لماذا تمول الولايات المتحدة الجيش اللبناني؟

السبت 1 يوليو 2023 06:32 م

واجهت القوات المسلحة اللبنانية، بالرغم من تمثيلها دولة ذات سيادة "على الورق"، تأثيرًا منذ فترة طويلة من الحكومات والجيوش الغربية، يقوض القانون اللبناني وسلسلة القيادة والأمن القومي.

يتناول مقال حسن عليق في مجلة "ذ كاردل"، والذي ترجمه "الخليج الجديد"، تمويل واشنطن للجيش اللبناني، ويشير إلى أنه في عام 2019، واجهت حكومة بيروت تحدٍ ملحوظ متمثل في تقليل عدد عمال القطاع العام، بمن فيهم أولئك الذين في المؤسسات الأمنية والعسكرية؛ من أجل الحد من الإنفاق الحكومي، ليجد وزير الدفاع إلياس بو شاب نفسه متورطًا في نزاع مع الجنرال جوزيف عون، القائد الأعلى للجيش، حيث حاول التأكد من عدد الموظفين في القوات المسلحة.

وفي هذا السياق، لم يتمكن الوزير من الحصول على أي وثائق رسمية تؤكد عدد الأفراد في الجيش، والذي يقدر بحوالي 84000.

ومن المثير للاهتمام، إعلان السفير البريطاني في لبنان، آنذاك، كريس رامبلنج، بفخر، أن المملكة المتحدة قد دربت حوالي 10000 جندي لبناني داخل البلاد. وأشار إلى أن عدد المتدربين وصل الآن إلى ثلث قوة القتال في الجيش اللبناني، مضيفا أن بلاده ملتزمة بشراكتها مع الجيش اللبناني بالأعمال وليس فقط الكلمات.

ويذكر المقال أن تأثير الحكومات الأمريكية والبريطانية مدهش تمامًا لدرجة أن السفير البريطاني يمتلك معرفة بحجم القوة القتالية للجيش؛ ويقدرها بحوالي 30000 جندي وضباط، في حين أن وزير الدفاع اللبناني لا يزال جاهلًا بمثل هذه المعلومات الحاسمة.

السفير الأمريكي

ومع ذلك، القضية ليست فقط الأرقام، بل هي عملية صنع القرار داخل الجيش والمدى الذي تمارس فيه الولايات المتحدة والحكومات البريطانية وسفراؤها وحلفاؤهم نفوذهم في لبنان، فهناك شعور بالسخرية المحيطة بانتظام الأخبار المتعلقة بزيارات سفير الولايات المتحدة والسفراء الأجانب إلى مكتب قائد الجيش.

ولفت المقال إلى أن هذه الأخبار أصبحت مألوفة في لبنان؛ مما دفع السكان المحليين إلى معاملتها على أنها أمر "طبيعي". على سبيل المثال، في 30 نوفمبر/تشرين الأول 2021، أعلنت السفارة البريطانية في بيروت أن "سفراء بريطانيا، إيان كولارد، والولايات المتحدة الأمريكية، دوروثي شيا، وكندا شانتال تشاستيناي، التقوا قائد الجيش، الجنرال جوزيف عون، لمناقشة أمن الحدود اللبنانية السورية، أثناء اجتماع لجنة إشرافية أعلى لبرنامج المعونة لحماية حدود الأراضي".

وخلال الاجتماع، أعلن السفير البريطاني أن لندن قد تبرعت بمبلغ 1.4 مليون دولار "لتعزيز مرونة الجيش مع قطع الغيار لمركبات لاندروفر التي سبق أن تبرعت بها حكومة المملكة المتحدة، وللمعدات الشخصية الواقية للجنود التي تم نشرها في عمليات الحدود".

وبيّن المقال أن هذا تجاهل القانون اللبناني؛ حيث أنه أمر غير عادي بالنسبة لسفراء 3 دول للكشف علنًا عن المناقشات المتعلقة بخطة حماية الحدود في البلد المجاور مع قائد الجيش.

ويضيف أنه تم إصدار هذا الإعلان بحضور قائد الجيش والمدير العام لقوة الشرطة، دون أي ممثل من الحكومة، التي تنتمي إليها هاتان المؤسستان

ويوضح المقال أن زينا عكار، وزيرة الدفاع السابقة من عام 2020 إلى عام 2021 تلقت مكالمة من السفارة الإيطالية تدعوها إلى حفل تسليم التبرع إلى الجيش. وسألت عكار قائد الجيش: "هل حصل التبرع على موافقة مجلس الوزراء؟ لماذا أعرف ذلك من السفارة الإيطالية وليس من قيادة الجيش؟"، ويقال إنه أجاب أن الحكومة لم تكن على دراية بالتبرع وأنه سيرسل لاحقًا طلبًا للموافقة؛ "هذا يحدث دائمًا بهذه الطريقة"، يضيف الكاتب.

ويقول إنه قد يكون لبنان أيضًا البلد الوحيد في العالم الذي يقترح فيه مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، خلال حفل عشاء مع نائبه والضباط اللبنانيين، ترقية ضابط لبناني إلى رتبة لواء وتعيينه كعضو في المجلس العسكري.

