استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كيسنجر.. إذ يبلغ المائة من العُمر

الجمعة 12 مايو 2023 01:05 م

كيسنجر.. إذ يبلغ المائة من العُمر

حذر كيسنجر من احتمال أن تؤدى تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى اختلال توازن القوى العالمي وتفاقم التوترات الجيوسياسية القائمة.

يتعرض كيسنجر لانتقادات قوية باعتباره مجرما بسبب دوره الهدام فى عدد من الدول، وأدى لمقتل مئات الآلاف من الأبرياء، وانهيار تجارب ديمقراطية مختلفة.

عبر 65 عاما نجح كيسنجر فى الاحتفاظ ببريقه وأهمية آرائه فى العديد من القضايا المعاصرة التى وقعت على مدار العقود السبعة الأخيرة رغم تغير العالم.

لعب كيسنجر دورا رئيسا فى تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية لا سيما في الحرب الباردة وحرب فيتنام والصراع العربى الإسرائيلى وعلاقات أمريكا بالصين.

كيسنجر يؤكد أن مفهوم الدولة يستمر في الضعف فى مصر بسبب عدم قدرة النظم الحاكمة على رعاية حريات وحقوق شعبها فى صورة ديمقراطية حديثة وعدم قدرتها على توفير حياة اقتصادية كريمة.

* * *

«يعمل 15 ساعة يوميا، لا يسمع جيدا، أصاب العمى إحدى عينيه»، جاءت هذه الكلمات فى مقدمة لقاء أجراه المذيع الشهير، تيد كوبل، على شبكة سى. بى. إس قبل أيام مع هنرى كيسنجر بمناسبة وصوله، بعد أيام قليلة، لسن المائة.

فى مكتب كيسنجر، برزت صور له مع عدد من أشهر زعماء العالم من مختلف القارات، على مدار عقود طويلة، فهناك صوره مع الرئيس الصينى الراحل ماو تسى تونغ، وأخرى مع باراك أوباما، ومع شارل ديغول، وفلاديمير بوتين، وشى جين بينغ، وأنور السادات، وعشرات غيرهم.

ارتدى كيسنجر حذاء رياضيا مريحا مع بدلة داكنة اللون، وتحدث بعمق عن القضايا العالمية وإرثه الشخصى، وما يتعرض له من انتقادات قوية باعتباره مجرما بسبب دوره الهدام فى عدد من الدول، والذى نتج عنه مقتل مئات الآلاف من الأبرياء، وانهيار تجارب ديمقراطية مختلفة، رغم حصوله على جائزة نوبل للسلام عام 1973 لدوره المحورى فى إنهاء حرب فيتنام.

يعود أول ظهور لكيسنجر على شاشة التليفزيون إلى عام 1958 عندما تحدث كأكاديمى عن نظرية الردع النووى المتبادل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى. ومنذ ذلك الحين، وعلى مدار 65 عاما، نجح كيسنجر فى الاحتفاظ ببريقه وأهمية آرائه فى العديد من القضايا المعاصرة التى وقعت على مدار العقود السبعة الأخيرة رغم تغير العالم واندثار إمبراطوريات وتفكك دول، وظهور أخرى، وتكوين قوى عظمى جديدة، وتأسيس اتحادات وتحالفات دولية مختلفة، ناهينا عن الثورات التكنولوجية التى لا تتوقف، وما شهده العالم من حروب لا تتوقف.

* * *

بعد بضع سنوات من انتهاء الحرب العالمية الأولى ولد هنرى كسينجر فى 27 مايو 1923 لعائلة يهودية، اضطرت للهجرة للولايات المتحدة عام 1938 خوفا من بطش النظام النازى الحاكم فى ألمانيا آنذاك. وبسبب كون لغته الأم هى الألمانية، شارك كيسنجر فى الحرب العالمية الثانية فى سلاح الاستخبارات العسكرية الأمريكية.

وبعد الحرب بدأ كيسنجر مساره الأكاديمى حتى ناقش أطروحة الدكتوراه فى مجال العلاقات الدولية بجامعة هارفارد المرموقة حيث بدأ بها لاحقا مساره الأكاديمى الغنى.

اشتهر كيسنجر بدوره كوزير خارجية الولايات المتحدة فى عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد من عام 1973 إلى عام 1977، وقبل ذلك كمستشار للأمن القومى. وخلال تلك السنوات لعب كيسنجر دورا رئيسيا فى تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق بالحرب الباردة وحرب فيتنام، والصراع العربى الإسرائيلى، وعلاقات واشنطن وبكين.

ويُعرف كيسنجر أيضا بجهوده الدبلوماسية فى الشرق الأوسط، لا سيما فى التفاوض على فض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية من جانب وبين القوات المصرية والسورية فى أعقاب حرب يوم الغفران فى أكتوبر عام 1973.

