كيف يؤثر الصراع في السودان على جيرانه؟

الأحد 30 أبريل 2023 01:55 م

في منطقة مليئة بالصراعات، جاءت اشتباكات الجناجين المسحلين الأبرز في السودان، ليزيد من التعقيدات ويثير مخاوف من أي تطور دراماتيكي يؤثر بشكل قاطع على الدول المجاورة، نظرا للوضع المتشابك بينها.

والسبت، دخلت المعارك في السودان أسبوعها الثالث، ولا تزال أصوات القذائف وإطلاق الرصاص تسمع كل يوم، ما أوقع ما لا يقل عن 528 قتيلا و4599 جريحا، وفق بيانات رسمية، لكن يرجح أن تكون الحصيلة أكبر من ذلك.

كما نزح حوالى 75 ألف شخص إلى الدول المجاورة وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فيما تنظم دول أجنبية عمليات إجلاء واسعة.

هذا الصراع، في بلد شهد حركات تمرد لا حصر لها خلال عقود من الاستقلال يمكن أن ينتقل إلى جيران السودان، سواء بشكل مباشر أو من خلال دعم قوات بالوكالة"، وهو ما ستكون "له تداعيات خطيرة محتملة على الأمن الإقليمي ويعرض حياة الملايين للخطر".

ويحد السودان دول من بينها مصر وليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا وجنوب السودان وإثيوبيا، وجميعها سارعت بالدعوة إلى حل للأزمة ينهي الصراع الدامي.

هذه الدول السبع، واجهت كل منها حربا أو اضطرابات مدنية عنيفة أو اضطرابات سياسية في السنوات الأخيرة، ولهذا فإن مخاطر تضررها مما يجري في السودان يقلقها إلى حد كبير.

فمن الشمال، تعتمد مصر على السودان كشريك هام في النزاعات الإقليمية على المياه، في إشارة إلى ملف سد النهضة.

كما أن أي صدع بين القاهرة والخرطوم يمكن أن يعرض للخطر جهود التوصل إلى اتفاق لتقاسم المياه مع أديس أبابا.

ومصر والسودان مرتبطان بالسياسة والتجارة والثقافة ومياه النيل المشتركة، يعتبر السودانيون إلى حد بعيد أكبر جالية أجنبية في مصر، ويقدر عددهم بنحو 4 ملايين شخص، بما في ذلك حوالي 60 ألف لاجئ وطالب لجوء.

وفي ليبيا، نشط المرتزقة السودانيون ومقاتلو الميليشيات على جانبي الصراع الأهلي الذي قسم الدولة الواقعة في الشمال الأفريقي بعد عام 2011.

وفي السنوات الأخيرة، عاد العديد من المقاتلين السودانيين إلى بلادهم، مما ساهم في التوترات في منطقة دارفور (غرب)، حيث احتدم صراع آخر منذ سنوات. واستمر القتال بعد اتفاق مع بعض الجماعات المتمردة عام 2020.

كان السودان أيضًا نقطة انطلاق وطريق عبور للمهاجرين الذين يسعون للتوجه إلى أوروبا عبر ليبيا، حيث استغل المهربون الصراع والاضطرابات السياسية.

أما تشاد، فتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 100 ألف سوداني سوف يفرون عبر الحدود إلى أراضيها، وسط قلق من عقليات هؤلاء الفارين.

وتقول الأمم المتحدة إن نحو 20 ألف شخص عبروا الحدود إلى تشاد من منطقة دارفور التي اجتاحت أعمال العنف بغرب السودان في الأيام القليلة الأولى من القتال.

وقد استقبلت الجارة بالفعل سابقاً نحو 400 ألف لاجئ سوداني نزحوا بسبب النزاعات السابقة، وأقاموا في مخيمات حدودية.

وخلال نزاع دارفور، واجهت تشاد غارات عبر الحدود من الميليشيات العربية في السودان، المعروفة باسم الجنجويد، والتي تحولت إلى قوات "الدعم السريع".

وقد يؤدي القتال في السودان وما ينتج عنه من فراغ في السلطة، إلى تأجيج عدم الاستقرار السياسي في تشاد.

وقالت الحكومة التشادية إنها نزعت سلاح وحدة من 320 من القوات شبه العسكرية دخلت أراضيها الإثنين الماضي.

كما تشعر تشاد بالقلق من أن مجموعة "فاجنر" الروسية، المتعاقدون العسكريون الخاصون في جمهورية إفريقيا الوسطى المجاورة، والذين يقال إن لديهم علاقات وثيقة مع قوات "الدعم السريع"، قد يدعمون المتمردين التشاديين الذين يهددون الحكومة.

