جيوبوليتيكال فيوتشرز: لماذا هاجم الإعلام العربي اليونان بسبب القارب الغارق؟

الأحد 2 يوليو 2023 01:54 م

الطريقة التي عرضت بها وسائل الإعلام العربية قضية الهجرة، بما في ذلك غرق قارب صيد على متنه نحو 700 شخص، في وقت سابق من هذا الشهر، مقيدة برؤية القيادة العربية التي لها مصلحة في إلقاء اللوم على الآخرين.

هكذا يخلص تحليل لموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أن "هذا لا يعني أن أوروبا لا تستحق أي مسؤولية عن المشكلة، ولكن العبء لا يجب أن يقع على عاتق الدول الأوروبية فقط لاستيعاب المهاجرين الذين يختارون أو يضطرون إلى المغادرة".

وأعادت مأساة انقلاب القارب قبالة سواحل اليونان، مما خلف مئات القتلى والمفقودين، إشعال الجدل في أوروبا حول الهجرة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ورد أن الدول الأوروبية تخطط لتشديد سياسات الهجرة الخاصة بها.

ففي الدول العربية، اتهمت وسائل الإعلام، الحكومة اليونانية بالإهمال بعد أن تردد أن خفر السواحل اليوناني بذل القليل من الجهد لإنقاذ من كانوا على متنها.

وشددت وسائل إعلام عربية على أن طريقة منع المهاجرين من الموت في أحداث مماثلة في المستقبل هي إجراء حوار عقلاني بين أوروبا، ودول المنشأ الرئيسية حول كيفية تنظيم الهجرة بطريقة أكثر أمانًا، بدلاً من محاولة منعها تمامًا.

تجاهلت هذه الاتهامات، دور الأنظمة العربية التي لم تتم محاسبتها على عدم بذل المزيد من الجهد لتعزيز التنمية الاقتصادية، وتضييق الخناق على المتاجرين بالبشر في الداخل.

في المقابل، تقول الحكومات الأوروبية إنها لن تتسامح بعد الآن مع وصول مئات الآلاف من المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتخطط لتشريع إجراءات أكثر صرامة بشأن الهجرة.

هذه الخطوة تمثل إلى حد ما مغايرة واضحة، لانتقاد القادة الأوروبيين في 2015، قيام رئيس الوزراء المجري القومي المتطرف فيكتور أوربان، ببناء الأسوار والأسلاك الشائكة على طول الحدود الجنوبية لبلاده.

ووفق التحليل، يمكن القول إن نهجهم اليوم مشابه لتلك التي أدانوها ذات مرة.

ظهرت الهجرة الجماعية كما نعرفها اليوم في القرن التاسع عشر، في وقت أدى فيه النقل الآلي والاستيطان الاستعماري وتوسع الولايات المتحدة إلى نوع من ثورة الهجرة.

واستمرت هذه الظاهرة لعقود من الزمن دون اضطراب كبير، لكن الأمور بدأت تتغير في بداية القرن العشرين، عندما تبنت الولايات المتحدة ودول أخرى نهجًا أكثر صرامة لمن يُسمح له بعبور حدودها.

وفي أوروبا، أدت الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية إلى أول أزمة لاجئين في القارة.

وهدأت الحركة الجماهيرية للناس بعد سنوات بسبب الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التي سببتها الحرب العالمية الثانية.

ولكن بما أن دول أوروبا الغربية شهدت فترة ازدهار عام بين عامي 1950 و1973، فقد أصبحت وجهات رئيسية للمهاجرين، خاصة من شمال أفريقيا وأوروبا الشرقية وتركيا.

كما أدى انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 واندلاع الحروب في يوغوسلافيا إلى مزيد من التقلبات السكانية في أوروبا.

ولاحقا، تسبب غزو العراق عام 2003، وبداية الحرب السورية عام 2011، والركود الاقتصادي الواسع النطاق، وفشل خطط التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى المزيد من موجات الهجرة الجماعية الشرعية وغير الشرعية.

