تقارب الرياض ودمشق.. هكذا تقود السعودية تحولا إقليميا بالشرق الأوسط

الثلاثاء 2 مايو 2023 10:29 ص

سلط محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألكسندر لانجلو، الضوء على التغير الجاري بالعلاقات الدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي يشمل تحسين العلاقات بين السعودية والنظام السوري، مشيرا إلى أنها تشي بتحول إقليمي طويل الأمد.

وذكر لانجلو، في تحليل نشره موقع "منتدى الخليج الدولي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن السعودية دعمت المعارضة السورية المسلحة سابقا للإطاحة برئيس النظام، بشار الأسد، ومع ذلك تحاول الآن المصالحة مع دمشق وإعادتها إلى المجتمع الإقليمي، مشيرا إلى أن هذا الاتجاه بدأ منذ توقيع اتفاقيات العلا، التي ساعدت في حل الأزمة الدبلوماسية الخليجية وانخراط دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا مع علاقات أوثق مع تركيا.

وأضاف أن الحكومة السعودية، استضافت، في 12 أبريل / نيسان الماضي، وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في جدة، وهي المرة الأولى التي يزور فيها ممثل رفيع المستوى للحكومة السورية البلاد منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية.

وبحسب بيان رسمي مشترك، فقد التقى وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، مع المقداد لبحث العلاقات الثنائية، وركز نقاشهما على ملفات المساعدات الإنسانية والإرهاب وسلامة أراضي سوريا ومكافحة التهريب وعودة اللاجئين.

كما ناقش الوزيران تهريب الكبتاجون، وهو مادة مخدرة شائعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومصدر مهم للإيرادات غير المشروعة للحكومة السورية.

وبعد المحادثات، سافر وزير الخارجية السعودي إلى دمشق في 18 أبريل/نيسان لمواصلة المحادثات، وعقد لقاء تاريخي مع الأسد.

ومثلت زيارة المقداد السابقة للسعودية، كانت زيارة بن فرحان هي الأولى لوزير خارجية سعودي إلى سوريا منذ بداية الحرب.

ومع ذلك، لم تصل العلاقات بين الرياض ودمشق إلى مستوى الدعوة إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية أو زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، للرياض، أو ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، لدمشق.

تطبيع سريع أم تقارب بطيء؟

لكن لانجلو يرى أن السرعة التي جرت التحسينات في العلاقات السعودية السورية بعد فترة طويلة من القطيعة "مدهشة"، مشيرا إلى أن علامات التقارب الوشيك بين دمشق والرياض واضحة.

ففي السابق، دعمت السعودية فكرة الإطاحة بالأسد، وقدمت الحكومة في الرياض منذ فترة طويلة مساعدات مالية وعسكرية لمختلف الجماعات المعارضة المناهضة للأسد داخل سوريا.

لكن حتى خلال أكثر أيام النظام السوري خطورة، احتفظت الرياض ببعض قنوات الاتصال مع دمشق، ما يشير إلى استعدادها للانخراط معه في محادثات بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وتضمنت خطوط الاتصال بين الطرفين دوائر استخباراتية، أبرزها لقاء دمشق الهادئ بين رئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان، ونظيره السوري آنذاك، علي مملوك، في مايو/أيار 2021. وعقد حميدان اجتماعاً آخر مع رئيس المخابرات السورية الجديد، حسام لوقا، في القاهرة على هامش منتدى الاستخبارات العربي، في نوفمبر/تشرين 2021.

وبينما اعتقد البعض أن المحادثات الإضافية ستؤدي إلى تحول تدريجي وتقارب متزايد في عام 2022، لم يحدث ذلك.

