كيف تستخدم السعودية نفوذها في سوريا لتوسيع مصالح العرب في لبنان؟

الجمعة 19 مايو 2023 05:55 م

"السعودية ودول الخليج ماضون نحو مسار مألوف، يشمل استخدام سوريا لتوسيع المصالح العربية في لبنان، بغضّ النظر عمّا يُفضّله اللبنانيون".. هكذا يتحدث تقرير لمركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، لافتا إلى أن هذه الدول تفترض على الأرجح ألا شيء سيشجع رئيس النظام السوري بشار الأسد على التصدّي لإيران وحلفائها، بقدر ما أن يضطلع بدور أكبر في الشؤون اللبنانية.

ويشير التقرير إلى أن القمة العربية التي شهدتها السعودية، تعيد إلى الأذهان ما حدث في قمة عربية جرت بالرياض في تاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول 1976.

وكان كمال جنبلاط (والد الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنلاط) آنذاك قد زار القاهرة لتأمين مساعدة مصر ضد سوريا، التي دخل جيشها إلى لبنان في يونيو/حزيران 1976 لمحاربة الفلسطينيين وحلفائهم في الحركة الوطنية اللبنانية.

وحينها، حدث انقسام بين الموقفَين السوري والمصري على خلفية جهود الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد لإخضاع الفصائل الفلسطينية.

ولقي جنبلاط، المتحالف مع الفلسطينيين، تعاطفًا في القاهرة، واقترح عليه المسؤولون هناك أن يسافر إلى ليبيا أيضًا لطلب المساعدة من الزعيم الليبي معمّر القذافي.

وفيما كان جنبلاط في طرابلس، تصالح المصريون والسوريون في قمة الرياض، فعاد جنبلاط إلى القاهرة حيث وضعه المصريون بصورة فظة على متن سفينة تقلّه إلى الوطن، وما هي إلا بضعة أشهر حتى اغتال السوريون الزعيم الدرزي المعزول.

ويعلق التقرير على هذه الحادثة بالقول: "الرسالة التي أمكن استخلاصها هي أن التحوّلات التي تشهدها العلاقات بين الدول العربية دائمًا ما تقلب الحسابات السياسية رأسًا على عقب، وتقوّض هذه العملية الكثير من الأشخاص".

ويضيف: "المصالحة العربية الأخيرة مع سوريا، والتي ستكرّسها قمة جدّة، ترتكز على قائمة طويلة من الجثث، والأسوأ أن نظام رئيس النظام السوري بشار الأسد لا يبدو أنه قدّم حتى الآن تنازلات تُذكر لدعوته مجدّدًا إلى كنف القادة العرب، فما زال النظام يقاوم عملية إعادة ملايين اللاجئين الذين هجّرهم؛ وما زالت تجارة الكبتاغون مزدهرة، وما زالت القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لطهران موجودة في سوريا".

ويتساءل مركز "كارنيجي"، بالقول: "هل لدى دمشق شبكات لبنانية يمكنها التعويل عليها لإعادة فرض بعضٍ من قوتها؟"، قبل أن يجيب: "في الواقع، يمكن للأسد الاعتماد على عدد لا يُستهان به من النواب السنّة، ولا سيما من طرابلس وعكار، وعلى بعض ما يُسمّى بالنواب المستقلين، ونائبَين للأحباش، و3 نواب من كتلة الطاشناق، إضافةً إلى نواب من كتلة نبيه بري، حتى لو أن رئيس مجلس النواب قد يناور بين سوريا وحزب الله".

ويتابع: "يتمتع الأسد بتأثير على عددٍ كبيرٍ من السوريين في لبنان، إذ ليسوا جميعهم معادين لنظام الأسد، وقد يرى بعضهم مزايا في العمل لصالحه"، مشيرا إلى أنه "قد لا يكون ذلك كافيًا ليضطلع الأسد بدور مهيمن ومنفصل أخيرًا عن حزب الله، إلا أنه قد يشير إلى أن السوريين ستكون لهم من الآن فصاعدًا كلمة أكبر في الشؤون اللبنانية".

ويزيد: "سيعني غياب الجهاز الأمني الداعم للمطالب السورية أن الأسد سيواصل الاعتماد على حزب الله لفرض توجهات السياسة العامة".

