تحليل: روسيا تريد استمرار الحكم الاستبدادي في السودان لهذه الأسباب

الأربعاء 3 مايو 2023 05:46 م

سلط "معهد الشرق الأوسط" الضوء على نهج روسيا في التعامل مع الصراع العسكري الداخلي في السودان، معتبرا أن الهدف الأساسي لموسكو ليس أن ترى طرفا أو آخر ينتصر في الحرب الأهلية المتواصلة منذ 15 أبريل/ نيسان المنصرم بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

وأوضح المعهد في تحليل ترجمه "الخليج الجديد"، أن روسيا تستهدف إحباط أي انتقال ديمقراطي في السودان، إذا يعني استمرار الحكم الاستبدادي تحقيقها مكاسب من مناجم الذهب السودانية وبناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر في بورتسودان.

واستشهد التحليل بتصريحات نائبة مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة آنا إيفستينييفا، التي قالت فيها إن "القوى الخارجية حاولت فرض نقل السلطة (في السودان) إلى السلطات المدنية بشكل مصطنع".

وزعمت إيفستينييفا أن إطار اتفاق انتقال إلى الحكومة الديمقراطية في ديسمبر/كانون أول 2022 (الاتفاق الإطاري) لم يكن شاملاً بما فيه الكفاية.

واعتبرت أن محاولات نقل السلطة في السودان بمثابة عامل محفز للصراع بين البرهان وحميدتي قائلة إن "الاستقرار الهش في البلاد وقع فريسة لتلك المحاولات لتأسيس ما يسمى بالديمقراطية"

كما انتقدت إيفستينييفا، الجهود المبذولة لجعل المساعدة الدولية مشروطة بعملية انتقال مدني.

رواية روسية

ولقيت تعليقات إيفستينييفا صدى لدى القنوات الرئيسية التابعة لروسيا على موقع تليجرام، إذ ربطت قناة "Militarist" بعد ذلك الصراع بين البرهان وحميدتي بجهود وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية الأمريكية فيكتوريا نولاند لتعزيز الديمقراطية في السودان.

وقارن مستشار الكرملين السابق سيرجي ماركوف الاشتباك بين البرهان وحميدتي بالصراعات بين ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسين خلال الأيام الأخيرة للاتحاد السوفيتي وأشاد بالرئيس المخلوع عمر البشير باعتباره "شخصية استقرار" على غرار ليونيد بريجنيف.

وذكر التحليل أنه في حين أن نفور روسيا من التحول الديمقراطي في السودان يتوافق مع استجاباتها السابقة للربيع العربي وثورة الميدان الأوروبية في أوكرانيا، فإنه يؤكد أيضًا على سبب كون الاستبداد عاملًا ضروريًا لتمكين المصالح الروسية في السودان.

فاغنر وقاعدة بورتسودان

وفق التحليل فإنه كجزء من إمبراطوريته التجارية المترامية الأطراف، يشرف رئيس مجموعة فاغنر الأمنية، المرتبط بالكرملين يفجيني بريغوجين على شركة ميروي جولد وهي عبارة عن مصنع تعدين للذهب يخضع لحراسة مشددة في مدينة العبيدية السودانية (تسمي بمدينة الذهب)، على بعد 200 ميل شمال الخرطوم.

وذكر التحليل، أنه نتيجة للتواطؤ الروسي مع القيادة العسكرية السودانية، غادرت 16 رحلة لتهريب الذهب مطار الخرطوم الدولي متوجهة إلى روسيا خلال الفترة 2021-2022. وتزعم تقارير أن هذا الذهب المهرب من السودان زود الكرملين بعملة صعبة حيوية للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

على الرغم من أن السلطات العسكرية السودانية اتهمت مواطنًا روسيًا بتهمة تهريب الذهب، إلا أنها سمحت باستئناف معالجة الذهب في منشأة رئيسية مرتبطة بفاغنر وأسقطت التحقيقات ضد موظفين آخرين.

ومن المرجح أن تحاكم أي حكومة مدنية في الخرطوم، لا سيما حكومة غير متشابكة مع رابطة التهريب الروسية، هذه الجرائم بقوة وفاعلية أكبر من ذلك.

وعلى صعيد أخر، تفسر طموحات روسيا في بناء قاعدة بورتسودان البحرية الروسية دعمها للقيادة العسكرية السودانية، وليس المدنية.

وفي 9 فبراير/شباط، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد لقائه بنظيره السوداني أن روسيا والسودان انتهيا من شروط بناء منشأة بورتسودان.

بينما يحتاج اتفاق بناء قاعدة بورتسودان إلى موافقة البرلمان السوداني حتى يدخل حيز التنفيذ، فإنه يحظى بتأييد واسع من الضباط العسكريين في السودان.