بالإضافة إلى خدمته الحكومية، فإن كيسنجر مؤلف غزير الإنتاج وكتب العديد من الكتب حول السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. وهو معروف أيضا بآرائه المثيرة للجدل حول السياسة الواقعية، والتى تؤكد على أن المصالح أهم من القيم والأخلاق فى صنع القرار فى السياسة الخارجية.

كما ترك الدكتور كيسنجر إرثا مؤسسيا مهما تمثل فى تغيير طبيعة مجلس الأمن القومى الأمريكى، إضافة إلى إسهاماته الأكاديمية والفكرية الواسعة. ونشر موقع ويكيليكس «مراسلات كيسنجر» والتى تضم 1.7 مليون وثيقة، منها 205 آلاف و901 وثيقة كتبها كيسنجر عندما خدم من 1973 إلى 1976.

* * *

إرث هنرى كيسنجر هو موضوع نقاش وجدل واختلاف، حيث تم الإشادة به لإنجازاته الدبلوماسية الواسعة من ناحية، ومن ناحية أخرى تعرض كيسنجر لانتقادات لدعمه للأنظمة العسكرية فى أمريكا اللاتينية ولدوره فى القصف السرى لكمبوديا خلال حرب فيتنام. كما اتُهم بالتواطؤ فى انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب فى بلدان مثل تشيلى، وتيمور الشرقية، وبنجلاديش، والأرجنتين.

وفى كتابه الشهير «النظام العالمى»، تحدث كيسنجر عن تاريخ العلاقات الدولية منذ صلح ويستفاليا 1648 والذى أسس الدول القومية فى أوروبا، وحتى ظهور تنظيم داعش فى منتصف عام 2014.

ركز الفصل الثالث على الدول الإسلامية. واختص كيسنجر مصر بعدد كبير من الصفحات قائلا إنه بعد انهيار الخلافة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، لم تعرف شعوب الشرق الأوسط فى قاموسها السياسى كلمة «الدولة»، إلا أن مصر كانت استثناء لما تتمتع به من تقاليد وحدود وهوية مميزة عرفت معها مفهوم الدولة منذ آلاف السنين.

ثم عرض كيسنجر لكيف تحولت أفكار مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، لنموذج بديل للحكم، إلى أن تصبح رؤيته داعية لضرب العالم والتطرف فى فكر الإسلاميين على يد من جاءوا من بعده خاصة سيد قطب.

ويستشهد كيسنجر بكلمة ألقاها حسن البنا عام 1947 تحدث فيها عن انهيار النظام العالمى (الغربى) الأخلاقى رغم إنجازه العلمى والتكنولوجى. إلا أن كيسنجر يؤكد أن مفهوم الدولة يستمر فى الضعف فى مصر بسبب عدم قدرة النظم الحاكمة على رعاية الحريات والحقوق لشعبها فى صورة ديمقراطية حديثة، وعدم قدرتها على توفير حياة اقتصادية كريمة لهم فى الوقت نفسه.

* * *

لم يتوقف كيسنجر عن التعلم والاطلاع، وفى الوقت الذى لا يُعرف بمساهماته فى المجال التكنولوجى، كتب كيسنجر وتحدث على نطاق واسع حول تأثير التغير التكنولوجى على الشئون العالمية، بما فى ذلك العواقب المحتملة للتقدم فى الذكاء الاصطناعى وغيرها من التقنيات الناشئة. وعلى وجه الخصوص، حذر من احتمال أن تؤدى هذه التقنيات إلى اختلال توازن القوى العالمى وتفاقم التوترات الجيوسياسية القائمة.

ومن المثير للدهشة والإعجاب أن كيسنجر تحدث بكل عُمق عن الذكاء الاصطناعى وما يمثله من فرص وما يفرضه من تحديات ومخاطر على البشرية. وكتب كيسنجر مع إريك شميت، مؤسس شركة غوغل، كتابا عن الذكاء الاصطناعى صدر عام 2021 بعنوان «الذكاء الاصطناعى ومستقبلنا البشرى» حيث حذر من خطورة الوقوع تحت رحمة مجموعة صغيرة من النخب التى تسيطر على التقنيات الأكثر تقدما، مما يترك الآخرين فى وضع غير مواتٍ. كما أشار إلى أن ظهور أنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل، التى يتيحها الذكاء الاصطناعى، يمكن أن يخلق تحديات ومخاطر أمنية جديدة على البشرية جمعاء.

*محمد المنشاوي كاتب وباحث في الشؤون الأمريكية من واشنطن.

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

أمريكا كيسنجر الذكاء الاصطناعي التوترات الجيوسياسية الحرب الباردة حرب فيتنام الصين السياسة الخارجية الأمريكية مخاطر أمنية أسلحة ذاتية التشغيل الشرق الأوسط