دراما روسية مرتقبة بعد تمرد فاجنر.. المخفي أكثر من المعلن

الاثنين 26 يونيو 2023 01:47 م

"على الأرجح ستكون هناك دراما روسية جديدة، ستغير وجه التصورات والانطباعات القائمة حول أزمة تمرد مجموعة فاجنر، وأبعادها إلى درجة ربما نجد معها أن مشهد التمرد لم يكن سوى افتتاحية في تلك الرواية".

هكذا يخلص تحليل لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذي يلفت إلى أن حلقة "تمرد فاجنر" قد تكون واحدة من فصل غير مكتمل في رواية حول روسيا لم تكتب تفاصيلها بعد.

ويقول التحليل: "تركت مشاهد تلك الحلقة الكثير من التساؤلات والانطباعات ما بين تناقضات البداية والنهاية، وربما تكون جزءاً من رواية أخرى لم تتكشف تفاصيلها بعد".

ويضيف: "رغم أن المبررات التي قدمها المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، تجنب حمام الدم، لإسدال الستار على الأزمة قد تبدو منطقية، لكنها غير مكتملة هي الأخرى كشأن باقي فصول الرواية".

التحليل يطرح تساؤلات عدة حول تمرد مجموعات "فاجنر"، الذي بدأ فجأة وانتهى "فجأة"، ويقول: "هل بالفعل كانت الأزمة هي تمرد فاجنر؟، أم أنها كانت مجرد واجهة تخفي ورائها أزمات أخرى؟، وإلى أي مدى تواجه روسيا تحديات عديدة لا تتعلق بمشهد فاجنر وحده، لكن بما سبقه وما سيلحقه؟".

ويقول التحليل: "لم يكن مشهد فاجنر في روستوف (جنوبي روسيا) هو مشهد خاص بشركة مقاولات عسكرية (BMC)، ولكنه كان مشهد جيش صغير يغلق مدينة براً وجواً، ويحرك قوافل باتجاه العاصمة، وحتى مشهد الوداع الذي جرى في أسرع وقت يمكن تصوره كان لافتاً، حيث حُمِلت الدبابات والمعدات الثقيلة على جرارات، وكان 25 ألف عنصر في ناقلات الجند التي تتحرك لمغادرة المكان".

قد تكون هذه هي سمات المليشيات والقوات الخفيفة وغيرها من تلك الأنماط من المكونات العسكرية، وبالتالي يطرح التحليل سؤلا: "هل فاجنر هي شركة مقاولات عسكرية بالفعل؟، أم أنها جزء من منظومة الكرملين (ذراع الكرملين) كما تشير العديد من التقديرات الغربية باستمرار، والذي يمتد خارج روسيا في ساحات مختلفة من العالم، لاسيما في الشرق الأوسط وأفريقيا؟، أم أنها باتت تشكل أحد التروس في المنظومة الروسية بشكل عام التي يصعب الاستغناء عنها، بعد أن استفحل دورها في تلك المنظومة لدرجة جعلتها تتحدى المنظومة العسكرية النظامية نفسها؟".

يشار إلى أن "فاجنر" باتت تحظى في روسيا بشعبية تفوقت على شعبية الجيش في بعض مراحل الحرب في أوكرانيا، بينما تنظر أوساط أخرى إلى أن "فاجنر" جزء من الأوليجارشية الروسية، وباتت تمثل أحد مراكز القوة في روسيا، بما يعني أنها شركة مقاولات عسكرية على الورق فقط.

سؤال آخر يطرحه تحليل "الأهرام"، حول السلاح والذخائر التي كانت تشتكي من قلته مجموعات "فاجنر"، خلال قتالها في باخموت، وفي الوقت نفسه تحركت بقوافل مسلحة نحو العاصمة موسكو بعد إعلان تمرد وعصيان مدني؟، وهل تم تأمين الذخائر في روستوف، حيث تمكنت ليس فقط من احتلال مقر القيادة هناك بدون طلقة واحدة، وإنما إسقاط طائرات للجيش كانت تقترب من موقعها بما تمتلكه من مضادات الطائرات؟.

