بين موسكو والشرق الأوسط.. هل تدفع واشنطن ثمن عزلتها الذاتية؟

الثلاثاء 20 يونيو 2023 01:04 م

ولّدت الحرب الروسية الأوكرانية، المستمرة منذ 16 شهرا، تداعيات كبيرة على الشرق الأوسط، حيث باتت "دول المنطقة تواجه حسابات معقدة نتيجة تصعيد العلاقات الدولية وانحياز دول العالم إلى إحدى المجموعتين، مجموعة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة ومجموعة  تقودها روسيا والصين من جهة أخرى"، وفقا لتحليل في مركز "أوراسيا ريفيو" البحثي (Eurasia review) ترجمه "الخليج الجديد".

وأضاف أن "رد فعل دول الشرق الأوسط على الحرب كان مخالفا تماما لموقف واشنطن  والغرب ورغباتهما، حيث تجنبت تلك الدول اتخاذ موقف قوي ضد روسيا حتى لا يقوض مصالحها المشتركة مع موسكو، بل سعت إلى تحقيق توازن في علاقاتها مع الجانبين".

المركز أوضح أن دول المنطقة "أدانت الغزو الروسي وتجنبت في الوقت نفسه المشاركة في العقوبات على موسكو. وبينما قدمت الدول الغربيية الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، اقتصرت مساعدات تلك الدول لكييف على على الحد الأدنى من الدعم الإنساني، باستثناء تركيا التي أقامت بالفعل تعاونا عسكريا مع أوكرانيا قبل الحرب".

وتبرر موسكو غزوها لجارتها أوكرانيا، المتواصل منذ 24 فبراير/ شباط 2022، بأن خطط كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة، تهدد الأمن القومي الروسي.

ولفت المركز إلى أن "دول الشرق الأوسط أيدت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، باستثناء سوريا (حليفة موسكو) التي صوتت ضد القرار، وإيران والجزائر والعراق التي امتنعت عن التصويت. كما أيدت تلك الدول قرار الجمعية العامة برفض ضم روسيا لأجزاء من أوكرانيا".

واستدرك: "مع ذلك، في حين امتنعت دول المنطقة، وهي حلفاء تقليديون لواشنطن بما في ذلك تركيا والسعودية والإمارات ومصر، عن فرض عقوبات وعزلة دبلوماسية لروسيا، فإنها لم تنتهك العقوبات الغربية المتعلقة بتزويد موسكو بأسلحة".

وتابع: "كما امتنعت غالبية دول المنطقة، باستثناء ليبيا، عن دعم مبادرة لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ومع تطور الحرب سجلت تركيا ودول بمجلس التعاون الخليجي نموا متميزا للتعاون الاقتصادي مع روسيا، بينما عززت إيران والجزائر التعاون العسكري معها".

وأضاف المركز أن "إحدى التداعيات الرئيسية للحرب على الشرق الأوسط كانت ظهور انقسامات اقتصادية بين دول المنطقة، فبينما حققت غالبية دول الخليج أرباحا قياسية من تصدير الغاز والنفط (في ظل عقوبات على صادرات روسيا)، تعاني بعض دول المنطقة من أزمة اقتصادية خطيرة ناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء".

وأشار إلى أن هذا الوضع "ينطبق بشكل خاص على مصر والأردن وتونس ولبنان، بينما  سجلت تركيا نسبة تضخم قياسية على الرغم من نمو الصادرات مع روسيا. ويتم ربط الأزمة الاقتصادية في إيران بزيادة العقوبات (اغربية لاسيما جراء الملف النووي الإيراني)، وليس الحرب الروسية الأوكرانية".

نفوذ روسيا والصين

و"إلى جانب تصعيد العلاقات الأمريكية الصينية حول تايوان والتنافسية والمصالح الاقتصادية، أدت الحرب أيضا إلى إبطاء انسحاب الولايات المتحدة من مسؤوليتها الأمنية التقليدية في الشرق الأوسط"، وفقا للمركز.