فكما فعلت عندما أيدت بهدوء إعادة فتح سفارة البحرين في سوريا، عام 2018، اختارت الرياض اتباع نهج الانتظار والترقب، لا سيما بعد أن أدت مسألة وضع سوريا إلى انقسام حاد في قمة جامعة الدول العربية بالجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وخلال هذه القمة، حاولت الجزائر بلورة إجماع عربي على عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، لكنها فشلت في سد الفجوة بين المواقف المختلفة للدول العربية الأخرى، وهو ما التقطه السعوديون وتصرفوا انطلاقا منه، حسبما يرى لانجلو، مشيرا إلى استمرار تجميد العلاقات عام 2022.

لكن زلزال 6 فبراير/شباط، الذي دمر جنوب تركيا وشمال سوريا، أدى إلى مأساة لقي فيها ما يقرب من 56000 شخص مصرعهم، ما استدعى استجابة إنسانية ضخمة ساهمت فيها الدول العربية على الفور.

وقدمت العديد من الدول فرصة للدفع باتجاه تحسين العلاقات مع دمشق تحت ستار وصول المساعدات الإنسانية، وهي استراتيجية توصف أحيانًا بأنها "دبلوماسية الزلزال" حسب تعبير لانجلو.

واستخدمت السعودية هذه الطريقة لإرساء الأساس لإعادة التطبيع مع الحكومة السورية، وقال بن فرحان، في 4 مارس/آذار، إن الوضع الراهن "لا يمكن الدفاع عنه" وأصر على أن السعودية "يجب أن تجد طريقة لتجاوز ذلك".

وأشار هذا التصريح إلى تطورات إيجابية مستقبلية، مع اجتماعات استخباراتية إضافية وزيارات متبادلة بين المقداد وبن فرحان في أبريل / نيسان.

ومع ذلك، واجه التحول السريع في العلاقات عقبات، وبدت السعودية مستعدة للاستجابة إلى عودة دمشق إلى الجامعة العربية عبر قمة الرياض في مايو/أيار، لكن كتلة صغيرة من الدول العربية، بقيادة قطر، أعلنت رفضها.

 وبينما استضاف السعوديون اجتماعاً بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الأردن والعراق ومصر، لمناقشة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لم يتمكنوا من التوصل إلى توافق في الآراء.

اهتمامات دمشق والرياض

وبغض النظر عن هذه المعوقات، فإن القرار السعودي لإصلاح العلاقات مع دمشق يعكس رغبة الرياض في تولي زمام القيادة في القضايا الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالصراعات طويلة الأمد بعد صفقة إعادة التطبيع مع إيران في 10 مارس/آذار الماضي، حسبما يرى لانجلو، مشيرا إلى أن التحول في النهج السعودي يؤشر إلى سياسة جديدة لولي العهد، محمد بن سلمان، في أعقاب الانتكاسات الكبيرة في سياسات المغامرة الخارجية بمناطق مثل اليمن.

فالتحولات الإقليمية الحالية تتبنى علاقات دبلوماسية برجماتية، على الأقل في الوقت الحالي، وقد لاحظ بن سلمان ذلك بالتأكيد، ولذا يحاول توجيه بلاده إلى حقبة جديدة من خلال خطته الاقتصادية "رؤية 2030".

وفي السياق، يشير لانجلو إلى أن مصلحة السعودية في قيادة تحول إقليمي نحو البرجماتية، متعددة الأوجه، فهي، من ناحية، تريد تشجيع ذوبان الجليد الإقليمي لتعزيز الوحدة والاستقرار، مرة أخرى لدعم رؤيتها الاقتصادية، ويلعب دور الصين المتزايد في المنطقة دورًا في هذا الإطار، حيث أكدت بكين لطهران والرياض على أهمية الاستقرار مع ربط التعاملات الاقتصادية المربحة بإعادة التطبيع.

ومن ناحية أخرى، هناك عنصر تنافسي في المصالح السعودية يلعب دورًا، إذ تخوض الرياض منافسات مع الأصدقاء والأعداء بالمنطقة على حدٍ سواء، وهذا يشمل الإمارات، الحليف المفترض، والتي لعبت دورها في شكل منافسة تجارية في السنوات الأخيرة.

