هكذا يمكن لصندوق النقد الدولي تحسين أساليب الحكم في مصر

السبت 20 مايو 2023 07:07 م

سلطت ورقة بحثية نشرها موقع مبادرة الإصلاح العربي، الضوء على الدور الذي يمكن أن يلعبه صندوق النقد الدولي في إدخال إصلاحات تدريجية على أساليب الحكم في مصر تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يحتاج للحصول على قروض جديدة لتسديد الديون والفوائد والرسوم الإضافية.

ووفق الورقة فإن النفوذ المالي للصندوق بالتزامن بالاحتياجات المالية للحكومة المصرية يمكن أن يؤديا إلى استحداث فسحة ضيقة لتحقيق إصلاحات تدريجية من شأنها تحسين أساليب الحكم الاستبدادي لنظام السيسي.

تحسن طفيف

واستشهدت الورقة بالتزام الحكومة المصرية بإجراءات من شأنها تقليص دور الجيش في الاقتصاد، مثل خفض الامتيازات التجارية الممنوحة للشركات العسكرية من أجل الحصول على قرض قيمته 3 مليارات دولار العام الماضي.

وإضافة لذلك، اتخذت حكومة السيسي في الآونة الأخيرة بعض الخطوات التي قد توحي بتحسنٍ طفيف في أوضاع حقوق الإنسان في مصر مثل إعلان عدم اعتزامها تمديد حالة الطوارئ، وإطلاق الرئيس حوارا وطنيا مع المعارضة، والإفراج عن مئات المعتقلين السياسيين.

ولكن بالرغم من ذلك، فإن هناك آلاف من سجناء الرأي رهن الاحتجاز، ويتهم الرئيس بممارسة التمويه والكذب للحصول على القروض، ولذا فقد أصبح من الضروري أن تقدم القاهرة المزيد من التنازلات إلى المجتمع الدولي للحصول على دفعات تمويلية جديدة من صندوق النقد الدولي بعد الصفقة الأخيرة.

ويبدو أنه لا مفر من التدفقات النقدية الدولية الجديدة لتمكين الحكومة المصرية من التصدي لانخفاض قيمة عملتها الوطنية ووضع حد لأزمة الديون المتصاعدة وإصلاح ماليتها العامة التي تأثرت كثيراً بسبب جائحة كورونا (كوفيد-19) والحرب في أوكرانيا.

ولمواجهة هذه التحديات، توجهت مصر مجدداً في الآونة الأخيرة إلى صندوق النقد الدولي واقترضت حوالي 3 مليارات دولار، وذلك للحفاظ على استقرار اقتصادها الكلي.

اشتراطات أكثر صرامة

ولمعالجة الأسباب الجذرية للنكبات الاقتصادية في مصر بشكل نهائي، يمكن لصندوق النقد الدولي أن يعتمد اشتراطات أكثر صرامة من خلال المطالبة باتخاذ إجراءات مشددة لمكافحة الفساد وتقليص الدور المهيمن للجيش في الاقتصاد.

في غضون ذلك، يبدو أن الخبراء والفاعلين الاقتصاديين غير متأكدين كثيراً من قدرة مصر على تسديد ديونها، إذ إنها اقترضتها بأعلى سعر فائدة في العالم.

تُمول ديون مصر الخارجية من خلال مزيج من مبيعات السندات في الأسواق المالية الدولية والاقتراض من صندوق النقد الدولي (مصر هي ثاني أكبر المقترضين من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين) وقروض واستثمارات من دول الخليج (التي وعدت مصر باستثمارات تبلغ قيمتها 22 مليار دولار خلال السنوات القادمة).

ويشير الوضع المالي العام  إلى أنه من المرجح أن تُستخدم القروض الجديدة في تسديد الديون والفوائد والرسوم الإضافية الحالية، بدلاً من تخفيف عجز الموازنة ودعم الإنفاق الاجتماعي أو حتى الإنفاق العام.

وبوجه عام، تؤكد الأبحاث أن النفوذ المالي لمؤسسات التمويل الدولية يمكنه ولو "بقدر ضئيل" الضغط من أجل إحداث إصلاحات سياسية في الدول الاستبدادية إذا كانت الحكومة بحاجة إلى تمويل أجنبي لتأمين بقائها.

في جميع الأحوال، عندما تصبح القروض الأجنبية أساسية ولا غنى عنها بالنسبة للحكومة المستفيدة، يمكن أن يطالب المستثمرون والمانحون الأجانب بإجراءات إصلاحية خارج نطاق الاقتصاد الكلي، مثل إجراء إصلاحات لتحسين مستوى المساءلة والحد من الفساد وسيطرة النخبة.

وهكذا، فإن هذا الشكل من المشروطية قد يحقق تحسناً محدوداً في الأنظمة السياسية والاقتصادية بالدول العربية عندما لا يمكن إحداث تغيير سياسي هيكلي إلا على المدى البعيد.

شفافية ومحاسبة

ووفقا للدراسة، من المتوقع أن يواصل الجنيه انخفاضه وأن تستمر الأسعار في الارتفاع، وهو ما ينتج عنه مشكلة في ميزان المدفوعات في ظل اعتماد الاقتصاد المصري على الاستيراد.

ونتيجة لذلك، قامت مؤسسة فيتش الدولية للتصنيف الائتماني بتعديل النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، على الرغم من صفقة صندوق النقد الدولي.

ولهذا ستواصل مصر اعتمادها على صندوق النقد الدولي، وقد تحتاج إلى قرض جديد منه.

وهكذا، يمكن للحكومات الغربية التي تتمتع بسلطة كبيرة في اتخاذ القرارات داخل صندوق النقد الدولي - بفضل نظامه القائم على حصص البلدان الأعضاء - أن تطالب بعدة إصلاحات على هذا الأساس.

يتمثل الإصلاح الأول في تعزيز تدابير مكافحة الفساد والمطالبة بمزيد من الشفافية لرفع كفاءة الإنفاق العام. وقد اتُخذت بالفعل خطوتان رئيسيتان في هذا الصدد؛ ففي عام 2020، أجبر صندوق النقد الدولي القاهرة على نشر بيانات جميع نفقاتها المتعلقة بجائحة كورونا وخطط المشتريات والعقود العامة التي منحتها الحكومة.

علاوة على ذلك، وعدت مصر بإدراج الشركات العسكرية المملوكة للدولة في قائمة الهيئات الحكومية التي تنشر تقاريرَ حول إنفاقها السنوي، وقد جاء ذلك في إطار الصفقة الأخيرة.

وخلال الجولة التالية، يمكن لصندوق النقد الدولي أن ينتقل بهذه الخطوة لمسافة أبعد ويطالب بالشفافية الكاملة حول كيفية إنفاق وتوزيع أموال القروض، وبتصميم آليات محاسبة، وكذلك تخصيص هيئات رقابية لضمان فعالية الإنفاق.

وعلى أرض الواقع، قد يعني هذا تأسيس سجلات عامة على الإنترنت لتتبع عمليات الإنفاق من لحظة تحويلها إلى لحظة صرفها. قد يكون هذا مفيداً أيضاً في مواجهة أيّ اعتراضات عسكرية أو سياسية تجاه تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي.

أما الخطوة النالية في جدول الأعمال، فهي المطالبة بإصلاحات محدودة في هيكل الاقتصاد العسكري في مصر بهدف تخفيف قبضة الجيش المحكمة على الاقتصاد الوطني.

المصدر | مبادرة الإصلاح العربي+الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر صندوق النقد النظام المصري

إيكونوميست: مصر وتونس ولبنان وصلت لحائط مسدود مع صندوق النقد.. وعالقة مع قيادات لا أمل فيها