هل تكون خصخصة قناة السويس حلا للأزمة الاقتصادية في مصر؟

الخميس 29 يونيو 2023 12:57 م

في حين أن أي بيع لقناة السويس المصرية، جزئيًا أو كليًا، لا يزال بعيد المنال في الوقت الحالي، يبدو أن حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي، أكثر انفتاحًا على التدخل الأجنبي في القناة مما كان عليه الحال في السابق.

هكذا يخلص تحليل لموقع "أفريكان بيزنس"، وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أنه من الممكن أن ترى القاهرة أصول القناة، على الأقل من الناحية النظرية، كجزء من مساعي التغلب على نقص العملة الصعبة في البلاد والمشاكل الاقتصادية الأخرى.

وتربط قناة السويس البحر الأحمر بالمتوسط، وهي أحد أبرز موارد مصر بالعملات الأجنبية، وتتجاوز عائداتها 8 مليارات دولار سنويا، ودُشّنت عام 1869، وجرى توسيعها وتحديثها مرات عدة.

وينظر إلى قناة السويس باعتبارها أهم ممر ملاحي في العالم، وتعد شرياناً وممراً ملاحياً رئيسياً لحركة التجارة العالمية، نظراً لموقعها الجغرافي المتميز، وأحد أهم المصادر لتوفير العملة الصعبة من خلال تحصيل رسوم مرور السفن بين القارات.

ويشير التحليل إلى أنه منذ مساء 26 يوليو/تموز 1956، عندما قام الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس، التي كانت مملوكة حتى ذلك الحين لمساهمين بريطانيين وفرنسيين، لعبت القناة دورًا مهمًا في التنمية الاقتصادية لمصر الحديثة، وكانت رمزًا لتقرير مصير البلاد.

ومع ذلك، بعد ما يقرب من 7 عقود من إعلان ناصر الشهير، تزايد الجدل حول إمكانية أن تكون قناة السويس حلا للأزمة الاقتصادية الخطيرة المتزايدة في مصر.

يقول التحليل إن الصعوبات الاقتصادية في مصر عميقة الجذور، لكنها تصاعدت منذ ظهور جائحة "كورونا" في العام 2020، وذلك بعد أسن سمح السيسي، للجيش بالهيمنة على الاقتصاد الوطني.

وغالبًا ما تُكلف القوات المسلحة المصرية بمشاريع البنية التحتية والأنشطة الاقتصادية المدنية التي تكون عادةً من اختصاص القطاع الخاص.

وأظهر السيسي والإدارات السابقة أيضًا ولعًا بمشاريع "الفيل الأبيض"، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، ولا تحقق سوى القليل، فضلا عن أنها تزيد من الديون.

ووصلت هذه المشاكل طويلة الأمد إلى ذروتها خلال الوباء، وتراجعت عائدات السياحة خلال عامين من انتشار "كورونا" وسط توقف السفر الدولي، ما تسبب في نقص خطير بالدولار الأمريكي.

وأمام ذلك، ومع ارتفاع أسعار الفائدة على مستوى العالم، وارتفاع الدولار الأمريكي، وضعف الجنيه المصري، وجدت القاهرة صعوبة أكبر في خدمة ديونها السيادية.

وارتفعت الديون الخارجية على مصر إلى 162.9 مليار دولار بنهاية 2022، وفقا لبيانات رسمية، على الرغم من الشكوك في أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

وتراجعت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار إلى أدنى مستوى منذ يناير/ كانون الثاني (30.52 جنيه لكل دولار)، ضمن سلسلة تخفيضات في قيمة العملة منذ مارس/آذار من العام الماضي.

وبالنظر إلى أن البلاد تعاني أيضًا من عجز تجاري، فقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، حيث وصل التضخم الآن إلى أكثر من 30%.

وفي هذا السياق، ظهرت شائعات بأن الحكومة المصرية قد تميل إلى خصخصة قناة السويس، وبيع عقد الإيجار لمقدم عرض أجنبي.

وقدرت مجلة "الإيكونوميست" مؤخرًا عقد إيجار للقناة لمدة 99 عامًا بحوالي 1 تريليون دولار، وهو مبلغ ضخم من المال يمكن أن يكون مغريًا لحكومة تكافح لإيجاد طريقها للخروج من ورطة اقتصادية.

يقول الباحث المشارك في مؤسسة البحوث الاستراتيجية في فرنسا بيير بوسيل، إن "الرهانات الاقتصادية والسياسية التي ينطوي عليها خصخصة قناة السويس لا تجعل السيسي يتخذ قرارًا متسرعًا.. إنه يدرك تمامًا البعد الرمزي وبالتالي الحساس للقضية".

بينما يعتقد بوسيل أن "الخصخصة الكاملة غير مرجحة إلى حد كبير"، إلا أنه يعتقد أن "بعض أنشطة الموانئ يمكن تسليمها إلى شركات خاصة، مثل الخدمات اللوجستية، والصيانة".

