الإمارات توطن تقنيات التصنيع الدفاعي.. و"عقود الباطن" تحسم نجاحها

الأربعاء 19 أبريل 2023 08:46 م

سلط الباحث، ألبرت فيدال، الضوء على ما كشفته معرض آيدكس 2023 لمنتجات الدفاع، من دلالات، مشيرا إلى أن نسخة المعرض الأخيرة كانت الأكبر والأكثر نجاحًا.

وذكر فيدال، في تحليل نشره موقع "منتدى الخليج الدولي"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن القوات المسلحة الإماراتية أبرمت، خلال المعرض، 56 عقداً بقيمة 6.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 12% عن المعرض السابق.

وزاد عدد زوار المعرض من 62 ألفا في عام 2021 إلى أكثر من 130 ألف في عام 2023، فيما مثل العارضون، الذين بلغ عددهم 1350، زيادة بنسبة 50% عن المعرض السابق.

وارتفع عدد الدول المشاركة في آيدكس 2023 إلى 65 بزيادة 10%، مع تىسجيل مشاركة 9 دول جديدة، بينها أوزبكستان ونيجيريا وبنجلاديش. كما سجلت النسخة الأخيرة من آيدكس أكثر من 360 وفداً، بزيادة قدرها 111% عن نسخة 2021.

وكانت مجموعة الدفاع الإماراتية "إيدج" اللاعب الرئيسي في المعرض، حيث عرضت أكثر من 110 منتجًا وكشفت عن 14 منتجًا جديدًا، بما في ذلك 11 منصة مستقلة وغير مأهولة.

وعكس المعرض العديد من الاتجاهات الرئيسية في صناعة الدفاع بالإمارات، أهمها "التحول من الأسلحة الأجنبية إلى الأسلحة المنتجة محليًا" بحسب فيدال.

فلأول مرة في تاريخ المعرض، اشترت الإمارات غالبية معداتها العسكرية من شركات محلية، وانخفضت نسبة عقود مجلس التوازن الاقتصادي "توازن"، وهو الكيان الإماراتي الذي يدير المشتريات الدفاعية، من 65% في آيدكس 2019 إلى 25% في آيدكس 2023، فيما ارتفعت حصة الشركات المحلية من 35% إلى 75% خلال نفس الفترة.

وتُظهر هذه العقود مع شركات الدفاع الإماراتية الكثير من "الثقة في المنتجات الدفاعية المصنعة محليًا"، بالنظر إلى أن الإمارات تطلب معدات عسكرية متطورة للغاية.

عقود الباطن

لكن ذلك لا يعني أن معظم عمليات استحواذ القوات المسلحة الإماراتية على الأسلحة تأتي من شركات محلية؛ لأنه يتم توقيع عقود كبيرة أخرى، خاصة مع الشركات الفرنسية والأمريكية، لكنه يعكس، مع ذلك، نزعة نحو الشراء من الكيانات المحلية، بحسب فيدال.

وكانت معظم الشركات الأجنبية التي حصلت على عقود في آيدكس 2023 فرنسية (10 من أصل 24 عقدًا)، تليها الولايات المتحدة (5/24) ودول أوروبية أخرى. وكانت معظم هذه العقود خاصة بأنظمة الصيانة لمعدات اشترتها الإمارات.

 وعلى الرغم من حضور الصين في المعرض، إلا أنها لم تحصل إلا على عقد ثانوي، بينما لم تحصل روسيا على أي عقود.

ولطالما هيمنت الشركات الأمريكية والأوروبية تقليديا على سوق الأسلحة في دول الخليج العربي، إذ تميل المعدات العسكرية الغربية إلى أن تكون ذات جودة أفضل من نظيرتها الروسية.

 ولأن القوات المسلحة الإماراتية مبنية بالفعل على منصات وأنظمة عسكرية غربية، فإن شراء المعدات الروسية سيؤدي إلى مشاكل خطيرة في التشغيل البيني، لأن الضوابط الأمريكية الصارمة على الاستخدام النهائي للأسلحة التي تنتجها سيجعل من الصعب على الإمارات تشغيل الأنظمة الأمريكية والروسية جنبًا إلى جنب.

وإضافة لذلك، يلفت فيدال إلى أن شراء الأسلحة من روسيا بات ينظر إليه، في سياق الحرب الأوكرانية، على أنه انحياز سياسي قوي، قد لا تكون الإمارات على استعداد للقيام به.

