استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن السودان وأوجاعه

الثلاثاء 18 أبريل 2023 02:01 م

عن السودان وأوجاعه

حاول حميدتي قبل أيام من تفجر الاقتتال الداخلي استمالة قوى مطالبة بالتحول الديمقراطي ومنتقدة لقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة البرهان.

البديل الوحيد للسلام وصناعة التوافق هو استمرار الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي وانهيار الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

الاقتتال الداخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع يحدث على خلفية تنازع حول دمج الثانية في الأول وتسليمها لسلاحها ليصبح خاضعا لسلطة الجيش الوطني.

سبق الاقتتال الداخلي تنازع بين القيادات العسكرية ومؤسسات هامة بجهاز الدولة والقوى السياسية المدنية بشأن صيغة الحكم في سودان ما بعد انتفاضة 2019.

وقع الاقتتال الداخلي بعد تدهور كارثي بأوضاع معيشية واقتصادية واجتماعية وسياسية وإدراك قيادات العسكر ومؤسسات الدولة والقوى المدنية بنفاد صبر الناس.

* * *

بتفجر الصراع المسلح بين الجيش السوداني وبين قوات الدعم السريع، يعود السودان إلى أتون الاقتتال الداخلي الذي لم يتركه سوى لسنوات قليلة طوال العقود الماضية.

السودان الكبير والغني بتنوعه البشري وثرواته الطبيعية توالت عليه منذ استقلاله في خمسينيات القرن العشرين الحروب الأهلية بين شماله وجنوبه وفي أقاليم دارفور وكردفان وغيرهما.

وغير أنها أسفرت عن تفتيت وحدة السودان الإقليمية بانفصال جنوب السودان الذي صار جمهورية مستقلة في 2011، استنزفت الحروب الأهلية المجتمع والدولة وفرضت على الناس الفقر وتدني معدلات التنمية وغياب الاستقرار كحقائق دائمة.

أزهقت أرواح مئات الآلاف من السودانيات والسودانيين في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب وفي الاقتتال في إقليم دارفور وغيره، ورتبت سياسات خاطئة وغير مسؤولة للرئيس السابق عمر البشير.

ثم نشبت الحرب الأهلية في 2003 في إقليم دارفور واستمرت لسنوات طويلة وارتكبت جرائم مفزعة ضد الإنسانية تورطت فيها ميليشيات مسلحة (الجنجاويد) مدعومة من قبل حكومة البشير.

وحين حدثت الانتفاضة الشعبية في 2019 وعزل الرئيس السابق البشير وشرعت أطراف الحياة السياسية ومؤسسات الدولة في البحث عن صيغ جديدة للحكم، كان من الواضح أن إرث الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي لن يدع الشعب السوداني وشأنه وسيصعب للغاية من تحقيق آماله في الانتقال الديمقراطي.

في 2019، ورث السودان الجيش النظامي الذي تصدر المشهد السياسي بعد عزل البشير (مجلس السيادة) وقوات الدعم السريع وهي ميليشيات خرجت من عباءة الميليشيات التي تورطت في حرب دارفور وتنامى عددها وتطور عتادها دون توقف.

في 2019، لم يرث السودان فقط تحديات ما بعد الانتفاضات الشعبية المتمثلة في استعادة شيء من الاستقرار، والحيلولة دون تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، والحد من انتهاكات حقوق الإنسان، وصناعة التوافق بين القوى والمؤسسات الرئيسية بشأن سبل الانتقال الديمقراطي الآمن.

بل ورث أيضا تحديات البلدان التي تعاني من حروب أهلية، وتتكون بها بجانب الجيوش الوطنية ميليشيات مسلحة تنازع الجيوش الحق في استخدام القوة الجبرية.

وتلك تحديات ليس من السهل إدارتها لأنها تستدعي توفر إرادة سياسية لدمج الميليشيات وسلاحها في الجيش النظامي، ومن ثم لإنهاء ازدواجية مؤسسات القوة الجبرية ودرء خطر توظيف السلاح في الصراعات الداخلية.

