استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

إحداث منعطف دائم: المعاني الجيوسياسية لفوز أردوغان

الثلاثاء 30 مايو 2023 03:45 ص

إحداث منعطف دائم المعاني الجيوسياسية لفوز أردوغان

التغيرات العميقة التي تحصل في شرق العالم أو ما يعرف بالعالم القديم هي نتاج استعادة الحضارات القديمة من تركيا إلى الصين دورها التاريخي.

الانتخابات التركية وبالمعاني الجيوسياسية هي ضمن الأكثر أهمية في القرن 21 نظرا لمساهمتها في دينامية التغيير في الشرق وما تشكله من خسارة الغرب.

تكشف نتيجة الانتخابات كيف تعود الشعوب إلى جذورها وأصولها ودورها التاريخي رغم قوة عمليات التغيير المفروضة قسرا في لحظات تاريخية معينة.

يشكل هذا الفوز ضربة موجعة نحو الغرب وإسرائيل وارتياحا لكل من الصين وروسيا ودول الشرق الأوسط كالسعودية وإيران. إنه فوز يحمل المعاني الجيوسياسية الأهم.

فوز أردوغان يعني استمراره في تغيير البنيات العميقة للإدارة التركية، مما بدأ يعطي نقلة نوعية في تشكيل الدولة العميقة التي تغيرت من شكلها القديم وانتهت مع محاولة الانقلاب الفاشلة.

شكلت هزيمة المرشح الموالي للغرب كليتشدار أوغلو جنازة جيوسياسية بالغرب. وبمفاهيم جيوسياسية، تمنح نتيجة الفوز لأردوغان قوة للسير في برنامجه الاستراتيجي في العلاقات الدولية.

* * *

فاز طيب رجب أردوغان برئاسة تركيا في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي تواجه فيها مع القومي كليتشدار أوغلو بنسبة تفوق 52% مقابل أقل من 48%. وهذا الفوز يشكل ضربة موجعة نحو الغرب وإسرائيل وارتياحا لكل من الصين وروسيا ودول الشرق الأوسط مثل السعودية وإيران. وهذا الفوز يحمل معاني كبيرة جيوسياسية خاصة وأنه يتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس تركيا على يد مصطفى كمال.

وتعتبر الانتخابات الرئاسية ليوم الأحد 28 مايو/ايار 2023 في تركيا من أهم الانتخابات الرئاسية التي شهدها العالم خلال القرن 21 للتأثيرات التي ستحملها وما تعنيه في وقت واحد.

وهي من حيث التأثير شبيهة بوزن الانتخابات التي قادت دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، وقادت لولا دا سيلفا الى رئاسة البرازيل في بداية هذا القرن وليس عودته الى الرئاسة في انتخابات خلال نهاية السنة الماضية.

فقد ساهم دا سيلفا في جعل البرازيل دولة إقليمية مهمة، وتسبب ترامب في تغيير عميق في المجتمع الأمريكي بتعزيز الاستقطاب السياسي. وتتجلى أهمية انتخابات تركيا في أنها تقود إلى تغيير وطني ويمتد بقوة الى ما هو دولي.

ويشكل فوز أردوغان إشكالية أو مفارقة حقيقية للباحثين والمهتمين بالانتخابات على ضوء عدم حدوث تزوير في النتائج، بل جرت في أجواء من الشفافية المقبولة جدا. إذ كيف لرئيس لا يمتلك ملفا حقوقيا أبيض، بمعنى ارتكاب تجاوزات سلطوية خاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة سنة 2016، يستمر في رئاسة بلد يمتلك نخبة كبيرة مثل تركيا. وقد يفسر هذا بتغليب كفة ما جرى تحقيقه في القفزة النوعية في الاقتصاد وفي المكانة التي أصبحت تحتلها تركيا حاليا في المنتظم الدولي.

ويبقى فوز أردوغان بأكثر من أربع نقاط مئوية دالا للغاية. فقد تزامنت هذه الانتخابات مع الذكرى المئوية الأولى لتأسيس تركيا الحديثة على يد مصطفى كمال بعد تفكيك الإمبراطورية العثمانية.

وكان يأمل أنصار مصطفى كمال وهم العلمانيون الأتراك في توظيف هذه المناسبة التاريخية الكبيرة لاستعادة الدولة من رئيس له ميول دينية، ويلتقي مع الشرق أكثر من رهانه على الغرب الذي كان يحلم أتاتورك بالانتماء إليه.

