صلابة القوة الناعمة
كل فعل جماعي سواء كان سياسيا أو ثقافيا أو علميا إنما يندرج في خانة التطبيقات اللامتناهية للقوة الناعمة.
إعادة بناء الموروث الثقافي العربي الإسلامي لغة وأدبا وفنونا وفكرا يمثل مدخلا أساسيا لبناء القوة الناعمة بما هي سلاح أساسي بمواجهة مشاريع الغزو.
القوة الناعمة قوّة لا تُرى ولا تدرك بالحواسّ لكنها تعتبر محرّك القوى الأخرى ومنتجة لها وهذا لا يعني انتقاص قيمة القوة الصلبة لكنه يخصّص قيمة كل منهما.
لم تكن الدول الغربية خلال نهضتها الصناعية والفكرية تملك من الثقافة ما تملكه البلاد العربية لكنها في فترة وجيزة حولت مخزونها إلى مساحات للفعل والتأثير.
* * *
القوة الصلبة هي العنوان الأبرز للقوة لأنها قوّة مادية ملموسة سواء كانت جسدية عضلية أو مادية نقدية أو عسكرية مسلحة أو غيرها من أوجه القوة المحسوسة.
أما القوة الناعمة فهي قوّة لا تُرى ولا تدرك بالحواسّ لكنها تعتبر محرّك كل القوى الأخرى ومنتجة لها وهو أمر لا يعني الإنقاص من قيمة القوة الصلبة لكنه يخصّص قيمة كل واحدة منها.
كل فعل جماعي سواء كان سياسيا أو ثقافيا أو علميا إنما يندرج في خانة التطبيقات اللامتناهية للقوة الناعمة. فالفعل الثقافي مثلا يعتبر فاعلا أساسيا في مجال القوة التي يعبّر بها كل شعب وكل أمة عن تراكمات حركتها عبر التاريخ وما أنتجته من التعبيرات الثقافية المادية والرمزية كالفن والرياضة والأدب والفكر.
على هذه الواجهة راكمت الشعوب العربية طوال تاريخها تعبيرات ثقافية عميقة من شعر وأدب وفنون جعلتها في مرتبة متقدمة بين الأمم. لكنّ هذه الأشكال الثقافية لم تنل خلال القرون الأخيرة حظها من التأصيل وإعادة القيمة وإدماجها من جديد في المسار الحضاري للأمة باعتبارها أحد أوجه القوة الناعمة.
قد يعود ذلك في جزء كبير منه إلى الحالة العامة في كثير من البلاد العربية وغياب القدرة على بعث مشروع ثقافي فاعل موحّد. على الضفة المقابلة نجحت دول أخرى لا تملك ما تملكه المنطقة العربية من رصيد ثقافي قابل للتحويل إلى قوة ناعمة في تطوير أذرعها الثقافية التي فرضتها عبرها تصورها للعالم.
لم تكن الدول الغربية مثلا خلال نهضتها الصناعية والفكرية تملك ما تملكه البلاد العربية لكنها استطاعت في فترة وجيزة تحويل مخزونها إلى مساحات للفعل والتأثير.
وهو الأمر الذي يفسر اليوم قدرة الأنماط الثقافية الغربية على غزو العالم والتأثير فيه وخلق أنماط مشابهة داخله هو أمر لا يعود فقط إلى قوة هذه المنوالات الثقافية الناعمة بقدر ما يفسر بعجز الآخرين على خلق أنماطهم الفاعلة الخاصة بهم.
إن النهضة الثقافية والفكرية لأية أمة تكون دائما مقدمة لنهضة شاملة لأنها تحقق هدفين أساسيين:
يتمثل الهدف الأول في تجذير الفرد والجماعة في حاضنته الثقافية وهو الشرط الأساسي لبناء الوعي الجمعي.
أما الهدف الثاني فيمثل في القدرة على تحصين الفرد والجماعة من الغزو الثقافي ومن تأثير التيارات الخارجية التي تعتبر مقدمة لتدخلات أخرى.
إن إعادة بناء الموروث الثقافي العربي الإسلامي لغة وأدبا وفنونا وفكرا يمثل مدخلا أساسيا لبناء القوة الناعمة بما هي سلاح أساسي في مواجهة كل مشاريع الغزو.
*د. محمد هنيد أستاذ محاضر في العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس.