وحين تتواكب صعوبات إدارة تلك التحديات مع تحديات ما بعد الانتفاضات الشعبية، يكون البلد المعني أمام مرحلة بالغة الخطر والدقة، مرحلة لا يصلح لتجاوزها بسلام وأمان سوى صناعة التوافق بين كافة الأطراف من جيوش وميليشيات، ومن قوى سياسية ومؤسسات دولة.

فالبديل الوحيد للسلام وصناعة التوافق هو استمرار الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي، والمزيد من انهيار الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وذلك هو حال السودان اليوم. فالاقتتال الداخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع يحدث، أولا، على خلفية التنازع حول دمج الثانية في الأول وتسليمها لسلاحها بحيث يصبح خاضعا لسلطة الجيش الوطني.

فرغم التوافق بين الطرفين على خارطة طريق لإنجاز الدمج، إلا أن الطموح السياسي لقيادات الطرفين أفشل الأمر ورتب تصعيد مكتوم انفجر قبل أيام قليلة. وغني عن البيان أن الجيوش الوطنية التي تقبل بقاء ميليشيات عسكرية مستقلة عنها وخارج سيطرتها تحكم على نفسها بفقدان الهوية والدور والفناء التدريجي.

وغني عن البيان أيضا أن دمج الميليشيات في الجيوش الوطنية، طالما أن الحروب الأهلية أو الاقتتالات الداخلية لم تسفر عن منتصرين ومهزومين، ليس له أن يحدث ما لم تضمن بعض الامتيازات والحصانات السياسية لقادة الميليشيات وإن لفترة زمنية محدودة.

يحدث الاقتتال الداخلي، ثانيا، على خلفية التنازع بين القيادات العسكرية ومؤسسات هامة أخرى في جهاز الدولة والقوى السياسية المدنية بشأن صيغة الحكم في سودان ما بعد انتفاضة 2019.

ولأن السودان بلد كبير ومتنوع، نجد تحالفات مختلفة التوجهات، بين بعض القيادات العسكرية والقوى المدنية، بين بعض القوى المدنية وميليشيات حاربت أو تحارب في أرجاء السودان الواسعة.

وليست محاولة حميدتي قائد قوات الدعم السريع قبل أيام من تفجر الاقتتال الداخلي لاستمالة القوى المطالبة بالتحول الديمقراطي والمنتقدة لقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة البرهان سوى مثال أخير في سلسلة طويلة من الأحداث والمحاولات التي يشهدها السودان منذ 2019 ولم تسفر إلى اليوم عن توافق وطني.

يحدث الاقتتال الداخلي، ثالثا، على خلفية تدهور كارثي في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في السودان ووسط إدراك من جانب القيادات العسكرية والمؤسسات الهامة في جهاز الدولة والقوى المدنية بكون صبر الناس قد نفد.

وثقتهم قد انعدمت في الأحاديث المتكررة عن خرائط الطريق وجلسات المفاوضات والتوافقات لإقرار صيغة حكم ما بعد 2019 الجديدة والديمقراطية. صار ظهر كافة القيادات والقوى السودانية إلى الحائط، وغضب الناس في أعلى مستوياته.

هذه هي خلفيات الاقتتال الدائر اليوم في السودان والمرشح للأسف للاستمرار. أتذكر أصدقائي السودانيين وقت دراسة الماجستير في بداية التسعينيات في معهد الدراسات الاجتماعية بمدينة لاهاي الهولندية، مصطفى وجيهان وعبد المنعم. أتذكر أصدقاء الحياة في القاهرة وبرلين وواشنطن وسان فرانسيسكو، صلاح وإبراهيم ومصطفى ويوسف.

أتمنى لهم ولذويهم السلامة مثلما أتمناها لكل المدنيين والعسكريين الذين يبحثون اليوم عن شيء من الأمن ويجدون أنفسهم تورطوا في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

*د. عمرو حمزاوي باحث بجامعة ستانفورد، أستاذ العلوم السياسية المساعد سابقا.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

السودان البرهان حميدتي العسكر عمر البشير الاقتتال الداخلي الجيش السوداني قوات الدعم السريع الحروب الأهلية جهاز الدولة التحول الديمقراطي