وتكشف نتيجة هذه الانتخابات كيف تعود الشعوب إلى جذورها وأصولها ودورها التاريخي رغم قوة عمليات التغيير المفروضة قسرا في لحظات تاريخية يعتقد فيها زعيم معين أنه قادر على إحداث منعطف دائم.

ويعني فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية هو استمراره في تغيير البنيات العميقة للإدارة التركية في كل قطاعاتها، وهذا بدأ يعطي نقلة نوعية في تشكيل الدولة العميقة التي تغيرت من شكلها القديم وانتهت نهائيا مع المحاولة الانقلابية الفاشلة سنة 2016.

والعودة هنا الى الجذور تعني ارتكاز تركيا على تاريخها الممتد قرونا وعلى هويتها الحقيقية التي تمزج بين الإسلام والحداثة لكي ترسم لنفسها مكانة وسط إقليمها المباشر الذي هو الشرق الأوسط ثم في الساحة العالمية، إذ أن التغيرات العميقة التي تحصل في شرق العالم أو ما يعرف بالعالم القديم هي نتاج استعادة الحضارات القديمة من تركيا إلى الصين دورها التاريخي.

وبمجرد إعلان النتائج، عم الارتياح عواصم مثل بكين وموسكو وإيران، بل وحتى الرياض التي كانت تنظر وطيلة عقود بعين من التوجس لتوجهات تركيا. في المقابل، شكلت هزيمة المرشح القومي الذي يميل إلى الغرب كليتشدار أوغلو جنازة جيوسياسية في الغرب.

وبمفاهيم جيوسياسية، تمنح نتيجة الفوز لأردوغان وبفارق أكثر من أربع نقاط قوة معنوية للسير في برنامجه الاستراتيجي في العلاقات الدولية، علما أنه كان بدأ يتردد خلال السنتين الأخيرتين نتيجة تغييرات أثرت على الوضع الاقتصادي للبلد.

ويترتب عن هذه الانتخابات الرئاسية ما يلي:

في المقام الأول، تعزيز استقلال القرار السياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط، إذ سيقل تأثير الغرب على دول المنطقة لاسيما في ظل التفاهم الحاصل بين العربية السعودية وإيران بدعم وإشراف من الصين التي لعبت الدور الرئيسي في التقارب بينهما.

وستكون مصر مجبرة على إعادة النظر في موقعها بالشرق الأوسط من خلال الانخراط في دينامية التغيير بدل الاستمرار في الرهان الغامض مرة على موسكو ومرة على واشنطن. وقد ينتقل أردوغان الى حلم بناء محور باكستان – إيران – تركيا لتغيير وجه المنطقة كليا.

في المقام الثاني، تشعر إسرائيل بعزلة أكبر من خلال عودة أردوغان بهذه القوة، إذ تتزامن التغييرات في الشرق الأوسط مع فقدان اتفاقيات أبراهام زخمها وتباطؤ دينامية التطبيع. وستستمر إسرائيل في رؤية أردوغان عدوا خطيرا.

في المقام الثالث، تدرك الصين وروسيا أنه يمكنهما الاعتماد على روسيا كقطعة رئيسية في دينامية التغيير في العالم، وهو التغيير الذي يتسارع مع حرب أوكرانيا. وتشترك أنقرة مع موسكو وبكين في ضرورة تغيير النظام العالمي الجديد. ونظرا لمكانة تركيا في قلب الشرق الأوسط، فستكون مساهمتها كبيرة في هذا المسلسل.

في المقام الرابع، سيستمر أردوغان في نهج سياسته الدولية التي تعتمد الاستثمارات الخارجية ثم توقيع صفقات مع دول تحتاج للعتاد العسكري وغير قادرة على شراء السلاح الغربي ولا الروسي. وهذا سيعزز كثيرا من وزن تركيا في المنطقة ومنها إفريقيا والمغرب العربي.

عموما، هذه الانتخابات، وبمفاهيم ومعان جيوسياسية من ضمن الأكثر أهمية في القرن الواحد والعشرين نظرا لمساهمتها في دينامية التغيير في منطقة الشرق وما تشكله من خسارة للغرب.

*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان الشرق الغرب إسرائيل مصطفى كمال العلمانيون الأتراك المعاني الجيوسياسية النظام العالمي الجديد اتفاقات أبراهام الحضارات القديمة الدولة العميقة