استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كيسنجر وإيلزبرغ: كلاهما أمريكى!

الأربعاء 5 يوليو 2023 05:58 ص

كيسنجر وإيلزبرغ: كلاهما أمريكى!

القاصى والدانى خارج أمريكا يعرف كيسنجر أما إيلزبرغ فمن ذا الذى يتذكر دوره فى وقف محنة الفيتناميين، ثم فى الدفاع عن غيرهم من شعوب العالم؟!

كان كيسنجر شخصيًا وراء ملاحقة إيلزبرغ خوفًا من أن تكون بحوزته وثائق تدينه شخصيًا وطالب رجاله «بتدمير» إيلزبرغ، «ولا يهمنى كيف ستدمرونه».

كيسنجر مهندس السياسة الخارجية فى عهدي نيكسون وفورد، ومسؤول مباشر عن جرائم بالجملة ارتُكبت بآسيا وأمريكا اللاتينية، منها قلب نظم حكم ديمقراطية.

قضى إيلزبرغ عامين بفيتنام ورأى أعدادا هائلة يُقتلون بالقصف الأمريكى حتى بفيتنام الجنوبية حليفة أمريكا، فكان التحول فى حياته، إذ أدرك أن ما يجري عدوان بلا منتصر.

بسبب فضيحة «ووترغيت»، أُجبر نيكسون على الاستقالة. أما كيسنجر فلم يُحاسب أبدًا لا على ما فعله بإيلزبرغ ولا على غيره، ولايزال يُدلى بدلوه ويحتل مكانة رفيعة!

كيسنجر وسع حرب فيتنام بغزو كمبوديا، فراح ضحيتها أكثر من 150 ألف مدنى كمبودى، وأدى هذا لوصول الخمير الحمر للحكم ونفذوا مذابح جماعية قُتل فيها 2 مليون كمبودي.

* * *

أمريكيان مختلفان كالليل والنهار. أحدهما ملء السمع والبصر، والآخر يعرفه القليلون فقط. والذى ملء السمع والبصر هو هنرى كيسنجر، مستشار الأمن القومى ووزير الخارجية فى عهدى نيكسون وفورد، الذى بلغ المائة من العمر منذ أسابيع.

أما الثانى فهو دانيال إيلزبرغ، المحلل العسكرى، وأحد تلامذة وزير الدفاع الأمريكى الأسبق روبرت ماكنمارا، والذى فجّر فضيحة «أوراق البنتاغون»، وتوفى منذ أسابيع عن عمر يناهز 92 عامًا.

وكيسنجر، لايزال، حتى اليوم، له كلمة مسموعة فى سياسة بلاده الخارجية، ويتبوأ مكانة رفيعة بأوساط النخب العالمية، وليس فقط النخبة فى بلاده. وهو كان مهندس السياسة الخارجية فى عهدي نيكسون وفورد، ومسؤولًا بشكل مباشر عن جرائم بالجملة ارتُكبت، خصوصًا بآسيا وأمريكا اللاتينية، منها قلب نظم حكم ديمقراطية بدعوى شيوعيتها.

فهو كان مثلًا وراء الإطاحة بحكومة أليندى فى تشيلى، وكان دوره محوريًا فيما عُرف بـ«عملية كوندور» بأمريكا اللاتينية، والتى تحالفت فيها نظم حكم يمينية، بدعم أمريكى، لاغتيال معارضيها ممن سمتهم الشيوعيين.

وكيسنجر هو أيضًا الذى أعطى الأوامر بتوسيع نطاق حرب فيتنام سرًا لتشمل كمبوديا، فراح ضحيتها أكثر من 150 ألف مدنى كمبودى، وقد سمح الدور الأمريكى هذا بوصول أكثر فصائل الخمير الحمر دموية إلى الحكم، والتى نفذت مذابح جماعية قُتل فيها حوالى 2 مليون مدنى آخر.

أما دانيال إيلزبرغ، خريج هارفارد، فقد انضم للبحرية مؤمنًا بضرورة «مقاومة الشيوعية»، وعمل محللًا عسكريًا بمؤسسة راند، ثم مع وزير الدفاع ماكنمارا. لكن إيلزبرغ قضى لاحقًا عامين بفيتنام، فرأى بعينه الأعداد الهائلة من المدنيين يُقتلون بالقصف الأمريكى حتى فى فيتنام الجنوبية التى كانت أمريكا تدعمها ضد الشمال، فكان التحول الراديكالى فى حياته، إذ أدرك أن ما يجرى عدوان وبلا منتصر.

وحين عاد لواشنطن سعى من خلال موقعه لإقناع رؤسائه بوقف الحرب دون جدوى. وقد اطّلع، بحكم عمله، على وثائق سرية للبنتاغون تكشف حجم الخداع والكذب الذى مارسته السلطات على الشعب بخصوص الحرب، فتواصل مع أعضاء الكونغرس دون جدوى، فسلم الوثائق لعشرات الصحف فنشرتها تباعًا.

وقد كان كيسنجر شخصيًا وراء ملاحقة إيلزبرغ خوفًا من أن تكون فى حوزته وثائق تدينه شخصيًا، وطالب رجاله «بتدمير» إيلزبرغ، «ولا يهمنى كيف ستدمرونه»، على حد تعبيره.

وقد حُكم على إيلزبرغ بالسجن أكثر من مائة عام. لكن ما هى إلا شهور وكانت فضيحة «ووترجيت» قد كشفت، ضمن ما كشفت، عن التجسس على إيلزبرغ، بل وعن اقتحام مكتب طبيبه النفسى أملًا فى أن يكشف ملف إيلزبرغ الطبى عما يدينه.

واقتحام مكتب الطبيب كان، بالمناسبة، بأمر كيسنجر شخصيًا، ومثل النسخة المبكرة لاقتحام مقر الحزب الديمقراطى والمعروفة بفضيحة «ووترغيت».

ولأن تلك كلها أفعال يُجرمها القانون، كانت النتيجة إصدار القضاء أمرًا بالعفو عن إيلزبرغ. وبسبب فضيحة «ووترغيت»، أُجبر نيكسون على الاستقالة. أما كيسنجر فلم يُحاسب أبدًا لا على ما فعله بإيلزبرغ ولا على غيره، ولايزال يُدلى بدلوه ويحتل مكانة رفيعة!

أما إيلزبرغ فمنذ أن برأه القضاء وحتى وفاته، كرس حياته لرفض الطابع الإمبراطورى لسياسة بلاده وحروبها اللانهائية بالخارج، والتى كانت كمبوديا، بالمناسبة، أول بروفة عملية لها. وإيلزبرغ ظل يسلط الأضواء لا على الضحايا الأمريكيين وحدهم وإنما على الضحايا من غير الأمريكيين.

أفهم أن يحظى كيسنجر بتلك المكانة ببلاده بينما يتم تجاهل إيلزبرغ. لكن الجدير بالتأمل أن القاصى والدانى خارج أمريكا يعرف كيسنجر. أما إيلزبرغ فمن ذا الذى يتذكر دوره فى وقف محنة الفيتناميين، ثم فى الدفاع عن غيرهم من شعوب العالم؟!

*منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي

المصدر | المصري اليوم

  كلمات مفتاحية

أمريكا نيكسون كيسنجر إيلزبرغ فيتنام كمبوديا ووترغيت جرائم أوراق البنتاغون وثائق سرية