بالتعاون والاعتماد على النفس.. دول الشرق الأوسط تدخل حقبة ما بعد أمريكا

الأحد 11 يونيو 2023 08:11 م

سلّط المحلل والأكاديمي التركي سيدات لاسينر الضوء على اتجاه دول الشرق الأوسط إلى اتباع سياسية أكثر استقلالية وتبنيهم لنهج التعاون الإقليمي بالتزامن مع تراجع النفوذ الأمريكي بالمنطقة.

وذكر أن تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط جاء بسبب الآثار السلبية لحرب العراق، والتغير في احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة، والتحول إلى آسيا.

وأشار في تحليل مطول نشره موقع "مودرن دبلوماسي" إلى أن هذا يفتح الباب أمام دول الشرق الأوسط لتكون أكثر اعتمادًا على نفسها، ولهذا بدأت تلك الدول في إنشاء المزيد من شبكات التعاون المستقلة عن الولايات المتحدة، بما في ذلك التحالفات الاقتصادية والسياسية مثل مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.

وأوضح أن دول مثل تركيا وإيران والسعودية تحاول توسيع نفوذها بالمنطقة في ظل حقبة ما بعد أمريكا، ولتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، ستحتاج دول الشرق الأوسط إلى إيجاد توازن بين المصالح الخاصة والتنافس الجيوسياسي وفرص التعاون في قضايا مثل الأمن والتجارة والاستثمار.

عزلة أمريكية جديدة  

رأى المحلل أن الفشل الأمريكي في العراق وأفغانستان وعدم فهم واشنطن بدقة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة، قادها إلى الابتعاد عن التدخل المباشر في شؤون المنطقة.

حتى أنها خلال العمليات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، قامت بدعم القوات المحلية فيما قللت عدد القوات الأمريكية المنتشرة على الأرض.

وكان لظهور العزلة الأمريكية الجديدة عواقب وخيمة على قيادة واشنطن في الشرق الأوسط؛ مما أدى إلى فراغ كبير في السيطرة على المنطقة.

بينما تسعى روسيا لملء هذا الفراغ الأمريكي في بلدان مثل سوريا وليبيا، تسعى القوى الإقليمية مثل إيران والسعودية والإمارات وتركيا إلى ممارسة نفوذ أكبر داخل مناطق نفوذها.

وفي مقابل ذلك، أظهرت دول الخليج وغيرها من دول الشرق الأوسط مؤخرا انحرافًا ملحوظًا عن السياسات الغربية من خلال موقفهم اللامبالي من حرب أوكرانيا.

انضمت إيران وسوريا علنًا إلى موسكو في هذا الصراع، بينما تولت تركيا دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا.

في حين أن الدول الإقليمية الأخرى لم تؤيد غزو أوكرانيا، فقد امتنعت عن مساعدة أوكرانيا بنشاط كما فعلت أوروبا وبذلت جهودًا واعية للبقاء غير متورطة في الحرب.

من خلال التزامها بالصمت، نقلت دول الشرق الأوسط رسالة انفصال عن أمريكا والغرب وكأنها تقول: "هذه الحرب لا تهمنا".

خيبة أمل وبدائل

بعد انسحابها من العراق، تركت أمريكا الدولة العربية فريسة سهلة لإيران، وبعدها تعرضت الأنظمة الخليجية لخيبات أمل متعددة من قبل الولايات المتحدة؛ ما دفعها للاعتقاد أن الأخيرة لن تأتي لمساعدة الدول العربية في أوقات الخطر.

واستشهد المحلل بتعرض السعودية والإمارات لهجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار خلال حرب اليمن، وبالرغم من ذلك لم ترغب الولايات المتحدة في التدخل وتركت العرب لمواجهة مصيرهم والاعتماد على أنفسهم.

وهكذا، ظلت القيادة الأمريكية غير فاعلة في المنطقة، فيما قرر العرب في المقابل حل مشاكلهم مباشرة مع نظرائهم المحليين وأرادوا الاتصال المباشر بإيران.

وفي غضون ذلك، تحاول الصين تحقيق مكاسب عبر سد الفراغ الأمريكي بالمنطقة، ويبدو أنها تدخلت في الوقت المناسب، وبفضل الوساطة الصينية أعادت السعودية علاقات الدبلوماسية المقطوعة مع إيران.

وفضلت إيران من جانبها إجراء اتصالات مباشرة مع السعودية على الحماية الأمريكية فيما يتعلق بأمن الخليج.

تُظهر الأمثلة من حرب العراق حتى الوقت الحاضر أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على إنهاء الحروب، وإقامة السلام، والأهم من ذلك، إقرار النظام في الشرق الأوسط.

وأضاف أنه في الواقع، فإن عودة ظهور سوريا كدولة معترف بها على الساحة الدولية كان ممكناً من خلال الجهود الدبلوماسية التي قادتها جامعة الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة، على الرغم من الاعتراضات القوية من الولايات المتحدة.

يرجح أن تكون روسيا قد لعبت أيضًا دورًا في تسهيل عملية التطبيع مع سوريا.

وأشار إلى أن الاستقرار النسبي الذي تحقق في سوريا اليوم، بالتزامن مع وقف الأعمال العدائية، لا يمكن أن يُعزى الفضل فيه إلى الولايات المتحدة.

وبالمثل، عندما تسكت الأسلحة ويتم التوصل إلى اتفاقات في اليمن، فإن الولايات المتحدة لا تلعب دورًا مهمًا في إحلال السلام هناك.

في حين كان العامل الأساسي الذي ساهم في إحلال السلام في اليمن هو تحسين العلاقات بين إيران والسعودية بوساطة الصين.

مهمة صعبة

وخلص الكاتب إلى أن الولايات المتحدة تواجه الآن مهمة صعبة بعد أن أهملت دورها في المنطقة وتركته للصين ويبدو أنها أدركت خطأها.

فلم يعد لدى دول المنطقة نفس مستوى الخوف من الولايات المتحدة، كما أن القدرة الأمريكية على تقديم مساهمات ذات مغزى للمنطقة أصبحت محدودة للغاية.

عندما يناقش المسؤولون الأمريكيون الشرق الأوسط، يتمحور تركيزهم بشكل أساسي حول "أمن إسرائيل" ومطالبة الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ومع ذلك، من المهم أن ندرك أننا لا نعيش في الستينيات، فبالنسبة للسعودية والإمارات، تمتد المخاوف الأكثر أهمية إلى ما وراء تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

حتى بدون تدخل الولايات المتحدة، كان بإمكان هذه الدول بسرعة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وبالتالي، يجب على أمريكا أن تقدم شيئًا أكثر من مجرد التركيز على إسرائيل لكسب ثقة وتعاون الدول الأخرى في المنطقة.

قد يؤدي عدم القيام بذلك إلى تراجع دائم للنفوذ الأمريكي في المنطقة، حيث تطغى عليه السياسات المتوازنة للقوى الكبرى والجهات الفاعلة الإقليمية.

المصدر | سيدات لاسينر - مودرن دبلوماسي / ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط تراجع الدور الأمريكي بالشرق الأوسط الصين بلينكن إدارة بايدن

مصالح مشتركة وأخرى متضاربة.. وصفة لتفاهم أمريكي صيني بالشرق الأوسط