أزمة فاجنر تصعد مخاطر الاشتباكات العسكرية بين روسيا وأمريكا بالشرق الأوسط

الأحد 2 يوليو 2023 08:40 م

بينما بدأت الأمور تهدأ في أعقاب المواجهة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم مجموعة "فاجنر" يفجيني بريغوزين، فإن تلك الأزمة العسكرية المحلية الروسية قد يكون لها تداعيات وخيمة على منطقة الشرق الأوسط.

ووفق تحليل مطول نشرته آنا بورشيفسكايا في موقع معهد واشنطن، فإن تداعيات أزمة فاجنر وموسكو قد تؤدي إلى تصاعد مخاطر الاشتباكات العسكرية بين القوات الأمريكية والروسية في الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا.

وأوضحت أنه على الرغم من عدم تأثر الانتشار الروسي إلى حد كبير حتى الآن في الشرق الأوسط، لكن يبدو أن أزمة بوتين وبريغوزين قد دفعت السيطرة العملياتية العسكرية باتجاه وزارة الدفاع الروسية؛ مما يعقّد أو يعيق بشكل كبير قدرة روسيا على إنكار أنشطتها على نحو مقنع في مناطق النزاع الإقليمية مثل سوريا وليبيا.

وعقبت بورشيفسكايا أن من شأن هذا جعل المواجهات بين القوات الأمريكية والروسية أكثر ترجيحاً في الأشهر المقبلة.

وظهرت قوات فاجنر للمرة الأولى في سوريا حوالي عام 2017، كما نشطت في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو ومالي ومدغشقر، ومؤخراً، لعبت دوراً رئيسياً في السودان.

التداعيات على سوريا

وقالت بورشيفسكايا إن تداعيات الأزمة بدأت تظهر في سوريا، مع صدور تقارير متعددة عن حدوث توترات ومواجهات بدأت بين "فاجنر" وموظفي وزارة الدفاع.

وذكرت أن القوات الروسية اعتقلت بعض القادة التابعين لفاجنر وداهمت مكاتب المجموعة في أنحاء متفرقة من سوريا.

وفي غضون ذلك، التقى نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي فيرشينين، بالرئيس السوري بشار الأسد في 26 يونيو/حزيران، وحثه وفقاً لبعض التقارير على منع قوات المجموعة من مغادرة البلاد من دون موافقة وزارة الدفاع.

وبينت أنه على ما يبدو، تم سحب بعض أفراد فاجنر إلى مركز العمليات الروسي في قاعدة حميميم الجوية في غرب سوريا.

مصير الأسلحة الثقيلة

ومع ذلك، لا يزال الوضع العام هادئاً، ولا تزال فاجنر منتشرة في المناطق الغنية بالموارد؛ حيث تسيطر قوات الأسد ظاهرياً ولكنها تعتمد على المساعدة من وحدات الجيش والشرطة الروسية.

وتشمل هذه المناطق أكبر حقول الغاز الطبيعي والنفط في سوريا (الشاعر والمهر وجزال وحيان)، حيث تشير بعض التقارير إلى أن فاجنر استخدمت شركة وهمية تُدعى "إيفرو بوليس" للحصول على ما يصل إلى ربع أرباح الإنتاج.

ويبدو أن نظام الأسد منح فاجنر هذه الحصة لأن المجموعة استعادت السيطرة على الحقول من تنظيم "الدولة الإسلامية" واستمرت في حمايتها من غارات المعارضة.

ومن شأن أي تغييرات في هذا الترتيب كشف الكثير عن ميزان السيطرة الروسية في سوريا.

وتُطرح أسئلة مهمة أيضاً حول مصير الأسلحة الثقيلة التابعة لفاجنر في سوريا، والتي تشمل الدبابات والمدرعات الأخرى وقاذفات الصواريخ.

ففي عام 2018، استخدمت فاجنر هذه الأسلحة في محاولة للاستيلاء على معمل غاز "كونوكو" بالقرب من دير الزور، وهي منطقة تستخدم كقاعدة عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية وشركائها الأمريكيين.

وعلى الرغم من صد الهجوم من خلال الضربات الجوية الأمريكية الشرسة، إلا أنه أثار الدهشة حول قدرات فاجنر الهائلة في أنحاء من سوريا يمارس فيها نظام الأسد سيطرة هشة في أحسن الأحوال.

وإذا وجهت أزمة فاجنر الوضعية العسكرية المحلية لروسيا بصورة أكثر حسماً لصالح قوات وزارة الدفاع، فقد يزيد ذلك من تعقيد الجهود الأمريكية الأخيرة لإدارة التحليق العدواني والغارات الوهمية من قبل القوات الروسية في جميع أنحاء شرق سوريا؛ ما قد يزيد من خطر المواجهات المباشرة.

