استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فولكر بيرتس واختزالات السودان

الأحد 18 يونيو 2023 12:58 م

فولكر بيرتس واختزالات السودان

جرى، استطراداً في الغرب، تقزيم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والزراعية والرعوية والقبائلية في دارفور إلى بند واحد وحيد: العرق.

تناغم نمطان من الاختزال: أنّ النُخب السياسية والعسكرية التي أطلقت تمرّد «أفارقة» الإقليم كانوا ملائكة، وأنّ ميليشيات الجنجويد كانوا الشياطين.

ألم يكن بوسع فولكر بيرتس (أستاذ الاقتصاد السياسي وعلم اجتماع الشرق الأوسط) أن يقترح مقاربة أفضل، أعمق قليلاً، أكثر رصانة، وأبعد عن التنميط؟

إطلالة بيرتس على المشهد المتفجر سارت هكذا، بتبسيط مخلّ: القلق (على شاكلة رئيسه الأمين العام أنطونيو غوتيريش) من اتجاه أوضاع الجنينية نحو «أبعاد عرقية»!

أن يلوذ فولكر بيرتس بمصطلح «الأبعاد العرقية» يعني أنه يستقيل، في كثير وليس في قليل، من فضائل العقل النقدي الذي مكّنه من قراءة حال النخب العربية إزاء التغيير.

لا يُحسد بيرتس على سياقات تعجز معارفه العربية عن توفير الحدود الدنيا من علاجات ناجعة لمعضلاتها الكثيرة؛ فكيف وأطراف الاقتتال تعتبره شخصاً غير مرغوب به في السودان.

* * *

فولكر بيرتس، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، ليس مستشرقاً من ذلك الطراز المرذول الذي فضح إدوارد سعيد سوءاته الكثيرة واصطفافه مع خطابات القوّة المختلفة، المادّية والمعنوية، السياسية والعسكرية والأمنية والثقافية، الاستعمارية القديمة والأخرى المتجددة.

لكنه ليس متحرراً تماماً، أو بما يكفي لتجنيبه مجاورة أهل الطراز إياه، من نوع برنارد لويس في أبرز الأمثلة. في كتاب بيرتس «النخب العربية: التفاوض حول سياسة التغيير»، 2004؛ وقبله كتابه الثاني الأكثر تدقيقاً «اقتصاد سوريا السياسي تحت حكم الأسد»، 1995؛ لا يُعثر على الكثير من تنميطات الاستشراق المعتادة، المسطحة عن سابق قصد، الاختزالية عن عمد، التعميمية على النحو الأكثر استسهالاً.

أمر مختلف، كما للمرء أن يدرك بيسر وجلاء، أن يلتزم بيرتس السلوكيات ذاتها وهو يشغل موقعه الأممي الراهن في السودان، خلال أزمنة عصيبة واقتتال دموي وتناطح بين جنرالات الجيش السوداني الرسمي وميليشيات «الدعم السريع» التي ظلت حكومية بدورها حتى أذنت ساعة الصفر بفكّ الشراكة بين جنرال الفريق الأوّل عبد الفتاح البرهان وشريكه السابق جنرال الميليشيات محمد حمدان دقلو.

ولا يُحسد بيرتس، بادئ ذي بدء، على سياقات تعجز معارفه العربية، البريئة النزيهة مثل تلك المذنبة الاستشراقية، عن توفير الحدود الدنيا من العلاجات الناجعة لمعضلاتها الكثيرة المتكاثرة؛ فكيف وأطراف الاقتتال تُجمع على تأثيمه وتعتبره شخصاً غير مرغوب في وجوده على أرض السودان.

ولعلّ من سوء حظه، أو حسن حظّ الموازنة بين التعمّق والتسطيح، أن يصل صراع الجنرالات إلى إقليم دارفور عموماً، وبعد اغتيال والي ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر خصوصاً؛ وكذلك عودة الجنينية إلى تصدّر الأحداث الدامية، وكأنّ عقارب ساعات التاريخ ترتدّ إلى الوراء بسرعة جنونية، بحيث تبدو أعوام 2003 وكأنها تلتحم بعام 2021، وصولاً إلى العام الراهن 2023.

إطلالة بيرتس على المشهد المتفجر سارت هكذا، بتبسيط مخلّ: القلق (على شاكلة رئيسه الأمين العام أنتونيو غوتيريش، بالطبع) من اتجاه الأوضاع في الجنينية نحو «أبعاد عرقية»؛ الأمر الذي يسبغ شرعية كافية على سؤال كهذا: ألم يكن في وسع (أستاذ الاقتصاد السياسي وعلم اجتماع الشرق الأوسط) أن يقترح مقاربة أفضل، أعمق قليلاً، أكثر رصانة، وأبعد عن التنميط؟

الإجابة رهن بما قد يراه المرء من خطل، أو صواب، في تشخيص كهذا، وما إذا كان يبتسر فعلياً أم يختزل أم يتحاشى تسمية المسميات الواضحة للعيان، أم يجنح إلى دبلوماسية كلاسيكية تفرضها وظيفته المبحرة في أنواء عاتية.

المعطيات، من جانبها، تؤكد أوّلاً أن مباذل «الدعم السريع»، وجرائمها في السلب والتخريب وانتهاك الأملاك والحقوق وتنفيذ الاغتيالات والمجازر، ليست أقلّ من استئناف للمهامّ ذاتها التي أوكلها إليها عمر حسن البشير، وكانت في أساس تشكيل هذه الميليشيات، وفي جوهر صلاحيات القمع والتطويع والنهب والفساد التي مُنحت لها من دون حسيب أو رقيب.

وعند مطالع القرن الحالي، حين باتت دارفور على كل شفة ولسان في الغرب، تناغم نمطان من الاختزال: أنّ النُخب السياسية والعسكرية التي أطلقت تمرّد «أفارقة» الإقليم كانوا ملائكة، وأنّ ميليشيات الجنجويد كانوا الشياطين؛ وجرى، استطراداً، تقزيم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والزراعية والرعوية والقبائلية إلى بند واحد وحيد: العرق.

وأن يلوذ فولكر بيرتس بمصطلح «الأبعاد العرقية» يعني ببساطة أنه يستقيل، في كثير وليس في قليل، من فضائل العقل النقدي الذي مكّنه من قراءة حال النخب العربية إزاء معضلات التغيير المختلفة، أو حال تجّار دمشق وحلب مع «ليبرالية النهب» التي أطلقها حافظ الأسد في سوريا؛ أو عن معظم الخلاصات التي تضمنتها مساهماته اللامعة، وهي ليست محدودة والحقّ يُقال، حول العالم العربي والشرق الأوسط.

وذلك، إنْ صحّ، مآل محزن إضافي لا ينفكّ عن مجموع أحزان السودان؛ التي تتعاظم وتتفاقم.

*صبحي حديدي كاتب وباحث سوري مقيم في باريس

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

السودان اختزال دارفور فولكر بيرتس العرق استشراق برنارد لويس الجيش السوداني الدعم السريع ليبرالية النهب الأبعاد العرقية