تجدر الإشارة إلى أن لبنان هو بالتأكيد الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن فيها لصحفي الحصول على معلومات حول عشاء يعقد "تكريماً" لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ونائبه.

بالإضافة إلى ذلك، يظهر نائب مدير وكالة المخابرات المركزية في لبنان بوسائل الإعلام المحلية الرئيسية. ووقعت حادثة مماثلة في أغسطس/آب 2022، عندما نُشر شريط فيديو يظهر فيه المسؤول في حزب الله، وفيق صفا، وهو يرفض مصافحة شخص قيل إنه مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في لبنان، بينما يعزي في وفاة والد المدير العام السابق للأمن العام.

يرى المقال أن الحفاظ على الهيمنة الغربية عبر هذه الأمثلة، تدل على أنها أمثلة على السلوك غير الطبيعي للولايات المتحدة، وهذه المواقف التي فرضت على لبنان من قبل واشنطن وحلفائها لضمان استمرار نفوذها على الجيش اللبناني في سياق ترسيخ الهيمنة الغربية في المنطقة.

ووفقا للكاتب، يتحقق هذا التأثير بوسائل مختلفة: ضمان بقاء دول الناتو وحلفاؤها هم المقدمون الوحيدون للأسلحة والتمويل للجيش.

وعلى سبيل المثال، في عام 2008 استسلم لبنان لضغوط الولايات المتحدة بدعم من القوى السياسية المتحالفة مع الغرب ودول الخليج العربي، ورفض تبرعًا روسيًا سخيًا تضمن 10 طائرات "ميج 29" و77 دبابة ومدفعية ومجموعة متنوعة من الأسلحة والذخيرة.

ومنذ ذلك الحين، لم توافق الحكومة أو البرلمان اللبناني على أي اتفاق تعاون مع موسكو للسماح للجيش بالاستفادة من المساعدات الروسية.

إن نشر معلومات كاذبة تؤكد على ضرورة العلاقة مع واشنطن لبقاء الجيش اللبناني؛ يشير إلى أنه لن يكون قادرًا على الحفاظ على نفسه بدون الأسلحة والذخيرة الأمريكية.

ومع ذلك، بين عامي 2006 و2018، بلغت المساعدات العسكرية الأمريكية للبنان 1.28 مليار دولار فقط، بمتوسط 100 مليون دولار سنويًا.

ويشير الكاتب إلى أنه قبل انهيار القطاع المصرفي في عام 2019، خصص لبنان قدرًا أكبر من الأموال للرواتب وخدمة الدين العام؛ مما يشير إلى أنه كان من الممكن أن يتخلى عن المساعدة الأمريكية.

ومع ذلك، فإن النخبة الحاكمة في لبنان منقسمة بين حلفاء واشنطن، الذين يلتزمون بحماس بتوجيهاتها، وبين المعارضين الذين يخشون توتر علاقتهم بالجيش إذا رفضوا علناً المساعدات الأمريكية.

التدريب

انحصر تدريب ضباط الجيش اللبناني على الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، فأثناء الوجود العسكري السوري في لبنان قبل عام 2005، استمر التدريب الأمريكي للضباط، "ولكن في تلك المرحلة، كانت الأمور تحت السيطرة بشكل جيد للغاية. كان تأثير هذه التدريبات داخل الجيش، على مستوى القيادة، ضئيلًا للغاية".

ويضيف المقال أن الجيش اللبناني لا يمتلك أسلحة متطورة ولا مساحات شاسعة للقتال فيها، ولا خططا دفاعية. وتهدف التدريبات الغربية، بحسب مصادر عسكرية لبنانية، إلى تعريف عناصر الجيش وضباطه بالمقاربة العسكرية الغربية.

وما تسعى إليه الدول الغربية هو جعل جنود الجيش وضباطه جزءًا من النظام الغربي، ويشير الكاتب إلى أن ضباط الجيش الذين خضعوا لدورات عسكرية في سوريا متقاعدون، والضباط الحاليون هم من خريجي الدورات التدريبية الغربية.

وتركز برامج التدريب الغربية بشكل أساسي على القوات الخاصة، والتي تتكون من حوالي 17000 جندي من الأفواج الخاصة وأفواج الحدود. وتهدف هذه البرامج إلى إعداد الجيش اللبناني لمحاربة القوات غير النظامية بدلاً من المواجهة المباشرة للجيش الإسرائيلي.

وتوضح التصريحات العلنية لدبلوماسيين وعسكريين وأعضاء في الكونجرس الأمريكيين أن المساعدة العسكرية الأمريكية للجيش اللبناني تهدف إلى تعزيز قدرته على مواجهة "تهديد" حزب الله.

مع ذلك، يرى المقال أن الأمريكيين ليسوا أغبياء، وأنهم يدركون أن الجيش لن يدخل في مواجهة مع حزب الله في المستقبل المنظور. لكنهم يريدون إعدادها لتكون قادرة على إنهاء الوجود العسكري للحزب في اليوم التالي لأي هزيمة يلحقها الأمريكيون والإسرائيليون به في المستقبل.

