ليس الحوثيون ولا الحكومة.. سلام اليمن يحتاج لإرياني جديد من القوة الثالثة  

الجمعة 14 يوليو 2023 07:09 م

رأي آشر أركابي الباحث والمحاضر في محاضر في جامعة هارفارد، أن تحقيق السلام في اليمن في الوقت الحالي يحتاج إلى شخصية مثل الرئيس عبدالرحمن الإرياني والقوة الثالثة وليس جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء ولا الحكومة الي تسيطر على عدة محافظات أخرى أبرزها حضرموت (شرق).

وذكر أركابي في تحليل نشره مركز فورين أفيرز أن الحوثيين والحكومة هما الطرفين الرئيسين في الحرب الممتدة منذ 8 سنوات، ويتم دعوتهما حصريا للمفاوضات، لكن لا يزال من غير الواضح إذا كان بإمكانهما إحراز مزيد من التقدم الجوهري صوب التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.

ولفت إلى أن الجانبين كافحا لإبرام اتفاقات بشأن تبادل الأسرى والقتلى، ولا يمتلكان شرعية ولا شعبية كبيرة وكليهما يرتهنان للخارج.

القوة الثالثة

ووفق أركابي فليست هذه هي المرة الأولي التي تقع فيها اليمن بين فصيلين بالمواصفات السابقة، مستشهدا بفترة الستينيات التي شهدت اندلاع حرب أهلية مماثلة في أعقاب تأسيس الجمهورية اليمنية.

وأوضح أن إنهاء سنوات من العنف، وإنشاء إدارة تسوية مستقرة تتمتع بشرعية شعبية تطلب في حينها ظهور طرف ثالث تمثل في القوة الثالثة.

بعد إطاحة ثوار اليمن في 1962، بإمام الزيدية الشيعية المهيمنة على البلاد منذ قرون؛ لتأسيس الجمهورية العربية اليمنية، واجه الثوار معارضة مسلحة من قبل موالين للإمام ووجدوا أنفسهم في غير قادرين على الدفاع عن الجمهورية الوليدة بمفردهم.

ناشد القادة الثوار الحكومة المصرية لأجل المساعدة، فيما أرسلت القاهرة في النهاية 70 ألف جندي وثلث قواتها الجوية.

في المقابل سعت المعارضة للحصول على دعم من الجارة السعودية، التي كانت تخشى من وجود ناصر المزعزع للاستقرار في شبه الجزيرة العربية.

وسط هذا التدخل المتزايد في البلاد من قبل قوى أجنبية، أصيب العديد من اليمنيين بخيبة أمل من الجمهورية والمعارضة الشمالية.

وعندما أصبح الطرفان تحت سيطرة القوى الإقليمية، فقد كلاهما القدرة حتى عن ملامسة احتياجات السكان. ونتيجة لذلك، وبحلول عام 1965، بدأت حركة معارضة سياسية صغيرة ولكنها متنامية، تُعرف باسم القوة الثالثة، في الظهور داخل الجمهورية اليمنية.

كان مؤيدو القوة الثالثة مدفوعين بالرغبة في زيادة الحكم الذاتي اليمني وإنهاء التدخل الخارجي في البلاد، وتم اعتقال عدد منهم من قبل نظام عبدالناصر بعد دعوتهم للتفاوض في القاهرة.

لكن بعد شهر من موافقة مصر والسعودية على إنهاء الأعمال القتالية والانسحاب من اليمن في عام 1967، أفرج عبدالناصر عن المفاوضين اليمنيين وبينهم عدد من القوة الثالثة.

وبعد عودته إلى صنعاء في 1970، نجحوا في الإطاحة بالقيادة الثورية الموالية لمصر، وعينوا الفقيه الإسلامي المرموق عبد الرحمن الإرياني رئيسا للجمهورية.

وبحلول نهاية شهر نوفمبر/ تشرين ثان من ذات العام، تم سحب آخر جندي مصري من اليمن، تاركا الجمهورية في أيدي القوة الثالثة.

