ضمن تحولات دراماتيكية في المنطقة.. حماس تتجه نحو السعودية

الاثنين 17 أبريل 2023 01:13 م

ياسين مهداوي- الخليج الجديد

بعد سنوات من الفتور والقطيعة في العلاقات بين الجانبين، وفي ظل تغيرات دراماتيكية في منطقة الشرق الأوسط، يعتزم وفد قيادي من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" زيارة السعودية الإثنين، وفقا لوكالة "قدس برس" مقابل صمت من الطرفين.

الزيارة المرتقبة تأتي بعد قطيعة بين الرياض و"حماس"، وفي ظل ابتعاد مرجح لخيار التطبيع المزعوم بين السعودية وإسرائيل، لاسيما مع انخراط المملكة في استئناف العلاقات مع إيران، خاصة أن كلا من تل أبيب وطهران تعتبر العاصمة الأخرى العدو الأول لها.

وثمة ملابسات أخرى مهمة للزيارة، منها التصعيد الأخير للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأزمة الداخلية التي تواجهها الحكومة برئاسة بنيامن نتنياهو، فضلا عن أزمة مكتومة في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة.

ويقود رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية وفد الحركة إلى السعودية، بحسب الوكالة، ويرافقه كل من مسؤول العلاقات الدولية موسى أبومرزوق ومسؤول مكتب الجرحى والأسرى زاهر جبارين، ورئيس الحركة في الخارج خالد مشعل. والأخير يتردد، وفقا لتقارير إعلامية، أنه مغضوب عليه إيرانيا ولم يكن ضمن أي وفود للحركة في أي لقاءات مع إيران أو سوريا أو جماعة "حزب الله" اللبنانية.

الأنباء عن زيارة "حماس" أثارت تكهنات بأن الحركة تسعى إلى تحسين علاقتها مع السعودية لموازنة العلاقة مع إيران، الداعم المستمر للمقاومة ضد إسرائيل، التي تواصل احتلال أراضٍ عربية في كل من فلسطين وسوريا ولبنان.

لكن عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبومرزوق غرد قائلا السبت: "نشكر كل من يقف معنا مساعدا ومعينا، وليس هناك من علاقة مع أي طرف على حساب طرف آخر".

وأردف: "حماس ليست جزءا من أي محور سياسي أو عسكري بغض النظر عن الاسم والعنوان.. نحن حركة مقاومة إسلامية، ونسعى لعلاقات مع كل القوى الحية في المنطقة والعالم وليس لنا عداء مع أي مكون سوى العدو الصهيوني (إسرائيل)".

والإثنين، يبدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس زيارة رسمية إلى السعودية لإجراء مشاورات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وفي ظل الزيارة المرتقبة لوفد "حماس" لا يُعرف ما إذا كانت السعودية تقود أم لا مبادرة جديدة للمصالحة وإنهاء الانقسام القائم منذ صيف 2007 بين حركتي "حماس" والتحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، بزعامة عباس.

وسبق أن رعت السعودية اتفاق مصالحة بين "فتح" و"حماس"، في مدينة مكة المكرمة عام 2007، إلا أنه لم ينجح في إنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني.

فتور ثم قطيعة

ولعقود كانت السعودية تقيم علاقات طيبة مع حركة المقاومة الفلسطينية، لكن بعد عامين من تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، دخلت العلاقة بين الجانبين عام 2019 في مرحلة فتور ثم قطيعة.

ففي سبتمبر/أيلول 2019، أعلنت "حماس" أن السلطات السعودية اعتقلت القيادي في الحركة وممثلها في الرياض محمد الخضري ونجله هاني، ضمن حملة اعتقالات شملت عشرات الفلسطينيين، يحمل بعضهم الجنسية الأردنية.

وقضت المحكمة الجزائية السعودية، في أغسطس/آب 2021، بالحبس 15 عاما بحق الخضري، بتهمة "دعم المقاومة"، ضمن أحكام شملت 69 أردنيا وفلسطينيا، وتراوحت بين البراءة والحبس 22 عاما.

