إن الحصول على قرض صندوق النقد قضية حياة أو موت بالنسبة للمالية العمومية لتونس لأن ميزانيتها سواء لعام 2022 أو 2023 أدرجته في فصولها، وبفضله فقط ستتمكن من مواصلة دفع أقساط ديونها الخارجية بالعملة الصعبة، المقدرة بزهاء 40 مليار دولار، وكذلك فوائدها المتراكمة.

ويضيف هؤلاء بأنه إذا كان بإمكان الدولة أن تتصرف بشكل أو بآخر فيما يتعلق بديونها الداخلية، لاسيما مع البنوك الوطنية إلا أنها تقف عاجزة أمام تسديد ديونها الخارجية إذا لم تحصل على قرض صندوق النقد لأنه ببساطة لا تتوفر في خزينتها من العملة الأجنبية ما يجعلها تفي بذلك في الآجال المحددة.

من هنا، يصبح قول الرئيس (نعوّل على أنفسنا) غير ذي معنى لأنه لن يحلّ مشكل بلد لم يتهيأ لاحتمال كهذا ولم يهيأ رأيه العام له أيضا، فالحكومة لم تنتهج سبيل المصارحة والشفافية، لا في خيار القبول بما طلبه منها صندوق النقد ولا في رفض الرئيس الأخير له.

وللتذكير فإن وزير الاقتصاد التونسي كان قد صرّح نهاية العام الماضي أنه ليس للحكومة من بديل عن هذا القرض، وأنه لا يمتلك بكل صراحة أي «خطة باء» إذا تعذّر الحصول عليه، مضيفا أن تونس هي التي تسعى جاهدة وراء الصندوق وليس العكس، وأن ما يوصف بشروط الصندوق ما هي إلا إصلاحات تأخر القيام بها حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.

لا أحد يدري ما إذا كان سيخرج قيس سعيّد في القريب ليشرح لشعبه ما قصده بالتعويل على النفس بعيدا عن دغدغة مشاعر «السيادة الوطنية» لأنه هو نفسه يبدو معوّلا عما يأمله من استرداد أموال تونسية منهوبة في الخارج من حكم الراحل بن علي، مع أن الحكومات المتعاقبة فشلت تماما في ذلك وقد لا تكون سعت إليه أصلا بشكل جاد.

اللافت أن بعض الدوائر المحسوبة على سعيّد بدأت في الترويج الشعبوي لضرورة أن تنفض البلاد يدها من الغرب عموما ومؤسساته المالية وأن تولّي وجهها شطر آسيا وخاصة الصين، جاهلين أن استدارة بمثل هذه الأهمية ليست ضغطة زر بسيطة، وأن ارتباط تونس التاريخي بأوروبا والغرب عموما لا يمكن فكّه بهذه السهولة التي تتجاهل حقائق التحالفات الدولية، الاقتصادية والسياسية والأمنية، التي لا تتغير بالأماني أو بين عشية وضحاها.

تونس الآن في وضع حرج للغاية، والثقب الذي تعانيه ميزانيتها قد لا يسد قريبا، وأن اللجوء إلى ما يعرف بـ «نادي باريس» لإعادة جدولة ديونها أمر اقترب أكثر من أي وقت مضى.

حتى أكثر المتحمّسين لمساعدة تونس في محنتها الحالية، وأساسا إيطاليا وفرنسا، لم تخفيا أبدا أن مضيّهما قدما في ذلك، وتشجيع الآخرين عليه، لا يمكن أن يتم دون توصل تونس أولا إلى اتفاق مع صندوق النقد الذي كان ينتظر من قيس سعيّد تزكية ما تعهّدت به حكومته معه، والتوقيع عليه ومباركته شخصيا، فإذا به يفضل قلب الطاولة دون بديل جاهز أو شبه جاهز.

حتى تلك الأطراف التي حثتها بقوة رئيسة حكومة إيطاليا على مساعدة تونس وفك ضائقتها، ومن بينها الاتحاد الأوروبي ودول خليجية وحتى إسرائيل (!!) من الصعب أن تخطو خطوة واحدة دون ضوء أخضر من المؤسسات المالية الدولية التي تَراجع تصنيفها لتونس بسبب ما يشوب توجهاتها من بواعث انشغال مختلفة.

وحتى إذا أقدمت دول ما على بعض المساعدة فهي لن تكون سوى تلك التي تبقي على تواصل التنفس، لكنها لن تساعد كثيرا في منع انهيار يقترب شبحه المخيف مع كل يوم تمعن فيه الدولة، وأساسا رئيسها، في دس الرأس بالرمل واستمراء إطلاق الشعارات لا غير.

*محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

إيطاليا فرنسا تونس قيس سعيد صندوق النقد الدولي الاتحاد الأوروبي نادي باريس المؤسسات المالية الدولية رئيسة حكومة إيطاليا السيادة الوطنية

الرئيس التونسي ينتقد شروط صندوق النقد لتمويل بلاده