وكانت الشركات الإماراتية المحلية هي المستفيد الرئيسي من عقود آيدكس 2023، فمن إجمالي 6.4 مليار دولار تم منحها خلال المعرض، ذهبت 4 مليارات دولار من العقود إلى الشركات التابعة لشركة "إيدج".

وتلقت "هالكون" 2.4 مليار دولار نظير صفقة طائرات مسيرة وصواريخ، وحصلت "إيرث" على 1.1 مليار دولار نظير شبكة اتصالات تكتيكية، وتلقت "أداسي" 350 مليون دولار مقابل ذخائر.

 ومنحت القوات المسلحة الإماراتية عقودا رئيسية أخرى لشركات محلية، منها المجموعة الذهبية الدولية (5 عقود) ومجموعة تراست إنترناشيونال (عقدان)، والتي استحوذت عليها إيدج في 27 مارس/آذار 2023.

ورغم أن بعض هذه الشركات أصبحت الآن محلية بالكامل، فقد تم تأسيسها في البداية كمشروعات مشتركة مع شركات دفاع غربية كجزء من برنامج "الأوفست" الإماراتي، المصمم لجذب الاستثمار في صناعة الدفاع المحلية.

نهج جديد

ويلفت فيدال إلى أن الإمارات تركز على معدات الدعم والخدمات والذخيرة التي غالبًا ما تكون أقل وضوحًا من المنصات القتالية، مشيرا إلى أن ثلثي العقود الممنوحة في آيدكس 2023 كانت لشركات تنتج هذ الفئة من المعدات، التي تشمل أجهزة الاستشعار وأنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية وشبكة اتصالات وربط بيانات تكتيكية، ورادارات، وغرف حراسة، وكاميرات حرارية، ومناظير حرارية، إضافة إلى معدات صيانة للعديد من الأنظمة الموجودة في الخدمة في القوات المسلحة الإماراتية.

 ورغم أن فئة الذخائر حصدت أقل عدد من العقود (18% فقط)، إلا أنها كانت من بين أكبر العقود من حيث القيمة النقدية، ما يعكس "نهجًا أكثر نضجًا للمشتريات الدفاعية، لم يعد يركز حصريًا على الحصول على الدبابات اللامعة والمقاتلات النفاثة" حسب فيدال.

فالتركيز الإماراتي يتحول نحو تحديد أولويات اتخاذ القرارات الدفاعية بشكل أسرع وأكثر كفاءة في ساحة المعركة من خلال تفوق المعلومات، والذخائر الذكية، وتطوير مستوى التدريب، واستخدام الذكاء الاصطناعي، وكفاءة الحصول على كميات كبيرة من البيانات، يتم جمعها من خلال عدد متزايد من أجهزة الاستشعار.

 وكانت المنصات القتالية القليلة التي حصلت عليها الإمارات (16% من جميع العقود) متوجهة بالأساس نحو القوات البحرية، بما في ذلك قوارب إنقاذ وقوارب مسيرة متعددة المهام.

 وينبع هذا التركيز على المنصات البحرية، التي عانت تقليديًا من قلة الاستثمار مقارنة بالخدمات المسلحة الأخرى، من فهم قيادة الإمارات أن تأمين موانئها ومياهها السيادية هو مفتاح لموقع الدولة الإقليمي وتطلعاتها التجارية.

كما اشترت الإمارات عدة قاذفات صواريخ وطائرات هليكوبتر وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار وطائرات بدون طيار ومدافع رشاشة ومدرعات.

توطين إيدج

وفي السياق، تستمر جهود “إيدج” في توطين التقنية الدفاعية بوتيرة سريعة، وأصبحت الشركة تدريجيًا أكثر قدرة على المنافسة كمصدر دولي.

ففي آيدكس 2023، تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين “إيدج” وشركات الدفاع الدولية لتحسين التعاون والتطوير المشترك لمجموعة متنوعة من الأنظمة والتقنيات، مع التركيز على الطائرات المسيرة والصواريخ والطباعة ثلاثية الأبعاد وأجهزة الاستشعار والسفن.

كان هناك ما لا يقل عن 4 أمثلة ملموسة لجهود التوطين في آيدكس 2023، أولها توقيع "توازن" اتفاقية مع شركة "بوينج" لفتح منشأة للأنظمة غير المأهولة في منطقة توازن الصناعية، والتي ستوظف قوة عاملة إماراتية وتركز على إصلاح محركات الطائرات و تدريب المشغلين.

