استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حيرة رئيس وذهول شعب ومستقبل غامض!

الأربعاء 12 يوليو 2023 12:54 م

حيرة رئيس وذهول شعب ومستقبل غامض

تونس تورطت بشكل عميق في الشرَك الأفريقي، والقادم قد يحمل الأسوأ إذا لم تتدارك السلطة أمرها، وتتخلى عن الارتجال والعشوائية!

سأل الرئيس كيف دخل المهاجرون البلاد وتجاوزوا الحدود؟ ومن وجههم نحو صفاقس؟ أسئلة يفترض أن يكون رئيس البلاد المؤهل الوحيد للإجابة عنها!

زعمت الرئاسة التونسية وجود مخطط لتوطين المهاجرين في تونس وتغيير الخريطة السكانية والهوية الدينية والثقافية للبلاد وكان بمثابة زلزال غيّر نظرة التونسيين تجاه الأفارقة.

تعيش تونس مأزقا سياسيا واجتماعيا، ولم تهتد رئاستها إلى حل يعيد الاطمئنان لمواطنيها ويؤمّن الرجال والنساء والأطفال الذين يعيشون حاليا فيها؛ وتحت رعايتها ومسؤولة عنهم.

* * *

تؤكد المؤشرات المتتالية أن تونس تورطت بشكل عميق في الشرَك الأفريقي، وأن القادم قد يحمل في طياته الأسوأ إذا لم تتدارك السلطة أمرها، وتتخلى عن الارتجال والقرارات العشوائية.

لقد تحول تدفق المهاجرين القادمين من مختلف الدول الأفريقية إلى معضلة حقيقية، وأصبحت، إلى جانب فقدان المواد الأساسية، إلى هاجس يشغل التونسيين، ويدفع بهم نحو التفكير في سيناريوهات مرعبة ومضخمة كثيرا.

وهو ما انعكس مباشرة على علاقتهم بالمهاجرين الأفارقة، ووسع الفجوة بين الطرفين إلى حد الخوف المتبادل، وإظهار العداء، والكشف عن مشاعر التمييز والكراهية أحيانا.

لم يسبق أن ساءت صورة تونس لدى الأوساط الأفريقية مثلما يحصل الآن. وأسباب ذلك عديدة، من بينها سوء إدارة الملف من قبل مؤسسة رئاسة الجمهورية. حدث ذلك عندما أعلمت التونسيين عن وجود مخطط لتوطين هؤلاء في تونس، عبر تغيير الخريطة السكانية والهوية الدينية والثقافية للبلاد.

وهو تصريح خطير كان بمثابة الزلزال، على إثره مباشرة تغيرت نظرة التونسيين تجاه عموم الأفارقة المقيمين والنازحين، وهيمن عليهم خوف من الضياع والابتلاع من "غزو" قادم.

الخطأ الثاني الذي تم ارتكابه في هذا السياق، والذي تأسس على الخطأ السابق، الإعلان الذي تم توقيعه مع الوفد الثلاثي الأوروبي من أجل إقامة جدار لمنع المهاجرين غير النظاميين، أي إجبارهم على العودة إلى بلدانهم التي غادروها مشيا على الأقدام، وإن كانت النسبة المتوقعة ستكون دون ما يأمل فيه الأوروبيون..

أو الخيار الثالث المنتظر وهو محاولة تجميعهم داخل محتشدات، ما يؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وفي كل الحالات ستنشط بشكل كبير شبكات تهريب البشر، وسترتفع كلفة التهريب وتجاوز الحدود.

ما اقترحه الرئيس قيس سعيد قد يساعد على حلحلة الوضع بشكل جزئي، لقد سبق أن دعا إلى عقد مؤتمر تُدعى إليه جميع الحكومات والأطراف المعنية بملف الهجرة الأفريقية.

لكن المشكلة تتجاوز شكل هذا المؤتمر والبلد الذي سيستضيفه وتقدير كلفته المالية، إنما ستكمن الصعوبة في التوافق على حلول جماعية، يتقاسم فيها الجميع المسؤوليات والأدوار؛ لأن الأزمة شاملة، ولأن الحكومات الأفريقية لم تعد قادرة على معالجة المشاكل التي تعاني منها شعوبها.

العجز السياسي والمالي والإداري يزداد في أفريقيا رغم ثرواتها العديدة، فهناك تقديرات تؤكد أن السنوات العشرين القادمة ستشهد بالضرورة هجرة ما لا يقل عن عشرين مليون شخص من القارة الأفريقية نحو مناطق أخرى من العالم.

في الأثناء هناك أخلاقيات لا يجوز التغافل عنها، هناك حشد بشري جائع، لا يملكون مدخرات تكفيهم لمواجهة العطش والجوع، ولا توجد مساكن تؤويهم وتقيهم من تقلبات الطقس، بشر يعيشون في العراء، ويفترشون الحدائق العمومية، وينتظرون "حلولا" قد لا تتوفر في وقت مناسب.

إنه وضع بدون أفق وبدون ضمانات، حتى الأوروبيون يسوّقون لحلول مؤقتة لكنها غير جذرية رغم أنهم جزء من المشكلة وسبب رئيس في خلقها. هذا ليس ادعاء باطلا، حقائق التاريخ تؤكد ذلك.

فقبل أشهر قليلة شنت رئيسة الحكومة الإيطالية ذات التوجه الفاشي حملة شرسة ضد الرئيس الفرنسي ماكرون، وذكّرته بأن فرنسا بسياستها الاستعمارية وهيمنتها الاقتصادية والمالية هي التي أفقرت مستعمراتها السابقة وتسببت في هجرة الآلاف من الأفارقة الذين يتجهون حاليا نحو إيطاليا.

لكن السيدة ميلوني تعمدت عدم ذكر ما قامت به حكومة موسيليني الفاشية من تدمير المدن والقرى الليبية، وإقدامها على شنق الشيخ المناضل عمر المختار حتى تضمن هيمنتها المطلقة على ليبيا.

تعيش تونس مأزقا سياسيا واجتماعيا، ولم تهتد رئاستها إلى حل يعيد الاطمئنان إلى مواطنيها، ومن جهة أخرى يؤمّن الرجال والنساء والأطفال الذين يعيشون حاليا فوق أراضيها؛ الذين أصبحوا قانونيا وأخلاقيا تحت رعايتها ومسؤولة عنهم.

لهذا اختار الرئيس سعيد أن يؤجل التوقيع النهائي على العقد الذي استهواه في البداية مع المجلس الأوروبي، عساه يهتدي إلى رأي أكثر نجاعة، أو على الأقل يربح الوقت في انتظار أن تحصل معجزة.

في الأثناء يعيش الشارع التونسي حالة نفسية صعبة بعد أن وجه له رئيس البلاد أسئلة صعبة ومحيرة؛ سأله كيف دخل هؤلاء المهاجرون البلاد وتجاوزوا الحدود؟ ومن الذي وجههم نحو مدينة صفاقس؟ أسئلة يفترض أن يكون رئيس البلاد المؤهل الوحيد للإجابة عنها!!

*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني

المصدر | عربي21

  كلمات مفتاحية

تونس أفريقيا صفاقس الهجرة أفارقة أوروبا قيس سعيد توطين المهاجرين الخريطة السكانية الهوية الدينية والثقافية