فاجنر الليبي

إذا تغيرت عمليات فاجنر في الخارج، سيكون لذلك تأثير مباشر على أمير الحرب الليبي خليفة حفتر.

فالجنرال الذي يتخذ شرق البلاد مقراً له يحظى بحماية شخصية من قوات فاجنر، كما تبين عندما أسقطت هذه القوات طائرة أمريكية بدون طيار من طراز "إم كيو-9" بمحيطه في أغسطس/آب الماضي (كانت الطائرة المسيّرة تقوم بأعمال المراقبة قبل زيارة مخططة للمبعوث الأمريكي الخاص).

كما تساعد المجموعة حفتر في الإبقاء على سيطرته على منطقة النفط الرئيسية في ليبيا، حيث يهدد حلفاؤه السياسيون مجدداً بفرض حصار كوسيلة ضغط على "حكومة الوحدة الوطنية" التي تتخذ من طرابلس مقراً لها.

بالإضافة إلى ذلك، تحتل فاجنر قاعدة الجفرة الجوية الاستراتيجية في وسط ليبيا، وتستخدمها كمركز لوجستي لعملياتها في أفريقيا (على سبيل المثال، إرسال الأسلحة والوقود إلى حميدتي في السودان).

فرصة واشنطن

إذا كانت أزمة هذا الأسبوع بين فاجنر والجيش الروسي ستؤدي إلى دمج قدرات المجموعة في سوريا ضمن عمليات وزارة الدفاع الروسية، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يراقبوا عن كثب كيف يمكن أن يؤثر ذلك على عمليات الانتشار المحلية ووضعية القوة الخاصة بروسيا.

وفي ليبيا، لا يمكن لروسيا الحفاظ على وجودها ما لم تقم بإدارة الفضاء السياسي بحنكة، ولكن إذا قامت بدمج قوات فاجنر ضمن وزارة الدفاع، فلن تكون قادرة على إنكار نشاطها في ليبيا.

ولن يكون لنشر قوات وزارة الدفاع الرسمية في ليبيا تداعيات دولية فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى تأجيج المعارضة الشعبية في ليبيا؛ نظراً لأنه نادراً ما يمكن رؤية عناصر روس هناك اليوم.

وفي كلتا الحالتين، لدى واشنطن فرصة للتصدي للأنشطة الروسية المزعزعة للاستقرار في ليبيا بعدة طرق، وذلك: من خلال تشجيع الأصوات المحلية على معالجة الضرر الذي ألحقته مجموعة فاجنر والكيانات الروسية الأخرى ببلادهم؛ ومن خلال دراسة خطوات للحد من وصول روسيا إلى قاعدة الجفرة الجوية، مثل العمل مع الشركاء الإقليميين و"حكومة الوحدة الوطنية" لإغلاق مجالها الجوي؛ ومن خلال إعادة إحياء نهج واقعي للتشجيع على إجراء انتخابات نزيهة.

عقوبات غير كافية

وعلى نطاق أوسع، يمكن أن تؤثر هذه الإجراءات على أنشطة موسكو في أنحاء أخرى من أفريقيا أيضاً.

ولكن، حتى لو أدت أزمة هذا الأسبوع على ما يبدو إلى إضعاف كل من بوتين ووزارة الدفاع الروسية وبريغوزين، إلّا أنه لم يُسجَل تغيير ملحوظ في وضع روسيا ومكانتها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا حتى الآن، وقد لا يُسجَل أي تغيير وشيك.

فموسكو استثمرت بكثافة في فاجنر لسنوات، وسيكون من الصعب استبدال وجودها في الخارج ببساطة على المدى القصير.

ويتمثل السيناريو الأكثر ترجيحاً بتطور مجموعة فاجنر وغيرها من الشركات العسكرية الروسية الخاصة بدلاً من زوالها.

ومع ذلك، لا يزال بإمكان صانعي السياسات الأمريكيين الاستفادة من الفوضى الحالية والبحث عن طرق للحد من نفوذ فاجنر الخارجي.

ويجب أن تذهب هذه الجهود إلى ما هو أبعد من العقوبات الحالية، التي لم يكن لها سوى تأثير محدود على أنشطة المجموعة الإجرامية والمزعزعة للاستقرار.

المصدر | الخليج الجديد + معهد واشنطن

  كلمات مفتاحية

أزمة فاجنر روسيا سوريا تداعيات أزمة فاجنر

أيهما أسهل لبوتين.. استبدال فاجنر في سوريا أم أفريقيا؟