المثال الثاني: وقع "توازن" صفقة مختلفة مع شركة كامان الأمريكية لإنشاء منشأة تصنيع في الإمارات للعمل على ذروة الانفجار، وهي تقنية ضرورية للقنابل الموجهة والصواريخ.

المثال الثالث: أعلنت "تاليس" الفرنسية أنها ستزيد المشتريات المحلية في الإمارات وتضاعف قوتها العاملة من 160 موظفًا إلى 300 موظفًا في عام 2025، مع توظيف 30% على الأقل من الإماراتيين.

المثال الرابع: وافقت "هالكون"، التابعة لـ "إيدج"، على إرسال بعض الموظفين إلى TÜBİTAK SAGE، وهو معهد دفاع تركي للبحث والتطوير، للخضوع للتدريب على الهندسة الكيميائية والوقود الدافع.

وأصبحت "إيدج" مُصدرًا منافسًا على نطاق عالمي، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وقعت شركة أبوظبي لبناء السفن (ADSB)، التابعة لإيدج، اتفاقية لبناء زوارق اعتراضية ومراكب إنزال للبحرية وخفر السواحل الإندونيسية.

وخلال آيدكس 2023، وقع بنك أبوظبي صفقة بقيمة 1.06 مليار دولار مع البحرية الأنغولية لتزويدها بـ 3 طرادات وسفن أخرى.

 ووقعت شركة أخرى، تابعة لـ“إيدج”، تركز على تصنيع الأسلحة الصغيرة (Caracal)، اتفاقية ترخيص مع شركة ICOMM الهندية لتطوير مجموعة من الأسلحة الصغيرة المصنعة محليًا للسوق الهندية.

كما كشف بنك أبوظبي التجاري أنه يتوقع توقيع صفقات "بمليارات الدراهم" في العامين المقبلين مع عملاء في الإمارات وأفريقيا وآسيا.

وقال رئيس مجلس إدارة “إيدج” أيضًا، إن الشركة بصدد إغلاق طلب كبير جدًا لبيع طائرات Reach-S المسيرة.

ووفقًا لبيان صادر عن الرئيس الصربي، ألكسندر فوسيتش، فإن التكتل الإماراتي سيوقع قريبًا اتفاقية مع صربيا لتوفير ذخائر.

في مقابلة أجريت معه مؤخرًا، أوضح رئيس مجلس إدارة “إيدج”، فيصل البناي، كيف أن طائرات “إيدج” المسيرة تنافسية للغاية من منظور التسعير.

وأشار إلى "إيدج" تخدد لتقديم طائرة Hunter S مقابل 29000 دولار ، وهو سعر أقل بكثير من المنتجات المنافسة في نفس الفئة ، والتي يتراوح سعرها بين 110 آلاف دولار و 170 ألف دولار.

وتعد Reach-S مثالاً آخر على الأسعار التنافسية لشركة “إيدج”، حيث تبلغ تكلفة طائرة واحدة بدون محطة أرضية 1.1 مليون دولار، بينما يبيع المنافسون منصات مشابهة جدًا بسعر يتراوح بين 3.5 و5 ملايين دولار.

ورغم ظهور تقدم سريع في توطين التقنية الدفاعية بالإمارات، إلا أن العديد من شركات الدفاع الإماراتية، التي وقعت عقودًا مع توازن في آيدكس، لا تزال تعتمد بشكل كبير على شركات الدفاع متعددة الجنسيات مثل "تاليس" و"رايثيون" والعديد من الشركات الأخرى لتصنيع منتجاتها وتقديم الخدمات.

ويشير فيدال إلى أن الإمارات تقدم الصفقات، التي وقعتها الشركات المحلية على أنها تحقق أهداف التوطين، لكن غالبًا ما تتضمن عمليات الإنتاج الفعلية التعاقد من الباطن على أجزاء كبيرة مع شركات غير إماراتية، مشيرا إلى أن مدى هذه التبعية المستمرة غير واضح.

ويخلص فيدال إلى أن استمرار منح عقود مهمة للشركات المحلية سيجعل القاعدة الصناعية الدفاعية في الإمارات قادرة بشكل متزايد على إنتاج منصات أكثر تطوراً، مرجحا أن تزيد “إيدج” صادراتها من الأسلحة إلى أسواق آسيا وأمريكا اللاتينية.

لكن نسبة "التعاقد من الباطن" والاعتماد على شركات الدفاع متعددة الجنسيات هو العامل الذي سيحدد المدى الحقيقي لنجاح صناعة الدفاع الإماراتية.

المصدر | ألبرت فيدال/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات إيدج آيدكس 2023 توازن