ولأن السعودية ترغب بقوة في لعب دور قيادي بالجغرافيا السياسية الإقليمية، فإنها تنظر إلى الجهود الإماراتية لإعادة تطبيع العلاقات مع بشار الأسد، قبل سنوات، باعتبارها تقويضا للهيمنة الإقليمية السعودية.

لكن الأهم، بالنسبة للسعودية، هو المصلحة المشتركة بين العديد من الدول العربية، بما فيها الإمارات، لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.

فالإمارات تنظر إلى سيطرة إيران المتزايدة ووجودها في سوريا على أنه تهديد، إذ تسعى طهران لضمان ممر بري من حدودها إلى لبنان، تسهله ميليشيات مثل حزب الله اللبناني.

وبالمثل، فإن سوريا لديها الكثير لتكسبه من التقارب السعودي، ففي نهاية المطاف، أي إعادة تطبيع للعلاقات الدبلوماسية مع الرياض سيكون أقوى مؤشر على عودة دمشق إلى الساحة الإقليمية.

فالدور السابق للمملكة كداعم رئيسي للمعارضة السورية يجعل التطبيع أكثر أهمية لجهود الأسد في تصوير حكومته على أنها المنتصر في الحرب، ولم تعد طرفا مارقا.

في الواقع، من المحتمل أن تنظر دمشق إلى الرياض على أنها أفضل فرصة لها للعودة إلى الجامعة العربية لتعزيز شرعيتها، لكن الأسد يساوم هو الآخر ويحاول استغلال تعدد المبادرات الإقليمية لإعادة إشراك دمشق في المنظومة العربية.

ومن المرجح أن تلعب المبادرات التركية والأردنية والإماراتية ضد بعضها البعض، وبالتالي، يمكن لدمشق أن تنظر إلى إعادة التطبيع مع السعودية كعامل ترجيح، وبدلاً من التفاوض بحسن نية مع تركيا حول مستقبل المعارضة السورية والوجود التركي في شمال غرب سوريا، يمكنها المماطلة وتقديم موقف متشدد، يستند إلى دفع السعوديين والإماراتيين باتجاه نهج أكثر تقدمًا، أي إعادة التطبيع مع نظام الأسد، مع شروط قليلة أو معدومة مقدما.

وينوه لانجلو إلى أن ذلك هو ما حدث بالضبط بالعاصمة الروسية، موسكو، في وقت سابق من أبريل/نيسان الماضي، في مفاوضات رباعية بين النظام السوري وتركيا وروسيا وإيران، حيث من المحتمل أن تلعب هذه الدول دورًا فيما أصبح "تكتيكًا تفاوضيًا سيئ النية" حسب تعبيره.

ويرجح لانجلو أن تدفع هذه المصالح في نهاية المطاف إلى اجتماع بين بشار الأسد ومحمد بن سلمان عام 2023، وهو ما سيكون كارثيًا للمعارضة السورية وسيمثل أهم حدث دبلوماسي مرتبط بسوريا منذ سنوات.

ويخلص لانجلو إلى أن نهج الرياض المتغير يعكس "شرق أوسط جديد سيستمر في اختيار البرجماتية الدبلوماسية طالما أنها تناسب الدول المعنية"، متوقعا أن يحصد نظام الأسد الثمار في الأشهر والسنوات المقبلة، ما لم يحدث تحول مفاجئ.

المصدر | ألكسندر لانجلو/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية سوريا بشار الأسد دمشق الرياض الإمارات إيران محمد بن سلمان فيصل بن فرحان فيصل المقداد

أقطابه تركيا وإيران وإسرائيل.. نظام جديد يتشكل بالشرق الأوسط وسط انكفاء داخلي للعرب

تحليل: 5 عوامل تؤشر إلى تحول عميق بالشرق الأوسط