يشار إلى أنه عندما اندلعت انتفاضات الربيع العربي منذ أكثر من عقد من الزمان، ندد المتظاهرون بتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلدانهم ودعوا إلى الحرية والعدالة الاجتماعية واحترام كرامة الإنسان.

ففي معظم الدول العربية، هناك نقص في فرص العمل للشباب، كما أن المياه والكهرباء شحيحة، والأدوية باهظة الثمن وليست في متناول معظم المواطنين.

قد تختلف درجة افتقار الدول العربية إلى هذه العناصر الأساسية للحياة الكريمة اختلافًا طفيفًا حسب ظروفها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، لكن ما يوحدها هو انتشار الأنظمة الديكتاتورية والفساد المالي والإداري وسرقة الموارد المالية من قبل الطبقة الحاكمة، وفق التحليل.

وفي ظل هذه الظروف، وقع العديد من مواطني العالم العربي فريسة للمهربين الذين يعدونهم بحياة مريحة في بلدان شمال وغرب أوروبا.

وعندما عُرض عليهم الاختيار بين تحمل مصاعب بلدانهم الأصلية وعبور البحر الأبيض المتوسط في قوارب مزدحمة للوصول إلى أوروبا، اختار الكثيرون الخيار الثاني.

لقد خاطروا بحياتهم ومدخراتهم للحصول على فرصة لحياة أفضل ، مع العلم أن الرحلة يمكن أن تنتهي في قاع البحر.

وجاء قرارهم في جزء منه نتيجة للتخلي عن الدور المجتمعي للنخب المثقفة في نشر المعرفة السياسية، وترك فبلادهم تحت رحمة الحكام القمعيين الذين يخدمون مصالحهم الذاتية والذين يسيطرون على النظام السياسي.

وتعاني هذه المجتمعات من عدم الكفاءة السياسية الكاملة والتفكك الاجتماعي والفقر واللامبالاة.

ويلخص الوضع في مصر الظروف السائدة في معظم الدول العربية غير الغنية بالنفط في المنطقة، حيث لم يعد المواطنون قادرين على مواكبة ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

وفي السنوات العشر التي تلت الانقلاب العسكري الذي أوصل عبدالفتاح السيسي إلى السلطة، انتشر الفقر، حتى أن معظم أفراد الطبقة الوسطى سقطوا تحت خط الفقر.

ويشير العديد من المصريين الآن إلى السنوات التي انقضت منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013 على أنها "العقد الأسود".

كما لعب الدين أيضًا دورًا في قرار المهاجرين العرب الفرار إلى أوروبا.

ويحث الإسلام الناس على البحث عن الرزق أينما وجدوا، بينما يكرر رجال الدين في كثير من الأحيان آية في القرآن تقول إن الله قد صمم العالم للمؤمنين للاستقرار والسفر لتحسين حياتهم، كما أنهم يرفضون الحدود المعاصرة والقيود المفروضة على السفر، ويشتكون من غياب الإنسانية واستبداد الدولة القومية.

بينما رفضت الدول الغنية بالنفط في مجلس التعاون الخليجي قبول اللاجئين من الدول العربية الشقيقة، فقد استقبلت أوروبا أكثر من مليون مهاجر عن طريق البحر منذ عام 2015، وكذلك مئات الآلاف من المهاجرين الذين دخلوا الاتحاد الأوروبي من البلقان.

وتشير الإحصاءات التي نشرتها منظمة "العفو الدولية" ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين، إلى أنه في السنوات الثلاث الأولى من الحرب السورية، استقبلت الدول الأوروبية 400 ألف لاجئ، مثلت ألمانيا والسويد نصف الوافدين، بينما استقبلت دول مجلس التعاون الخليجي 24 فقط.

وبرر معلق سياسي من الكويت، رفض حكومات دول مجلس التعاون الترحيب باللاجئين السوريين بالقول إن "تكلفة المعيشة في دول الخليج مرتفعة للغاية بالنسبة لهم".

وأضاف رافضا الكشف عن هويته، أن هذه الدول لا يمكنها استيعاب المهاجرين المضطربين نفسياً والمصابين بصدمات نفسية.