ويستطرد التقرير: "قد يمتلك السوريون هامشًا أضيق للاستفادة من شبكات الفساد في لبنان، على الرغم من أن عملية إعادة الإعمار في سوريا ستدرّ، عند انطلاقها، إيرادات ضخمة ستسهم في التعويض عن ذلك، لكن القيادة السورية لن تعود قريبًا إلى عصرها الذهبي حين كانت تنهب لبنان".

ويشير التقرير إلى حادثة تعاون بين السوريون والسعوديون حول الشؤون اللبنانية، والذي بدأ في يناير/كانون الثاني 2009، حين تصالح الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، مع الأسد خلال القمة العربية الاقتصادية في الكويت، بعد مرور 4 سنوات على اغتيال رفيق الحريري، الذي ألقى السعوديون وعائلة رئيس الوزراء السابق مسؤوليته على سوريا.

ولابدّ من أن وليد جنبلاط لاحظ أوجه تشابه مع ما حصل لوالده، إذ أدرك أن خطوة الملك عبدالله من شأنها أن ترغم نجل رفيق الحريري، سعد، على التصالح مع الأسد.

ولم يرغب الزعيم الدرزي في أن يُترك وحيدًا، كما جرى مع كمال جنبلاط، لذا، سرّب في أبريل/نيسان 2009 على ما يبدو مقطع فيديو لنفسه، تم تصويره في منزل شيخ درزي، استخفّ خلاله جنبلاط بالسنّة وبدا أنه يصف الموارنة بـ"الجنس العاطل".

فأرسل بهذه الطريقة إشارة إلى السوريين مفادها أنه مستعد لتخفيف التوترات مع الشيعة وسوريا، وإعادة النظر بعلاقته مع السنّة والموارنة.

ويعلق التقرير: "ظهر أن جنبلاط كان على حق حين سار الحريري على خطى السعودية، وزار دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2009، وانتظر لفترة أطول قليلًا، إذ اجتمع بالأسد في 31 مارس/آذار 2010، قبل أن يتناول العشاء في تلك الليلة، لسخرية القدر، في مطعم إيراني، لكنه على الأقل ابتعد عن عدائه لسوريا بعد العام 2004 من دون تكبّد خسائر، إلى أن أحدثت الانتفاضة السورية في العام 2011 قطيعة جديدة".

ويتابع التقرير: "ذكّرنا ذلك بما ذكره جنبلاط بُعيد اغتيال الحريري، حين قال: يجب أن نتوصل إلى اتفاق مع سوريا.. فالذين نالوا من الحريري لن يغادروا لبنان بهذه السهولة".

انسحب السوريون من لبنان بعد ذلك بفترة وجيزة، لكن جنبلاط لم يراجع الأساس المنطقي لملاحظته.

ويشير تقرير "كارينجي" إلى أن التفاهم السعودي السوري شكل ركيزة أساسية لنهج المملكة، وبالتالي دول الخليج، في التعامل مع لبنان.

بدأ ذلك في قمة الرياض للعام 1976، حيث مارس السعوديون آنذاك ضغوطًا على حافظ الأسد للمشاركة في القمة، بعد أن كان متردّدًا في حضورها لأنها كانت ستوقف هجومه في لبنان وترغمه على الدفاع عن نفسه ضد القادة العرب الداعمين للفلسطينيين.

لكن حين وافق الأسد، حصل في المقابل على تعويض أكبر من خلال إنشاء قوات الردع العربية، التي كانت سوريا الطرف الأكبر فيها.

ولم يعمد السعوديون بعدئذٍ إلى تحدّي الهيمنة السورية، وحين تولّى رفيق الحريري رئاسة الحكومة بعد الحرب، وقف عند تقاطع المصالح السعودية والسورية، وقد دفع اغتياله السعوديين إلى إعادة النظر في ترتيبهم، لكن الملك عبدالله عكس موقفه بعد 4 سنوات.

ويختتم التقرير بالقول: "لا يعني ذلك أن القمة العربية هذا الأسبوع ستشكّل في أي حال من الأحوال تكرارًا لنتيجة العام 1976، فقبضة إيران على لبنان لا تسمح بهذا السيناريو"، إلا أنه تابع: "مع ذلك، سنرى ما سيحدث لحظوظ سليمان فرنجية الرئاسية بعد قمة جدة، ولا سيما يجسّد أكثر من أي شخص آخر بقايا النفوذ السوري في لبنان".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية سوريا لبنان كارنيجي جنبلاط إيران

رويترز: محمد بن سلمان يتحدى واشنطن باحتضان الأسد

معضلة الرياض في لبنان.. اتفاق الطائف بوابة عودة النفوذ السعودي