ويعلق التحليل بالقول: "لا يمكن تصور أن اختيار فاجنر لروستوف كان اعتباطياً، فهي موقع استراتيجي مثالي لحركة من هذا النوع، حيث تمثل مركز قيادة عسكرية مزدوجاً، للقيادة الجنوبية الروسية، وقيادة للعمليات العسكرية في أوكرانيا، وظهيراً للقوات الروسية في دونباس، ومنها يمتد الطريق الرئيسي للعاصمة، وبها قواعد عسكرية ومطار.. إلخ.

وهنا، يطرح التحليل سؤالا آخر: "هل يمكن تصور معنى الاستيلاء على مركز عمليات بهذا الشكل بما فيه وبمن فيه، حيث ظهر بريغوجين هناك بأريحية، وقام بتسجيل الفيديوهات عبر قناته على موقع "تليجرام"؟".

ويعبر التحليل عن دهشته من عدم اعتراض أرتال "فاجنر" إلى روستوف حيث قطعت مئات الأميال وصولاً إلى تلك المنطقة ثم تحركت منها بحرية مئات الأميال الأخرى في اتجاه العاصمة، من دون اعتراض.

وهذا ما يطرح سؤالاً جديدا وفق التحليل، بشأن دور أجهزة الاستخبارات والمعلومات في هذه المرحلة قبل أن تتطور الأزمة، ويطرح ذلك سيناريو افتراضياً آخر ينصرف إلى أن "الأزمة كانت مقصودة".

ومن جانب آخر، هل كانت مقاصد بريغوجين فقط هي السيطرة على القاعدة انتظاراً لقدوم وزير الدفاع ورئيس الأركان أم أنه كان يبحث عن دلائل في مقرات العمليات في روستوف أيضاً تدعم حججه بالتقصير العسكري من جانب قيادة الجيش في أوكرانيا.

تساؤلات أخرى يطرحها التحليل، حول مصير "فاجنر" وهل سيتم الاستغناء عنها؟، في ظل إعلان الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين تجاوزها "الخطوط الحمراء" وارتكابها "خيانة" و"طعنة في الظهر"، قبل أن يعلن في المساء، الصفح والتسامح عن كل تلك التجاوزات.

كما يدور تساؤل حول مصير بريغوجين الذي قيل إنه سيتوجه إلى إلى بيلاروسيا، دون الإفصاح عن مستقبله بعد هذه الخطوة، وهل ذهابه إلي مينسك كمنفى اختياري في رحلة ذهاب بلا عودة، أم ماذا؟، حيث لا يعتقد أن بريغوجين شخص يمكن أن يقبل بمصير مجهول، أو أن ثمن إخضاعه هو مجرد رفع التهم التي وجهت إليه؟، وهل ذهب إلى بيلاروسيا لتأمنيه بعيداً عن بطش خصومه داخل روسيا؟.

ويتوقع التحليل أنه تم الاستماع هذه المرة إلى بريغوجين جيداً من جانب بوتين، وهو ما كان يريده قائد "فاجنر"، وستترتب عليه تداعيات في المستقبل، قد يكون من بينها إعادة هيكلة في الجيش، أو تصحيح أوضاع في أوكرانيا.

كذلك، يتضح من القرارات أنه ربما سيتم إذابة قوات "فاجنر" في المنظومة العسكرية بتوقيع اتفاقيات أو إدماج في الجيش، لكن على الأرجح لن يتم تفكيك "فاجنر"، فقد وصلت منظومتها إلى وضع يصعب تفكيكه، كما يعتقد أنه يصعب الاستغناء عن شبكة أدوارها الخارجية التي يملك قائدها بريغوجين مفاتيح أسرارها.

