خبز مصر وعلاقته بالسياسة والاضطرابات الاجتماعية واستقرار الدولة

الجمعة 2 يونيو 2023 07:32 ص

نفت الحكومة المصرية ما تردد عن خططها لرفع سعر الخبز المدعوم. وتنبع الحاجة إلى مثل هذا الإنكار من حقيقة أساسية: الخبز هو المصدر الأساسي للسعرات الحرارية لمعظم المصريين. ومع تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في ارتفاع أسعار القمح في جميع أنحاء العالم، أصبح فهم كيفية تأثير هذه المشكلة على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر أمرًا أكثر إلحاحًا لواضعي السياسات والمحللين.

يتناول مقال آرون روك سينجر في "واشنطن بوست" الذي ترجمه "الخليج الجديد" عدم قدرة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي القمعي إخفاء فشل الدولة في توفير احتياجات مواطنيها.

يشير التقرير إلى أنه الرغم من قبضة السيسي القوية، فإن العقد الاجتماعي في مصر يتعرض لضغوط شديدة بسبب النمو السكاني، وتضخم الديون الوطنية، وتراجع العملة.

ويقول التقرير إن الحكومة توفر الخبز المدعوم لما يقرب من 80% من سكان مصر البالغ عددهم 100 مليون نسمة، لكن تكلفة شراء القمح اللازم ارتفعت بنسبة 40% تقريبًا خلال حرب أوكرانيا. واستجابة لذلك، خفضت الحكومة كمية المواد الغذائية المدعومة التي يمكن أن يتلقاها المصريون، وفي الوقت نفسه زادت إنفاقها المخطط على دعم المواد الغذائية بنسبة 20% للسنة المالية 2023/2024.

ووفقا للتقرير يعكس هذا الانفصال الظاهر خطورة القضايا الاقتصادية في مصر. ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن الأزمة المحلية الحالية هي فقط مسألة عدم الرضا الاقتصادي. وبدلاً من ذلك، فإن قوتها متجذرة في الانتقادات الصريحة والضمنية لكفاءة الدولة وشرعيتها التي نشأت ردًا على المشكلات الاقتصادية المتصاعدة.

الخبز والسياسة

يذكر التقرير أنه عندما قررت حكومة السادات قطع دعم الخبز في عام 1977 كجزء من مفاوضات خفض الديون مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اندلعت احتجاجات واسعة النطاق. على الرغم من أن المظاهرات كانت مرتبطة في الغالب بأسعار الخبز، لكنها عكست أيضًا فجوة آخذة في الاتساع بين الوعود والوقائع المترتبة على العقد الاجتماعي بعد عام 1952 الذي تم صياغته في عهد عبدالناصر، واليوم، تظل النقاشات حول الغذاء عدسة قوية يمكن من خلالها مشاهدة التصورات العامة لإخفاقات الدولة.

وفي هذا السياق يذكر التقرير أن  السيسي وحلفاءه يواصلون التقليل من حجم وأسباب التحدي الاقتصادي.

وفي العام الماضي أدت حملة الحكومة لتبرير الوضع الراهن إلى قيام وزارة الصحة والسكان بالترويج لأقدام الدجاج وحوافر الماشية كمصدر للبروتين. وكشفت الوزارة في وقت لاحق أنها نشرت صورة مزيفة تظهر نجم كرة القدم الدولي كريستيانو رونالدو وهو يأكل أقدام الدجاج بسعادة.

ويسلط التقرير الضوء على جانب آخر حيث ركزت انتقادات "الإخوان المسلمين" الأخيرة للسيسي ليس فقط على القمع السياسي، ولكن أيضًا على فشل حكومته في إدارة الشؤون الاقتصادية.

وفي ذات السياق برز السلفيون في هوامش الانتقاد، ومع أن الغالبية العظمى من السلفيين المصريين هادئون وبالتالي يرفضون التعليق صراحة على سياسات الدولة أو شرعيتها فإن انتقاداتهم للوضع الراهن قوية ليس لأنهم يستهدفون السيسي مباشرة، ولكن لأنهم يرفضون طموحات الدولة في تحديد حياة المواطنين.