وأردف أنه "حاليا، تتمثل إحدى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في الحد من توسع نفوذ روسيا والصين في الشرق الأوسط وضمان بقاء العلاقات بين المنطقة وبكين وموسكو بعيدة عن الجوانب الاستراتيجية والعسكرية والتكنولوجية".

و"تسعى واشنطن لخلق بيئة جيوسياسية سلمية في الشرق الأوسط وتجنب توتر العلاقات مع حلفائها في المنطقة، حتى تتمكن من التركيز على الحرب الروسية الأوكرانية والمواجهة مع الصين (في منطقة المحيطين الهندي والهادئ- شرقي آسيا)"، كما أضاف المركز.

وأفاد بوجود "خلافات ومواجهات في العلاقات بين دول الخليج وإدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن، خاصة مع السعودية بشأن رفض الرياض زيادة إنتاج النفط (لخفض الأسعار) داخل مجموعة أوبك+ التي تضم روسيا كما طلب بايدن لإضعاف موسكو".

وزاد بأن "المملكة لم توافق على زيادة الإنتاج فحسب، بل خفضت حصتها من الصادرات بشكل كبير بالتنسيق مع روسيا. فيما هدد بايدن علنا بإعادة النظر في العلاقات مع السعودية، لكنه لم يستطع فعل الكثير، إذ كشفت معلومات استخباراتية مسربة أن الرياض حذرت واشنطن من أنها ستدفع ثمنا اقتصاديا باهظا إذا فعلت ذلك، وكانت هذه سابقة في العلاقات بين الحليفين".

و"في مارس/ آذار الماضي، قبلت السعودية وساطة الصين في تطبيع العلاقات مع خصمها الأبدي إيران واستئناف علاقاتهما الدبلوماسية، وكان هذا انتصارا للدبلوماسية الصينية في قلب منطقة المصالح الأمريكية في الخليج"، بحسب المركز.

واعتبر أنه "لن يكون من الواقعي توقع نهاية معادلة "نفط الخليج مقابل الحماية الأمريكية"، لأنه لا بديل لها حاليا، ولا ينبغي للمرء أيضا أن يتوقع أن تصبح الصين وروسيا في المستقبل المنظور بديلا في المنطقة التي تمتلك فيها الولايات المتحدة عشرات من قواعدها العسكرية تتراوح من الكويت إلى سلطنة عمان بحوالي 40 ألف جندي، كما أن أسلحة الخليج في الغالب أمريكية".

وتابع: "لذلك، سيستمر هذا الواقع في المستقبل المنظور. وفي حين أن دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة السعودية، ستتبع بشكل متزايد نهجا متعدد الأقطاب في علاقاتها مع القوى الكبرى، من المتوقع تراجع وانتهاء حقبة القطب الواحد للولايات المتحدة واحتكار أمن الخليج".

أخطاء أمريكية جسيمة

لقد ارتكبت الولايات المتحدة، وفقا للمركز، "أخطاء جسيمة في الشرق الأوسط لدرجة أنها قوضت عن غير قصد هيمنتها واختارت العزلة، ما ينذر بمزيد من تقليص النفوذ الأمريكي، لا سيما في دول الخليج العربية، وأصبحت مهمة كسب ثقة المنطقة أكثر صعوبة".

وقال إن "للعزلة الأمريكية الذاتية عواقب وخيمة على الدور القيادي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث أدى هذا إلى فراغ واسع في النفوذ، وبينما تسعى روسيا لملء الفراغ في دول مثل سوريا وليبيا والسودان، تهدف القوى الإقليمية مثل إيران والسعودية والإمارات وتركيا إلى تحقيق نفوذ أكبر داخل منطقة المصالح الأمريكية السابقة".

وشدد المركز على أنه "إذا كانت دول المنطقة لا ترى دورا نشطا للولايات المتحدة في الضمانات الأمنية ولم تتم طمأنتها بشأن مدة الدعم الأمريكي (حتى لا يتكرر الانسحاب الفوضوي من أفغانستان في 2021)، فسيتعين على تلك الدول بطبيعة الحال البحث عن أمور أخرى مع الشركاء والحلفاء المحتملين".

المصدر | أوراسيا ريفيو- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط روسيا الولايات المتحدة عزلة ذاتية الصين