الانتهازية آفة العمل السياسي!
أحداث القتل العشوائى ليست جديدة بأمريكا، لكن الجديد أمران، التواتر وهوية الإرهابى.
حسب البيانات الحكومية لم يمر أسبوع منذ بداية العام الحالى إلا وقعت حادثة أو أكثر.
الأخطر من أحداث العنف هو الانتهازية التى يتبناها الحزب الجمهورى لتحقيق الغلبة، وأدت لتطبيع أفكار اليمين المتطرف.
اليمين المتطرف يشهد صعودًا مطردًا بأمريكا. وعلى عكس أغلب اليمين الأوروبى، فإن اليمين الأمريكى مدجج بأكثر الأسلحة فتكًا.
القاتل كان يرتدى درعًا واقية عليها الأحرف الأولى لعبارة «فرق الموت اليمينية». وهى الأحرف التى صارت السلطات تعرفها من كثرة ما صادفتها على ملابس المتطرفين.
يدافع اليمين الأمريكي بقوة عن امتلاك السلاح وحمله باعتباره حقًا دستوريًا كاحد القواسم المشتركة التى تجتمع عليها كل فصائله بما فيه اليمين المتطرف الأكثر تسليحًا.
* * *
الحادث الذى وقع بمدينة صغيرة قرب دالاس بولاية تكساس يمثل إحدى حلقات سلسلة مخيفة من الأحداث المماثلة المتواترة بسرعة العام الحالى أكثر من أى وقت مضى.
ففى متجر بمدينة آلان، استخدم شاب بندقية آلية ليطلق النار عشوائيًا، فقتل ثمانية، بينهم أطفال، وجرح آخرين قبل أن يرديه رجل شرطة قتيلًا. وأحداث القتل العشوائى ليست جديدة بأمريكا.
لكن الجديد أمران، التواتر وهوية الإرهابى. أما التواتر، فحسب البيانات الحكومية لم يمر أسبوع منذ بداية العام الحالى حتى وقعت حادثة أو أكثر. لكن الأكثر خطورة هو ما قالته شرطة تكساس من أن القاتل كان يرتدى درعًا واقية عليها الأحرف الأولى لعبارة «فرق الموت اليمينية». وهى الأحرف التى صارت السلطات تعرفها من كثرة ما صادفتها على ملابس المتطرفين.
وسِجل القاتل على مواقع التواصل الاجتماعي يعكس إيمانه بالأفكار النازية وتفوق البيض. ولاشك أن اليمين المتطرف يشهد صعودًا مطردًا بأمريكا. وعلى عكس أغلب اليمين الأوروبى، فإن اليمين الأمريكى مدجج بأكثر الأسلحة فتكًا.
فهو بكافة تياراته يدافع بقوة عن الحق فى امتلاك السلاح وحمله باعتباره حقًا دستوريًا. وذلك واحد من القواسم المشتركة التى تجتمع عليها كل فصائل ذلك اليمين، بما فيه المتطرف الذى يظل الأكثر تسليحًا.
واليمين المتطرف بالولايات المتحدة حركة واسعة تتسم بالسيولة، وتضم مئات التنظيمات التى تتباين فى أولوياتها ولكن توجد بينها نقاط تماس وقواسم مشتركة. فمن تلك المنظمات ما يولى الأهمية لتفوق البيض، ومنها ما يؤمن بوجود مؤامرة هدفها القضاء على «العرق الأبيض».
وهناك من يعتبرون أن اليهود يقودون المؤامرة، بينما يتخذ غيرهم موقفًا شديد التطرف ضد حقوق المرأة، بل ويعتبر المرأة البيضاء تحديدًا شريكة بالمؤامرة عبر إصرارها على العمل والإحجام عن الإنجاب مما يسهم، عندهم، فى القضاء على البيض. وتوجد تنظيمات أخرى تصب جام غضبها على الحكومة الفيدرالية وتعتبرها غير شرعية أصلًا.
ومن بين هؤلاء من يؤمن بأن تلك الحكومة جزء من مؤامرة تعمل لحساب الأمم المتحدة أو جهات خارجية أخرى بهدف احتلال أمريكا وإخضاع البيض المسيحيين واستعبادهم.
وتلك الجماعات ترفع شعارات القومية والوطنية، لكن «الوطن» «والقوم» عندهم هم الأمريكيون البيض المسيحيون دون غيرهم.
وتحرص تلك الجماعات على مراكمة السلاح لأنها تسعى لاستخدام العنف لإحداث فوضى تدفع دفعًا نحو انهيار المجتمع تمهيدًا لإنشاء دولة مسيحية بيضاء ذات حكم سلطوى لا يُسمح فيها بآراء من يعتبرون «أعداء الوطن» بمن فيهم البيض الذين يرفضون تلك الأفكار فتعتبرهم تلك المنظمات «خونة» العرق الأبيض.
لذلك لعل الأخطر من أحداث العنف هو الانتهازية التى يتبناها الحزب الجمهورى لتحقيق الغلبة، وأدت لتطبيع مثل تلك الأفكار. وكان آخر تلك الخطوات ما أعلنته رونا ماكدانيالز، رئيسة اللجنة العامة بالحزب الجمهورى، وهى أعلى سلطة فى الحزب.
فهى قالت إن الحزب سيُنشئ قناة له على موقع يسمى «رامبل» أنشأه اليمين المتطرف كبديل لموقع «يوتيوب» بهدف الالتفاف حول القيود التى يفرضها الأخير على استخدام العنف اللفظي.
وأعلنت ماكدانيالز أن الحزب ينوى إذاعة وقائع مناظرات الرئاسة الانتخابية العام القادم على الهواء عبر تلك القناة. وخطوة كهذه تفتح لجمهور الحزب الواسع نافذة مباشرة على المادة الموجودة على «رامبل».
فهو متى استخدم الموقع لمشاهدة قناة الحزب سيميل لمشاهدة غيرها من المواد الأخرى. بعبارة أخرى، فإن إنشاء القناة ليس فقط يضفى الشرعية على «رامبل»، وإنما يسلم جمهور الحزب، على اتساعه، لليمين المتطرف «تسليم مفتاح»!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي
