هل تساعد صناعة النفط بمعالجة تغير المناخ؟ السعودية تؤكد وخبراء البيئة يرفضون

الأربعاء 24 مايو 2023 08:18 م

سلطت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الضوء على شروع المملكة العربية السعودية في مشروع طموح لمكافحة تغير المناخ من خلال تحويل المناظر الطبيعية الصحراوية القاحلة إلى غابات مزدهرة، في إطار مبادرة "السعودية الخضراء"، التي أطلقها ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان"، مشيرة إلى أن المبادرة تأتي ضمن حزمة سياسات تستهدف معالجة تغير المناخ، من منظور المملكة، لكن كثير من خبراء البيئة يرونها ليست سوى "غسيل أخضر" يغطي على استمرار إنتاج المملكة من الوقود الأحفوري والتوسع فيه.

 وأورد تقرير، نشره موقع الصحيفة وترجمه "الخليج الجديد"، أن المهندس الزراعي السعودي، عبد الله العيسى، نجح، بتمويل من الحكومة، في تحويل منطقة ثادق إلى "منتزه ثادق الوطني"، عبر زراعة 170 ألف شجرة، ويستعد لزراعة 100 ألف شجرة إضافية. ولتسهيل هذا التحول، تم إنشاء سدود لتجميع مياه الأمطار لإعادة توجيه الفيضانات وإبطائها، ما يسمح بتجديد خزانات المياه الجوفية.

وثادق ليست سوى نموذج لالتزام الحكومة السعودية بجهود مكافحة تغير المناخ، إذ أعلن بن سلمان مبادرة السعودية الخضراء (SGI) ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر (MGI) في مؤتمر المناخ الأخير "كوب 27" بمدينة شرم الشيخ المرية.

وتضع مبادرة السعودية الخضراء أهدافًا طموحة، بما في ذلك زراعة 10 مليارات شجرة، وتحقيق مزيج طاقة متجددة بنسبة 50% بحلول عام 2030، وخفض 278 مليون طن من انبعاثات الكربون بحلول نهاية العقد، والوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2060. وبالمثل، تهدف مبادرة الشرق الأوسط الأخضر إلى زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتقليل 670 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، ودعم البلدان المجاورة في تحقيق أهدافها تصفير الانبعاثات الكربونية.

ولتحقيق هذه الأهداف، كلفت الحكومة السعودية المركز الوطني للغطاء النباتي (NCVC) بزراعة أشجار بعدد أكبر من سكان العالم.

ويركز المركز على استخدام أنواع الأشجار المحلية التي يمكنها تحمل الظروف المناخية القاسية في السعودية، ويتعاون في ذلك مع مختلف أصحاب المصلحة لزراعة الشتلات في المشاتل والتأكد من تلقي الأشجار الصغيرة لما يصل إلى 3 سنوات من الري المساعد.

التشجير والطاقة المتجددة

وإضافة لذلك، نفذت الحكومة السعودية قوانين لحماية الغطاء الأخضر الذي تم إنشاؤه حديثًا، ما يجعل قطع الأشجار والرعي المفرط غير قانوني.

وإضافة لمبادرة التشجير، تستثمر السعودية أيضًا بشكل كبير في تقنيات الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون.

وتمتلك الدولة خططًا طموحة لجلب 58.7 جيجاوات من مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عبر الإنترنت في السنوات السبع المقبلة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري بشكل فعال. وتتوافق هذه المبادرات مع التزام الدولة باتفاق باريس ورؤيتها لمستقبل مستدام، وتعكس جهود المملكة في مكافحة تغير المناخ ومواجهة التحديات البيئية.

لكن المملكة لا تتخلى بأي حال من الأحوال عن النفط، بل على العكس من ذلك، فهي تعتمد على زيادة الطلب على النفط لتمويل تنويعها الاقتصادي المستمر، والاستعداد لمستقبل ما بعد النفط.

وتؤكد المملكة أنها يمكن أنها مستمرة في إنتاج النفط والغاز "بطريقة مسؤولة ومنخفضة الكربون" مع تحول العالم ببطء بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وبالتالي فإن التحول الأخضر في السعودية "ممول نفطيا".

منتقدو هذه السياسة يسمونها "الغسيل الأخضر"، ويتهمون المملكة بتعمد طمس الروايات حول حلول تغير المناخ لتقويض حملة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، ويشككون في التزام المملكة أصلا بكامل أهداف التحول الأخضر المعلنة من جانبها.

فبدون اتخاذ إجراءات بشأن الانبعاثات الكربونية، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في طريقها للاحترار بمعدل ضعف المعدل العالمي، مع توقع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية بحلول عام 2050، إلى جانب التصحر والعواصف الترابية وتبخر مياه الخليج، بحسب خبراء البيئة المنتقدين للتوجه السعودي.

ويعلم خبراء التشجير السعوديون أنهم يواجهون شكوكًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى فشل مشروعات التشجير الكبرى في بلدان أخرى عديدة.

وإزاء ذلك، أسندت المملكة إلى مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)، إجراء البحوث الخاصة بتلافي أسباب فشل مشروعات التحول الأخضر حول العالم، وهو نفس المركز الذي قاد تكنولوجيا الغاز والنفط في المملكة لمدة 3 عقود.

ويقول فهد العجلان، رئيس المركز : "ستكون المملكة العربية السعودية لاعباً رئيسياً عندما يتعلق الأمر بانتقال الطاقة"، مضيفا أن المملكة "تريد أن تكون أكبر لاعب بتطوير الطاقة المتجددة أو توسيع نطاق تقنيات احتجاز الكربون واستخدام الهيدروجين الأخضر، ليس فقط على المستوى المحلي، ولكن كمركز إقليمي".

احتجاز الكربون

وفي هذا الإطار، يشير التقرير إلى اتجاه السعودية إلى الابتعاد عن الاعتماد بشكل كبير على إنتاج الطاقة التي تعمل بحرق الوقود الأحفوري، مع وجود خطط لإنتاج 58.7 جيجاوات من مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عبر الإنترنت في السنوات السبع المقبلة.

مجال آخر للاستثمار السعودي هو الهيدروجين الأخضر، والذي سلطت عليه اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة (IPCC) الضوء باعتباره "مصدر طاقة تكميلي منخفض الكربون يمكن أن يكمل مصادر الطاقة المتجددة"، ويستخدم للتدفئة الصناعية ولتشغيل المركبات، من بين أمور أخرى.

وستستخدم مصانع الهيدروجين الأخضر بالسعودية الطاقة الشمسية في تشغيلها وطاقة الرياح، وقد تم الإعلان بالفعل عن إنشاء 4 مصانع منها.

وأعربت اليابان وكوريا الجنوبية بالفعل عن اهتمامهما باستيراد الهيدروجين الأخضر السعودي في المستقبل لتشغيل وسائل المواصلات فيهما بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

وهنا يشير التقرير إلى أن تقنية "احتجاز الكربون" هي "أكبر ركيزة في الجهود السعودية الخضراء"، وتشمل التقاط الكربون من الهواء وعزله في أعماق الأرض، وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصناعة والنقل وإنتاج الهيدروكربونات.

وسلطت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الضوء على صناعة إزالة الكربون وتعزيز التقاط الكربون وتخزينه كمسارات رئيسية لتقليل الانبعاثات وتحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية.

ومع ذلك، لا تزال هذه الاستراتيجيات مثيرة للجدل بسبب مخاوف بعض خبراء المناخ من استخدامها من قبل الدول المنتجة للنفط والغاز، مثل السعودية، لمواصلة إنتاج الوقود الأحفوري، مما يؤخر تحول الطاقة حول العالم.

غير أن صناع القرار السعوديين يجادلون بأن تركيز المجتمع الدولي الوحيد على التحول من الوقود الأحفوري هو "إهمال للجزء الآخر من معادلة الكربون"، وهو تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واحتجاز الكربون، رغم أن كلا منهما يصب في صالح الهدف من اتفاقية باريس.

فبحسب المسؤولين السعوديين، فإن هدف الاتفاقية هو "تقليل الكربون وليس القضاء على الهيدروكربونات نفسها، والتي لا تزال مصدرًا رئيسيًا للطاقة العالمية".

إنتاج الهيدروكربونات

وفي هذا الإطار، يقول خالد أبو ليف، كبير مفاوضي اتفاقيات المناخ في وزارة الطاقة السعودية: "نحتاج حقًا إلى التعامل مع الهيدروكربونات، سواء أحببنا ذلك أم لا، ونحتاج إلى إيجاد طرق لاستخدامها بطريقة نظيفة خلال هذا العقد".

وتحقيقا لهذه الغاية، أعلنت شركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو"، أواخر العام الماضي، عن إطلاق مركز لاحتجاز الكربون في الجبيل بشرق السعودية.

ومن خلال التقاط وحقن الكربون في أعماق الأرض، سيقوم المركز بتخزين 9 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول عام 2027، وهو رقم تتوقع أرامكو زيادته ليصل إلى 44 مليونًا بحلول عام 2035، وهو رقم يكافئ القدرة المجمعة لأكبر 35 منشأة لاحتجاز الكربون في جميع أنحاء العالم اليوم.

كما تخطط المملكة لإنشاء مركز للحد من انبعاثات الكربون في منطقتها الغربية، وتعمل على الترويج لعمليات خفض الكربون والانبعاثات كنظام شامل تسميه "اقتصاد الكربون الدائري".

ويقول المسؤولون السعوديون إن الهدف العام من هذا النموذج الاقتصادي هو تقليل الكربون من خلال استخدام مصادر الطاقة المتجددة والعمليات الموفرة للطاقة والهيدروجين الأخضر، وإعادة استخدام الهيدروكربونات وتدويرها إلى مواد جديدة، مثل الأسمدة أو الوقود الصناعي منخفض الكربون؛ ثم إزالة ثاني أكسيد الكربون المنبعث في العملية من خلال الالتقاط المباشر للهواء أو عزله عبر الحلول القائمة على الطبيعة مثل زراعة الأشجار.

ومن خلال اقتصاد الكربون الدائري، يزعم المسؤولون السعوديون أن النمو الاقتصادي يمكن أن يستمر في ما يصفونه بـ "حلقة كربون مغلقة"، مع انبعاثات كربونية صفرية.

وأيدت دول مجموعة العشرين هذا المفهوم في عام 2020، لكن العديد من خبراء البيئة والمناخ يتشككون فيه، ويتساءلون بشأن تأثير تقنيات الحد من الكربون على تسريع أو تأخير الانتقال نحو الطاقة النظيفة.

فعلى الرغم من فوائدها، فإن تقنيات الحد من الكربون واحتجازه وحدها ليست بديلاً للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، كما يحذر خبراء المناخ، ويقولون إن استخدامها يجب أن يكون جنبًا إلى جنب مع مصادر الطاقة منخفضة الكربون، وليس الوقود الأحفوري.

وفي هذا الإطار، تقول ميا مويسيو، الخبيرة في معهد نيو كلايمت بألمانيا: "ما هو واضح هو أننا لا نستطيع الاستمرار في مستوى الوقود الأحفوري الذي تنتجه السعودية ويستهلكه العالم في الوقت الحالي (..) لن يكون هناك مخرج آخر باستثناء تقليل إنتاج واستهلاك النفط والغاز".

لكن السعودية لا تستمع لهذه الانتقادات، وتخطط لإنشاء مركز إقليمي لاقتصاد احتجاز الكربون.

وبينما تصب أرامكو المليارات في تقنية إزالة ثاني أكسيد الكربون، وإنشاء محميات للحياة البرية، تتبنى المئات من الشركات السعودية غير النفطية "الاستدامة والمناخ" كجزء أساسي من بيانات مهمتها.

المصدر | كريستيان ساينس مونيتور/ ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية المناخ النفط أرامكو الوقود الأحفوري احتجاز الكربون محمد بن سلمان البيئة اتفاقية باريس

"كتاجر مخدرات".. الجارديان: خطة سعودية لدفع الدول النامية إلى إدمان النفط