وفي عام 2015، تسارعت وتيرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث وصل معظم اللاجئين من سوريا والعراق عبر شبه جزيرة البلقان.

وتوسع الاتجاه لاحقًا ليشمل المهاجرين من شمال أفريقيا الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في قوارب مزدحمة سيئة التجهيز.

وغرق ما لا يقل عن 26000 مهاجر في البحر الأبيض المتوسط بين عامي 2014 و2022.

وعلى مدار العامين الماضيين، لقي 64 طفلاً حتفهم عندما غرقت سفن المهاجرين الخاصة بهم. (لا يشمل هذا الرقم الأطفال الذين لقوا حتفهم في القارب المنكوب قبالة اليونان).

وخلال العام الماضي، وصل 1832 طفلًا تونسيًا إلى إيطاليا عن طريق البحر غير مصحوبين بأحد أفراد الأسرة.

وتقول السلطات المحلية في العديد من دول جنوب البحر المتوسط، خاصة لبنان وليبيا وتونس، إنها تجد صعوبة في اعتراض أو إنقاذ سفن المهاجرين بسبب نقص المعدات.

ومع ذلك، هناك مؤشرات على أن قوات الأمن تتجاهل فعليًا عمليات التهريب لأنها تتلقى رشاوى من المهربين، الذين يتقاضون ما بين 4000 دولار و7000 دولار لكل راكب.

في عام 2022، بلغ عدد حالات العبور غير النظامية للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي التي اكتشفتها وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي 330 ألفًا، وهو أعلى إجمالي منذ عام 2016.

ولم تعد الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا مقتصرة على الشباب، حيث أرسلت بعض العائلات أطفالها القصر وحدهم في رحلات محفوفة بالمخاطر ومرعبة للاستفادة من قوانين لم شمل الأسرة التي لدى العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وخلال العام الماضي، أصرت الحكومة التونسية على إعادة فتاة تبلغ من العمر 4 سنوات إلى تونس بعد وصولها إلى إيطاليا على متن قارب مهاجرين بدون عائلتها.

وقضت المحاكم الإيطالية بإمكانية إعادتها إلى وطنها بعد أن تعهدت الحكومة التونسية بتقديم المساعدة الاجتماعية لها.

وكان قرار استعادة الطفل خطوة سياسية من قبل الحكومة التونسية، التي أحرجت من حقيقة أن العديد من نشطاء حقوق الإنسان الإيطاليين طالبوا ببقاء الطفل في إيطاليا.

وأمام ذلك كله، يشير التحليل إلى أن تعاطي الإعلام العربي مع حادث الغرق، ويقول: "الطريقة التي عرضت بها وسائل الإعلام العربية قضية الهجرة، مقيدة برؤية القيادة العربية التي لها مصلحة في إلقاء اللوم على الآخرين".

ويضيف: "هذا لا يعني أن أوروبا لا تستحق أي مسؤولية عن المشكلة، ولكن العبء لا يجب أن يقع على عاتق الدول الأوروبية فقط لاستيعاب المهاجرين الذين يختارون أو يضطرون إلى المغادرة".

ويضيف: "لا يمكن للمجتمعات العربية أن تتطور بدون إعلام مستقل لمساءلة النخبة الحاكمة ومحاسبتها. من المسلم به أن الترويج لوسائل الإعلام الإعلامية أمر صعب وخطير، ولكن بدونها لا أمل للعرب في مستقبل واعد".

كل هذا، حسب التحليل، يثير القضية الأوسع نطاقا، فلا يمكن للدول العربية أن تستمر في نقل مشاكلها الاقتصادية إلى أوروبا.

ويختتم: "عندما يتوقف المهاجرون عن الفرار إلى أوروبا بشكل جماعي، فإن القضايا الداخلية في هذه البلدان سوف تتضخم وقد تؤدي إلى الانهيار، وهو كا يستوجب حلا من قادة هذه الدول العربية والأفريقية".

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الهجرة البحر المتوسط هجرة غير شرعية أوروبا الحكام العرب