في مارس/ أذار 2022، صرح حميدتي بالمثل أنه يجب على السودان النظر في اتفاقية قاعدة بحرية مع روسيا إذا لم تهدد أمن البلاد القومي.

ولكن نظرًا لأن خطط بناء القواعد الروسية تلقت رد فعل عنيفًا من القبائل المحلية والولايات المتحدة، فإن طموحات موسكو في نشر قوتها في البحر الأحمر قد تعاني في ظل حكومة سودانية مدنية موالية للغرب.

لكن روسيا ليست متحالفة بشكل صارم مع البرهان أو حميدتي في النزاع المسلح الحالي، وهذا الموقف غير المنحاز ينعكس في تعليقات الخبراء الروس.

وفي 17 أبريل/ نيسان، قال ستانيسلاف إيفانوف، كبير الباحثين في مركز الأمن الدولي بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية: "أياً كان الفائز، فمن غير المرجح أن يتغير الموقف تجاه روسيا".

ومع ذلك، أكد خبير معهد الدراسات الأفريقية، سيرجي كوستليانيتس، أنه لا البرهان ولا حميدتي سيقدمان بسرعة مشروع قاعدة بورتسودان إذا انتصر أحدهما، لأنهما يرغبان في تجنب استعداء الغرب.

الصراع المطول

ورأي التحليل أنه في الوقت ذاته، فإن الصراع المطول في السودان ليس أيضًا في مصلحة روسيا.

وأكد كوستليانيتس أن "أي زعزعة للاستقرار العسكري والسياسي، يشكل تهديدًا لاتفاقيات حساسة مثل الاتفاقات الخاصة بإنشاء قواعد أجنبية".

ومن شأن استمرار عدم الاستقرار أن يؤدي إلى تفاقم العنف على طول الطرق المستخدمة في تهريب الذهب بين السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، مما يستلزم المزيد من التدخلات المكلفة من قبل مرتزقة فاغنر.

وحتى مع استمرار الحرب الأهلية، فمن غير المرجح أن تقدم روسيا دعمًا واسع النطاق لحميدتي، الذي أصر في مقابلة صحفية في 21 أبريل/ نيسان على أن قوات الدعم السريع علقت روابط التدريب العسكري مع مجموعة فاغنر.

علاوة على ذلك، هناك عدم ثقة مؤسسي كبير في حميدتي داخل الكرملين.

واستشهد التحليل بتعليق البروفيسور سيرجي سيريجيشيف من جامعة الدولة الروسية للعلوم الإنسانية حيث قال: "تنقيحات السودان للاتفاقية بشأن القاعدة العسكرية الروسية تزيد من سوء صورة حميدتي كشريك موثوق لروسيا".

وذكر التحليل أن هذا يشير إلى أن قدرة مجموعة فاغنر على دعم حميدتي يمكن أن تقتصر على ما يمكن لرئيس فاغنر شراؤه. لذا فمع استمرار الصراع في السودان، من المحتمل أن تحاول روسيا وضع نفسها على أنها داعم للحل الدبلوماسي وأن تتحوط رهاناتها في منطقة البحر الأحمر.

بعد فترة وجيزة من اندلاع الأعمال العدائية، صرح بريغوجين قائلا: "أريد السلام للشعب السوداني" وعرض التوسط بين البرهان وحميدتي.

وخلص التحليل إلى أنه على الرغم من أن روسيا لديها مصالح راسخة في الصراع بين البرهان وحميدتي، فمن غير المرجح أن تسعى بنشاط إلى استراتيجية شاملة لزعزعة الاستقرار في السودان.

بدلاً من ذلك، من المرجح أن توازن العلاقات الوثيقة مع كلا الطرفين المتحاربين ومواصلة معارضة الانتقال الديمقراطي بنشاط في السودان.

وبغض النظر عن هوية من ستكون له الغلبة في النهاية، فإن روسيا في وضع جيد لتظل صاحب مصلحة مؤثر في السودان، كما تمثل تعقيدًا مزعجًا لاستراتيجية الولايات المتحدة الأمنية في البحر الأحمر.

 

 

المصدر | معهد الشرق الأوسط-ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأزمة السودانية الحكم الاستبدادي بالسودان الحرب السودانية العلاقات الروسية السودانية

السودان.. الجيش يوافق على مبادرة إيغاد بتمديد الهدنة 7 أيام

إيكونوميست: معارك السودان قد تتحول إلى حرب إقليمية.. وهذه خريطة أطرافها

البرهان يطلع لافروف على آخر التطورات في السودان