وقد حاول أكثر من داعية سلفي ربط التراجع الاقتصادي بالبعد عن الدين وقد تبدو التصريحات السلفية كأنها محاولات دينية لاستخدام الأزمة الاقتصادية كوسيلة لتجديد التزام الأتباع بالدين، لكن هذا الافتراض يسيء فهم الشريعة السلفية. وببساطة، فإن تركيزهم على حل صريح - التوبة - يخفي الرسالة الأوسع، وهي أن العالم لا يتشكل من قبل الدولة، بل بالالتزام بالله. تبدو هذه الرسالة غير سياسية لأنها تتجنب مهاجمة الحكومة، لكنها تخريبية بعمق لأنها غير سليمة دينيا.

 وبينما قد يكون السلفيون موالين سياسيًا للسيسي في الوقت الحالي، فإنهم لن يترددوا في الانحياز إلى زعيم آخر في حالة تهديد حكمه.

توصيات

يرى التقرير أنه لا يمكن للقيود الكبيرة المفروضة على التعبير العام أن تخفي حقيقة أن مصر تظهر مرة أخرى علامات الاستياء الواسع الذي أطلق شرارة حركة الربيع العربي قبل عقد من الزمن. تشكل الظروف الاقتصادية الحالية مخاطر على شرعية واستقرار حكومة السيسي، ما دفع الكثيرين للتساؤل عما إذا كانت "ثورة الجياع" تلوح في الأفق.

لمنع الانهيار الفوضوي، تمتلك الولايات المتحدة القدرة على المساعدة في استقرار العقد الاجتماعي في مصر. ويتمثل التحدي السياسي الأكثر إلحاحًا في خفض سعر الخبز مع الاستمرار في الضغط على القاهرة لتنفيذ الإصلاحات الموضحة في برنامجها الأخير لصندوق النقد الدولي.

وفقًا لذلك، يجب على المسؤولين من واشنطن وصندوق النقد الدولي العمل مع حكومة السيسي بشأن طرق خفض التكاليف للمصريين، مع الحد أيضًا من الهدر والتشوهات التي يمكن أن يسببها الخبز المدعوم على إنتاج المواد الغذائية البديلة.

ويقترح التقرير أنه لا توجد إجراءات أخرى يمكن أن تكون فعالة في دعم الاستقرار الحكومي والاجتماعي.

وبطبيعة الحال، فإن أفضل طريقة للاحتفاظ بسعر الخبز هو سؤال معقد لا توجد إجابات سهلة عليه. ويرى التقرير أن هناك 3 بدائل رئيسية للتعامل مع المشكلة الفورية: ضوابط الأسعار مع مخاطر النقص المرتبطة بها؛ الدعم المالي المباشر للحكومة المصرية، مع ما يصاحب ذلك من مخاطر الفساد؛ أو دعم إمدادات القمح، سواء من أوكرانيا (والتي قد يكون لها تأثير إضافي لدعم مجهودها الحربي)، أو من الولايات المتحدة (ما قد يفيد المزارعين الأمريكيين)، أو من مكان آخر.

وكل نهج له تكاليف سياسية واقتصادية، ولكن بالنظر إلى الإلحاح المتزايد للوضع، فإن أبسط استجابة - إرسال الأموال إلى القاهرة - قد تكون الطريقة الوحيدة لتجنب حدوث انفجار.

لكن على المدى الطويل، ستكون أزمة الخبز التالية على الأبواب ما لم تنفذ مصر إصلاحات اقتصادية كبيرة.

المصدر | آرون روك سينجر | واشنطن بوست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي الخبز الاقتصاد السلفيين

أزمة مصر الاقتصادية تطال الجميع.. حتى الكلاب والحيوانات الأليفة