لكن في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أفرجت الرياض عن الخضري ورحّلته إلى العاصمة الأردنية عمان، كما أفرجت عن معتقلين أردنيين وفلسطينيين خلال فبراير/شباط الماضي.

تراجع احتمال التطبيع

مرحلة القطيعة بين السعودية و"حماس" تزامنت مع تقارير إسرائيلية وأمريكية، ولاحقا تصريحات من نتنياهو، عن تطبيع محتمل للعلاقات بين تل أبيب والرياض، وهي أنباء تزايدت بعد أن وقَّعت إسرائيل في 2020 اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

ولا ترتبط السعودية بعلاقات معلنة مع إسرائيل، وتطالبها بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ حرب 5 يونيو/حزيران 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية المحتلة وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين. ومن أصل 22 دولة عربية، تقيم 6 دول هي مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، علاقات علنية مع إسرائيل.

وثمة عوامل عديدة قادت إلى خفوت خيار التطبيع المحتمل، لعل أبرزها سياسات حكومة نتنياهو، التي توصف في الإعلام العبري بـ"الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل"، لاسيما على صعيد العداء للشعب الفلسطيني.

ومنذ أن منح الكنيست الثقة لتلك الحكومة، في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، شرعت في اعتداءات متنوعة ومكثفة بحق الفلسطينيين، بينها توسيع البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة وحملات القتل والملاحقة والاعتقال، وصولا إلى اقتحامات متكررة للمسجد الأقصى في القدس الشرقية من جانب قوات الأمن ومستوطنين إسرائيليين.

ووفقا لأنيل شلين، الزميلة الباحثة في معهد كوينسي، فإن استفزازات الحكومة اليمينية الإسرائيلية تجعل احتمال التطبيع بين تل أبيب والرياض "أبعد من أي وقت مضى"، بحسب تحليل نموقع "أمواج ميديا" (Amwaj media).

مأزق حكومة نتنياهو

كما يأتي التقارب المحتمل بين حركة المقاومة "حماس" والرياض في وقت تعاني فيه حكومة نتنياهو من أزمة داخلية جعلتها في موضع ضعف، حيث اضطر نتنياهو إلى تجميد مشاريع قوانين لإدخال تعديلات على منظومة القضاء.

وفضلا عن انتقادات خارجية، أبرزها من الحليف الولايات المتحدة، فجَّرت تلك التعديلات المقترحة احتجاجات شعبية عارمة ومعارضة سياسية شرسة في إسرائيل، إذ تعتبرها المعارضة "انقلابا قضائيا وبداية لنهاية الديمقراطية"، بينما يقول نتنياهو إنها تهدف إلى "إعادة التوازن بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الذي انتُهك خلال العقدين الماضيين".

ومع ضعف وتطرف حكومة نتنياهو، فمن غير المرجح، أن تتجاوب مع ما يتطلبه التطبيع المحتمل مع المملكة، فـ"الدور الذي تبنته الرياض كقائد للمجتمع الإسلامي العالمي سيتطلب أن تحظى السعودية بما يمكن اعتباره تنازلا كبيرا من إسرائيل (لصالح الفلسطينيين) قبل المضي قدما في التطبيع"، بحسب دوج سيليمان رئيس معهد دول الخليج العربية في واشنطن.

اتفاق سعودي إيراني

كان نتنياهو يأمل في إقامة علاقات علنية مع السعودية، التي توصف بـ"جوهرة التاج" في عملية التطبيع، ضمن مساعٍ إسرائيلية حثيثة لتكوين تحالف مع الدول العربية السنية في المنطقة ضد إيران (ذات أغلبية شيعية).

لكن في خطوة مفاجئة، وقَّعت السعودية وإيران، بوساطة الصين في 10 مارس/آذار الماضي، اتفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية خلال شهرين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات بين بلدين يقول مراقبون إنهما يتصارعان على النفوذ في المنطقة عبر وكلاء في دول منها اليمن ولبنان والعراق.

وكثيرا ما اتهمت عواصم إقليمية ودولية، لاسيما الرياض وتل أبيب وواشنطن، طهران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول العربية، بينما تقول إيران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.