إن المفارقة تكمن في حقيقة أنه بينما يدعم الغرب إسرائيل، التي يعتبرها الجيش اللبناني عدوه الأساسي، فإن علاقته مع الغرب لا تخضع لرقابة الحكومة أو البرلمان.

الطائفية

بسبب المضاعفات الطائفية والديناميكيات السياسية المعقدة في لبنان، لا تتجرأ أي قوة سياسية في البلاد على محاسبة قيادة الجيش، حتى على المستوى الأمني، تظل هذه العلاقة مع الغرب غير مراقبة.

في عام 2009، اعتقلت مخابرات الجيش رئيس مدرسة القوات الخاصة العقيد منصور جياب بتهمة التعامل مع المخابرات الإسرائيلية، وتم القبض على 3 ضباط آخرين بنفس التهمة، فيما فر ضابطان إلى الخارج. وكان العقيد جياب، الذي اعترف بتجنيد الإسرائيليين له في التسعينيات خلال دورة تدريبية في الولايات المتحدة، أدين من قبل محكمة عسكرية.

ومع ذلك، لم يؤد هذا الحادث إلى أي احتجاجات أو مطالب كبيرة من المسؤولين الأمنيين أو السياسيين في لبنان للحصول على ضمانات أمريكية بعدم تكرار مثل هذه الأحداث. ولم تُنسب مسؤولية هذا الخرق للجيش اللبناني إلى الولايات المتحدة، رغم أن التجنيد حدث عندما كان الضابط في عهدة الجيش الأمريكي.

الفراغ

ويشير الكاتب إلى أن تأثير الولايات المتحدة في الجيش اللبناني يعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، وقد تذبذب هذا التأثير حسب السلطة السياسية وسياستها الخارجية. فمنذ عام 1990، تأثرت العلاقات الخارجية اللبنانية بالتمييز بين العلاقات اللبنانية السورية وتوحيد السياسة الخارجية للبلدين.

ويضيف أنه بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005، ظهر فراغ سياسي في بيروت بسبب الانقسام بين المؤيدين الغربيين وخصومهم؛ مما أدى إلى غياب سياسة خارجية واضحة.

واستفادة من هذا الفراغ، أنشأت الولايات المتحدة نفوذاً قوياً داخل الجيش اللبناني. تحت قيادة القائد العام الحالي، وصل هذا النفوذ إلى مستويات غير مسبوقة.

وبينما يعزو البعض ذلك إلى طموح العماد جوزيف عون في أن يصبح رئيسًا، أبلغ ضابط لبناني رفيع المستوى أن عون تفوق على سلفه، الجنرال جان قهوجي، من حيث التحالف مع الولايات المتحدة.

سياسة لبنان الخارجية المنقسمة

كان قرب عون للغرب واضح في أفعاله. عند توليه منصبه، استبدل الأسلحة الروسية بأمريكية بحجة أسباب لوجستية وتوحيد الأسلحة.

وخلال فترة عمله، قام الجنود الأمريكيون المتمركزون في قاعدتين للجيش اللبناني بتشغيل طائرات بدون طيار تحت ستار تدريب الضباط اللبنانيين؛ مما سمح لهم بإجراء جولات استطلاعية فوق الأراضي اللبنانية، حسبما قالت مصادر في القوات المسلحة.

في البداية كان متحالفًا مع الرئيس السابق ميشال عون، الذي كان حليفًا لحزب الله، وسرعان ما غير القائد الحالي للجيش جوزيف عون موقفه، ويتهم الآن بالانحياز الكامل للولايات المتحدة في لبنان.

ولفت المقال إلى أنه من المقرر أن يتقاعد جوزيف عون في 10 يناير/كانون الثاني 2024. وإذا لم يصبح رئيسًا، سيواجه قائد الجيش التالي تحديًا كبيرًا يتمثل في استعادة التوازن داخل الجيش ومنع استخدامه كأداة للمشاريع الإمبريالية الأمريكية في المنطقة.

لقد أصبحت الولايات المتحدة مصدرًا أكثر أهمية للتدريب والتسليح والدعم المالي، حيث تقدم مدفوعات شهرية بقيمة 100 دولار لكل جندي وضابط في الجيش اللبناني لمدة 6 أشهر؛ بسبب انخفاض رواتبهم منذ الانهيار المالي للبلاد في عام 2019.

سياسياً، لا يتوقع المقال قدرة لبنان على صياغة سياسة خارجية موحدة ترتكز على مصالحه الخاصة؛ مما يسهل التعاون بين الجيش والقوى الأجنبية. فقد كانت العلاقات الدولية جانبًا مثيرًا للجدل في الصراعات السياسية في لبنان منذ عام 2005 على الأقل، ومن غير المرجح أن يتم حل هذا الصراع في المستقبل القريب.

المصدر | حسن عليق / ذ كاردل – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

لبنان الجيش اللبناني حزب الله عون الولايات المتحدة