تواجه كل من روسيا وإيران عقوبات غربية تحد من قدرتهما على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية وإجراء التجارة الدولية، ولذا تتطلع موسكو وطهران إلى توسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة لهما لتجاوز العقوبات، وتعزيز علاقاتهما التجارية وتحسين البنية التحتية المشتركة للنقل.
وفي هذا الإطار يمكن تصنيف ممر النقل الدولي "شمال-جنوب" (INSTC)، كأحد طرق التجارة الرئيسية بين إيران وروسيا، وهو عبارة عن شبكة نقل متعددة الوسائط تربط الهند والخليج العربي بروسيا وشمال أوروبا، ويشمل الموانئ البحرية على الخليج ومنطقة بحر قزوين، بالإضافة إلى الطرق البرية والسكك الحديدية، حسبما أورده تحليل نشره أومود شوكري، بموقع "منتدى الخليج الدولي" وترجمه "الخليج الجديد".
ويؤكد شوكري أن خط السكك الحديدية من إيران إلى روسيا من شأنه تحقيق فوائد اقتصادية لكلا البلدين، إذ يمكن شحنات البضائع من على التحرك بسرعة وسهولة، ولذا فمن المتوقع أن يلعب دورا رئيسيًا في تطوير INSTC، مع استكمال خط سكة حديد "رشت-أستارا"، الذي يعد مكونًا مهمًا للممر، ويربط إيران بروسيا وشمال أوروبا من خلال جمهورية أذربيجان.
وسيربط خط السكة الحديد الخاص بالممر ميناء بندر أنزالي الإيراني بشبكة السكك الحديدية الروسية وما وراءها، ما يوفر طريقًا مباشرًا وفعالًا لنقل البضائع، بحسب "شوكري"، الذي نوه إلى أن الممر بين الشمال والجنوب لايزال قيد التطوير ولم يتم تشغيله بالكامل بعد.
ففي حين تم الانتهاء من بعض أجزاء الممر، بما في ذلك خط السكة الحديد بين إيران وأذربيجان، لا تزال العديد من وصلات الطرق داخل إيران قيد الإنشاء.
ويعد تطوير الممر من أولويات إدارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، التي واجهت تحديات في توفير الموارد المالية اللازمة لإكماله، بما في ذلك بناء خط سكة حديد رشت-أستارا.
مقاصة النفط
وهنا يشير "شوكري" إلى أن استخدام إيران لطريقة "مقاصة النفط"، أي استخدام احتياطيات النفط الإيرانية كضمان لتأمين تمويل المشروع من روسيا أو بلد آخر، ما مثل طريقة تمويل جديدة ومثيرة للجدل.
وأضاف أن خط السكة الحديد يمكن أن يساعد طهران في التغلب على أزمات الطاقة والاقتصاد الحالية، فعلى الرغم من امتلاكها احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، واجهت إيران أزمة طاقة في الشتاء الماضي بعد أن عجزت عن إنتاج ما يكفي من الديزل لتلبية الطلب المحلي.
وساهمت عدة عوامل في هذا النقص، أهمها العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران، والتي حدت من قدرتها على إنتاج أو استيراد المنتجات البترولية المكررة، بما في ذلك الديزل، حسبما يرى شوكري.
بالإضافة إلى ذلك، عانت إيران من نقص كبير في طاقة التكرير المحلية، ما جعلها تعتمد على الواردات لتلبية طلبها على الديزل ومنتجات البترول المكررة الأخرى.
ورغم التأخر في التنفيذ والصعوبات التي تواجه المشروع، فإن INSTC مهم لمستقبل طرق التجارة بين إيران وروسيا، حيث يواصل كلا البلدين تعميق علاقاتهما الاقتصادية واستكشاف سبل جديدة للتعاون في قطاعي الطاقة والنقل.
تحديات الممر
ويبدو مستقبل طرق التجارة بين إيران وروسيا والممر بين الشمال والجنوب واعدًا، حيث يبدو أن كلا البلدين مهتمان بمواصلة العمل معًا للتغلب على التحديات التي تفرضها العقوبات الغربية وتطوير سبل جديدة للتعاون الاقتصادي.
وتشكل المنافسة من طرق النقل الأخرى، مثل النقل البحري والجوي، تحديًا أيضًا للسكك الحديدية بين إيران وروسيا، إذ توفر وسائط النقل هذه أوقات عبور أسرع ومرونة أكبر، ويمكن أن تكون جذابة للشركات التي تتطلع إلى نقل سلعها بسرعة وكفاءة، حسبما يرى شوكري.
ولذا فإن التحديات التي تواجه السكك الحديدية والطرق التجارية بين إيران وروسيا كبيرة ويتطلب التعامل معها تصميمًا كبيرًا من كلا البلدين.
ويعد تحسين البنية التحتية ومعالجة التوترات الجيوسياسية وتعزيز الأمن من بين العديد من الخطوات التي ستحتاج إيران وروسيا إلى متابعتها لجعل الشراكة بشأن ممر النقل مثمرة، بحسب شوكري.
ويخلص التحليل إلى أن تطوير طرق التجارة والسكك الحديدية بين إيران وروسيا أمر حاسم لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين وتقليل اعتمادهما على طرق التجارة التقليدية المعرضة لصدمات الإمداد الأجنبي الخاضع للعقوبات الغربية.
وسيعتمد نجاح ذلك على قدرة إيران وروسيا على تأمين التمويل اللازم لتطوير البنية التحتية، فضلاً عن الاستقرار السياسي في المنطقة، وإذا نجحت طهران وموسكو ودول إقليمية أخرى في حل التحديات التي تواجهها، فستتمكن من تطوير شبكة تجارية قوية داخل آسيا محمية من ضغوط الخارج.