وتسعى الرياض إلى إحلال الاستقرار والأمن كي تتمكن من تنفيذ رؤية 2030 التنموية، لاسيما أنها لم تتلق دعما من إدارة الرئيس الأمريكي جو بادين ردا على هجمات متعددة بطائرات بدون طيار وصواريخ شنتها جماعة الحوثي من اليمن واستهدف بعضها منشآت نفطية سعودية، وفقا لسايمون هندرسون الخبير بـ"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى".

وثمة آمال متصاعدة في ساحات التنافس بين السعودية وإيران بأن يسهم التقارب بينهما في إحلال السلام والاستقرار، وقبل أيام أجرى وفد رسمي سعودي مباحثات ناجحة مع جماعة الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء للاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار تمهيدا للتوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع.

ومنذ 9 سنوات يعاني اليمن من حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، وقوات الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها صنعاء (شمال) منذ 21 سبتمبر/أيلول 2014.

أزمة مكتومة مع واشنطن

في ملفات شرق أوسطية كثيرة لا تكتمل الصورة إلا بتحديد موقف الولايات المتحدة من تطورات الملف، وهو ما ينطبق على تحركات لولي العهد السعودي ترى واشنطن أنها تُضر بالمصالح الأمريكية.

فعلى الرغم من أن واشنطن أعلنت أن الرياض كانت تطلعها على المفاوضات مع طهران، فإن توسط بكين في الاتفاق بين السعودية وإيران، وفقا لتحليلات عديدة، منح الصين مزيدا من النفوذ على حساب الولايات المتحدة، التي قللت اهتمامها بالمنطقة لصالح مواجهة الصين في آسيا ودعم أوكرانيا في ظل الغزو الروسي المتواصل منذ أكثر من عام.

وبحسب آشا كاسلبيري هيرنانديز، المستشارة الأولى السابقة في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية، فإنه في ظل تعديل واشنطن لأولوياتها فإن "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا برزت كواحدة من المجالات الأساسية التي تحدث فيها المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين"، وفقا لمقال بموقع "ساينس دايركت" (ScienceDirect) للأبحاث.

ومن أبرز أسباب التوترات بين الرياض وواشنطن هو الخفض المتكرر لإنتاج النفط الخام من جانب السعودية وحلفائها في مجموعة "أوبك+"، ولاسيما روسيا، ما يرفع أسعار النفط بما يعاكس جهود إدارة بايدن للسيطرة على التضخم، بينما يقول المنتجون إنهم يسعون إلى تصحيح السوق.

وفي 3 أبريل/نيسان الجاري، قفزت أسعار النفط إثر إعلان مفاجئ من لاعبي "أوبك+" الرئيسيين عن خفض طوعي في إنتاج الخام بأكثر من مليون برميل يوميا، اعتبارا من أول مايو/أيار حتى نهاية العام الجاري.

وذلك التخفيض يُضاف إلى آخر بواقع مليوني برميل يوميا  اتُفق عليه في اجتماع الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" والدول المنتجة من خارج المنظمة "أوبك+" في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وحينها، تحدث بايدن عن إعادة تقييم العلاقات مع السعودية، وخيمت على البلدين أزمة مكتومة، ووفقا لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية فإن التخفيضات المفاجئة لإنتاج النفط الخام تخاطر بإعادة إشعال الخلافات بين السعودية والولايات المتحدة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية حركة حماس إيران إسرائيل الولايات المتحدة عباس حركة فتح

وفد رفيع من قيادة حماس يصل السعودية لأول مرة منذ سنوات

محلل إسرائيلي: السعودية "تبصق" على نتنياهو المتفائل وتغازل إيران

زيارة قادة حماس إلى السعودية.. ماذا تعني؟

تصعد حرب الظل ضد إسرائيل.. حماس تعيد بناء قوتها في الشرق الأوسط

كواليس تحركات السعودية "المذهلة" يرويها وفد يهودي زار الرياض

قضية معتقلي حماس في السعودية تعود للواجهة مع حرب غزة.. ماذا قال الناشطون؟