حتى الخصخصة الجزئية لقناة السويس ستكون مهمة، على أية حال، من الناحية الجيوسياسية وكذلك الاقتصادية، وفق التقرير، الذي يقول إن قناة السويس ذات أهمية إستراتيجية حاسمة: فهي الطريق الوحيد الذي يربط المياه الأوروبية ببحر العرب، ويمثل 12% من التجارة العالمية، وحوالي 10% من تجارة النفط المنقولة بحراً في العالم.

وتمر أكثر من 20 ألف سفينة عبر القناة كل عام، ويلعب الطريق دورًا رئيسيًا في ربط أسواق السلع الأفريقية والآسيوية والأوروبية.

ويعتقد بوسيل أن المزايا الاستراتيجية التي يوفرها امتلاك القناة يمكن أن تجعلها استثمارًا جذابًا للصين، في حالة ظهور هذه الفرصة.

ووفق تحليل "أفريكان بيزنس"، فإن "الصينيين سيكونون بلا شك في عجلة من أمرهم، وأقلهم قلقًا بشأن حجم الفاتورة، حيث تريد بكين تأمين طريق الحرير الخاص بها ووضع يدها على الاختناقات الرئيسية في العالم، مثل القنوات والمضائق".

ومن بين المشترين المحتملين الآخرين حلفاء مصر الأثرياء بالنفط في الخليج.

ويقترح بوسيل أنه في حالة خصخصة قناة السويس، فمن المرجح أن تشمل عملية البيع مجموعة من البلدان المختلفة، يقول: "بالنسبة لمصر، سيكون اتحاد المشترين أكثر طمأنة لأنه سيكون أقل تماسكًا"، مما يعني أن القاهرة ستكون في وضع أفضل لممارسة القيادة السياسية على القناة.

ومع ذلك، فإن خصخصة قناة السويس ستثير الدهشة بلا شك وستكون محفوفة بالمخاطر الجيوسياسية، حسب التحليل الذي قال إنه "إذا وضعت بكين يدها على قناة السويس، فماذا سيحدث لحركة المرور في حالة حدوث صراع مع تايوان؟، وماذا لو حصل الروس على أقلية معيقة في محفظة الأوراق المالية؟، ألا ينجذب الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين إلى قناة السويس لمواجهة العقوبات الغربية؟".

ويضيف: "كل هذه الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها، فهو أمر غير مطمئن للغاية للتجارة البحرية العالمية".

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن بيع قناة السويس، يظل كذلك افتراضيًا، على الرغم من المأزق الاقتصادي الصعب الذي تجد القاهرة نفسها فيه.

يقول نائب رئيس الاستثمار في تندرا فوندر مدير صندوق متخصص في الأسواق الناشئة ماتياس ألتوف، إن هذه الخطوة "تبدو تخمينية للغاية، وحتى مع الأخذ في الاعتبار الضغط الذي تتعرض له مصر، فإنني أرى أنها غير مرجحة للغاية".

ويضيف ألتوف، أن قناة السويس توفر مصدرًا مهمًا للدولار الأمريكي لمصر، وأن التخلي عن هذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم أزمة الصرف الأجنبي.

وبلغت عائدات الدولار الأمريكي من قناة السويس العام الماضي نحو 8 مليارات دولار، قبل أن يتابع: "التخلي عن ذلك سيكون مكلفًا للغاية".

ويقترح ألتوف خيارات أفضل، ببيع الكثير من الأصول الأخرى أو تأجيرها، فضلا عن تقليل مشاركة الحكومة والجيش في الاقتصاد، مضيفا: "لا ينبغي أن تكون البنية التحتية الرئيسية مطروحة على الطاولة في هذه المرحلة".

يشار إلى أن الحكومة المصرية نفت أن يكون لديها أي خطط لبيع قناة السويس.

وفي فبراير/شباط، وصف السيسي الشائعات بأنها "مجرد أكاذيب".

ومع ذلك، وفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وافق البرلمان المصري على تعديل القانون الذي يسمح لهيئة قناة السويس (SCA) بإنشاء صندوق يمكنها من خلاله بيع أو تأجير بعض أصولها.

ولاحقا، وافق السيسي على وثيقة سياسة ملكية الدولة، المعروفة إعلاميًّا بـ"وثيقة بيع أصول الدولة المصرية"، خاصة في ظل بيع الحكومة عددًا من الأصول مثل بعض أسهم البنوك والشركات والمصانع.

وأثار ذلك مخاوف في مصر من انفتاح الحكومة وهيئة الأوراق المالية والسلع على بيع حصص في القناة لحكومات أو كيانات أجنبية.

وأعلنت أحزاب وشخصيات سياسية وأكاديمية وثقافية وعلمية رفضها لمشروع القانون، ودشنوا الحملة الشعبية للدفاع عن قناة السويس "إلا قناة السويس".

وأمام تصاعد الجدل، نفى مجلس الوزراء المصري أن يكون الصندوق "بابًا خلفيًا لبيع القناة"، قبل أن يؤكد رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، إن القناة "ليست للبيع".

المصدر | أفريكان بيزنس - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر قناة السويس أزمة اقتصادية السيسي خصخصة

مأزق مصر المالي.. السيسي ينتظر معجزة لا مؤشر على حدوثها