وإلى جنوب شرق السودان، تتطلع إثيوبيا إلى كيفية تأثير القتال على اثنين من اهتماماتها الرئيسية، بينها تأمين حقوق المياه لسد النهضة الإثيوبي الكبير، وتسوية المطالبات الإثيوبية بمنطقة حدودية متنازع عليها حيث اندلع القتال من قبل.

وكان السودان أيضا ملاذا لعشرات الآلاف من الإثيوبيين من منطقة تيجراي، التي خاضت حرباً استمرت عامين مع الحكومة المركزية وانتهت باتفاق سلام هش أواخر العام الفائت، وتهدد بالانفجار مرة أخرى.

كما قد تؤدي التغييرات في ميزان القوى في المنطقة أيضا، إلى زعزعة التحالفات الهشة لإريتريا المجاورة.

أما جنوب السودان، الذي انفصل عن السودان في عام 2011 بعد حرب أهلية استمرت عقودًا، فيصدر إنتاجه النفطي البالغ 170 ألف برميل يوميًا عبر خط أنابيب يمر عبر جارته الشمالية.

ويقول محللون إن أيا من الطرفين في الصراع السوداني ليس له مصلحة في تعطيل تلك التدفقات، لكن حكومة جنوب السودان قالت هذا الأسبوع إن القتال أعاق بالفعل الروابط اللوجستية والنقل بين حقول النفط وبورتسودان.

كما يستضيف السودان 800 ألف لاجئ من جنوب السودان، وأي عودة جماعية يمكن أن تضع مزيدًا من الضغوط على الجهود المبذولة لتوفير المساعدات الحيوية لأكثر من مليوني نازح في جنوب السودان، ممن فروا من ديارهم داخل البلاد بسبب الحرب الأهلية.

ومن الجيران غير الحدوديين، تأتي دول الخليج العربية، والتي تسعى منذ فترة طويلة إلى تشكيل الأحداث في السودان، حيث رأوا الانتقال من حكم عمر البشير كوسيلة لدحر نفوذ الإسلاميين وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي استثمارات كبيرة في السودان وصلت إلى نحو 60 مليار دولار، بعد أن شهدت الفترة الأخيرة تزايد اهتمام المستثمرين الخليجيين.

ولدى المستثمرين في السعودية والإمارات خاصة، صفقات للاستثمار في مجموعة من المشاريع الزراعية، حيث يتمتع السودان بإمكانيات هائلة تعتمد على مساحات مروية كبيرة، إلى شركة طيران وموانئ استراتيجية على ساحل البحر الأحمر.

كما أن هناك استثمارات خليجية في مجالات الصناعة، وقطاع الطاقة، والعقارات والخدمات المالية وغيرها.

ووفق مراقبين، فإن تصاعد الصراع يهدد هذه الاستثمارات.

ويقول رئيس مركز القرن العربي للدراسات في الرياض سعد بن عمر، في تصريحات صحفية، إن السودان "بات الآن نقطة كبيرة في شرق القارة الأفريقية تؤثر على المنطقة اقتصاديا وأمنيا بالدرجة الأولى".

ويشير إلى أن تشاد وإثيوبيا المجاورتين هما دولتان قاريتان، أي ليست لهما سواحل، وتعتمدان بشكل كبير على الموانئ السودانية، وأهمها بورتسودان، والاختلالات الأمنية في السودان تؤثر على الطرق الحيوية التي تعبر إلى تشاد وأثيوبيا وأوغندا.

ويحذر بن عمر من أن للصراع في السودان تداعيات يمكن أن تتجاوز حدوده بكثير، وقد يشهد نوعا من الصراع المطول، الذي عصف ببلدان أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا، من لبنان وسوريا إلى ليبيا وإثيوبيا، ويهدد باندلاع حرب أهلية طويلة الأمد أو تقسيم الدولة إلى أقاليم متنافسة.

ويوضح أن الاضطرابات الأمنية السابقة في السودان كانت لها ارتدادات، والصراعات في المنطقة عموما تمتد للدول الأخرى.

ويتابع: "ما يحدث في السودان لن يبقى في السودان"، مشيرا إلى أن "تشاد وجنوب السودان معرضان لخطر هذه التداعيات على الفور".

كما يلفت بن عمر إلى أن الحكومة الإثيوبية قد تستغل أي خلافات، وعدم وجود حكومة قوية في الخرطوم لصالحها في هذا ملف سد النهضة.

ويحذر كذلك من تداعيات وخيمة على الاستثمارات في السودان بشكل عام، في حال استمرار الاشتباكات الدائرة في البلاد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السودان البرهان حميدتي دول الجوار استثمارات

دعته لوقف التصعيد.. السعودية تستقبل مبعوث قائد الجيش السوداني

امتنان وحسرة على متن سفينة إجلاء سعودية من السودان