تساؤلات أخرى، يطرحها التحليل حول إدارة بوتين للأزمة منفردا، وعدم ظهور وزير الدفاع أو إعلان أي بيان عسكري من غرفة العمليات حول الوضع في أوكرانيا عن التمرد، وهي رسالة بالطبع من موسكو بأن الأزمة لن تعيق العملية العسكرية الروسية هناك.

ويضيف: "من هنا، دار الجدل حول طبيعة ما الذي كان يجري وماذا سيجري في لقاء الإثنين 26 يونيو/حزيران الجاري عندما سيلتقي بوتين بقادة الجيش؟، وقياساً على ذلك، لماذا تم نشر قوة مكافحة الإرهاب كأول قرار في العاصمة؟، هل كانت بديلاً لنشر قوات الحرس الرئاسي وقوات الجيش لتأمين العاصمة؟، لماذا أيضاً تم استدعاء القوات الشيشانية إلى العاصمة ومحيط روستوف؟".

وأمام ذلك كله، يخرج التحليل بـ4 دروس مستفادة من الأزمة، أولها فإنه "حينما ظهرت أزمة داخلية واحدة في الداخل اهتزت صورة دولة تمثل قوة عالمية، وفيما يمكن تحمل الأزمات الخارجية وتداعياتها، فإن تحدياً داخلياً يمكن أن يكشف عن هشاشة أو ثغرات في المنظومة لا يمكن تحمله مهما كانت قوة الدولة".

وللخروج من هذا المشهد سيكون هناك حاجة لاستعادة الثقة في المنظومة، كما يمكن القول إن ما خفي في الرواية سيدلل عليه فيما هو قادم في المشهد الروسي، وستحتاج روسيا إلى إعادة تقييم من منظور مختلف لكافة الملفات.

أما الاستفادة الثانية، فتتعلق بأن تشكيل كيانات موازية للجيوش وتنمية قدراتها ومنحها أدواراً كبرى في مهام صعبة سيخلق كماً من التحديات لا حصر لها.

وهنا أصبحت "فاجنر" أقوى من الجيش في الخارج في المواقع التي لا يمكن للجيش أن يتواجد فيها بدون غطاء شرعي، حتى باتت تتمدد في الخارج وتبرم عقوداً مع أنظمة (أفريقيا الوسطى، وروندا، ومدغشقر وغيرها).

وداخليا، أصبحت منافساً شعبياً للجيش في الداخل بعد منحها دوراً أوسع وعلنياً في ساحة الحرب في أوكرانيا، بشكل حولها إلى قوة قتال رئيسية للمرة الأولى.

وحول الاستفادة الثالثة من الأزمة، يقول التحليل: "إدارة الأزمة قد تتطلب صورة مختلفة عن الإيحاء بأجواء من الشكوك في كل المنظومة، وظهور علامات التوتر على القيادة قد يضاعف من ذلك".

ويضرب مثالا على ذلك بأن "هناك ثغرات في مشهد إخراج الأزمة بدءاً من ظهور بوتين في خطاب متلفز، إلى عدم إحاطة الكرملين بكل ما يجري، إلى استدعاء البدلاء (القوات الشيشانية)".

وأخيرا، يقول التحليل حول الاستفادة الرابعة من الأزمة، أنه "يمكن التسليم بأن روسيا مرت بأزمة صعبة سرعان ما تم احتواؤها، لكن تكرار الأزمات قد يعني مأساة كبيرة لموسكو، ولا يمكن تخيل حجم الفوضى إذا ما عاد الزمن إلى مشهد نهاية الحرب الباردة".

كما أنه بلا شك، فإن خروج روسيا من المنظومة الدولية رغم أي انتقادات توجه لدورها في أوكرانيا القابل لإعادة التقييم، سيشكل معضلة عالمية، وفق التحليل.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فاجنر بويتن تمرد تمرد عسكري بريغوجين

تقارير: تمرد فاجنر كشف تصدعات عميقة داخل نظام بوتين