وعقب الخروج منتصرا من حصار ممتد على العاصمة، أعلن الإرياني انتصار الجمهورية وتفاوض على حل وسط مع المجموعات الشمالية، التي مُنحت تمثيلا متساويا في الجمعية الوطنية والمؤسسات الجمهورية الأخرى.

وضع مشابه للستينيات

بعد مرور خمسين عاما انتصار الإرياني، وجد اليمن نفسه في وضع مشابه بشكل ملحوظ للوضع في مرحلة الستينيات.

إذ تقاتل مرة أخرى حكومة جمهورية معارضة قبلية شمالية (الحوثيين) في ساحة المعركة، وعلى الرغم من اختلاف الحلفاء، فإن كل جانب مدعوم من قبل قوى خارجية.

ويواجه المتحاربون أيضا العديد من التحديات السياسية نفسها التي واجهها أسلافهم قبل 50 عاما.

وكما كان الحال مع الحكومة الثورية المدعومة من مصر وخصمها المدعوم من السعودية في الستينيات، عقب سنوات من القتال، لم تتمكن الحكومة اليمنية الحالية في المنفى ولا جماعة الحوثيين المتمردة من تحقيق نصر حاسم.

وكلاهما ملوث بتورطهما مع قوى إقليمية ويفتقران إلى الشرعية الحاكمة الكافية لقيادة سلام دائم.

وعلى الرغم من أوجه القصور هذه، فإن الجانبين هما الوحيدان اللذان تمت دعوتهما إلى طاولة مفاوضات الأمم المتحدة، ونتيجة لذلك، لم تحرز المحادثات أي تقدم تقريبا.

ويتم حاليا تجاهل درس القوة الثالثة وأهمية تضمين المجموعات التي تمثل بشكل وثيق مصالح واهتمامات السكان في هذا المأزق.

جهات وشخصيات أصغر

في الواقع، هناك عدد من الجهات السياسية اليمنية الأصغر اليوم مستقلة عن كلا الجانبين ويمكن أن تكون بمثابة أصوات حاسمة في الانتقال من الحرب إلى السلام.

ففي أبريل/نيسان 2022، وفي محاولة لالتقاط بعض أصوات هذه الأقليات في المشهد السياسي اليمني، عينت السعودية مجلس قيادة رئاسي من ثمانية أعضاء، ضم 4 شخصيات يمنية محلية بارزة.

لكن المجلس فشل في إنتاج قيادة موحدة، وإذا كان هناك أي شيء، فقد تسبب في مزيد من الاقتتال الداخلي بين الفصائل المتناحرة، الذين يستنكرون الحقيقة المؤسفة المتمثلة في أن المملكة لا تزال تسيطر بالكامل على ساسة اليمن في الوقت الذي تحاول فيه صياغة خروج من البلاد يحفظ ماء الوجه.

وكان المسؤول الرئيسي بين المرشحين للحصول على صوت ثالث محتمل في المفاوضات هو المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو أحد أقوى القوى العسكرية والسياسية في البلاد.

وعلى الرغم من أن المجلس لديه أيضا علاقات وثيقة مع قوة خارجية- توفر الإمارات دعما عسكريا وماليا كبيرا- إلا أنه يتمتع بدرجة من الشرعية المحلية التي تفتقر إليها حكومة المنفى اليمنية.

ورفض عيدروس الزبيدي، زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، فكرة سيطرة حكومة الحوثيين على السكان والموارد في جنوب اليمن. كما شدد مرارا بأن بأن الهوية اليمنية لا ينبغي أن تحددها صنعاء وحدها، وأن ممثلي سكان الجنوب يجب أن يكون لهم دور قوي في القيادة الوطنية أيضا.

واعترافا منها بالتأثير السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، أضافت الحكومة السعودية الزبيدي رسميا إلى مجلس القيادة الرئاسي اليمني المشكل في العام الماضي، مما قد يخلق فرصة لمشاركة أكبر للمجلس في المفاوضات.

لكن حتى الآن لم يتم منح المجلس الانتقالي مقعدا على الطاولة. وأثارت العلاقة المالية والعسكرية الوثيقة التي أقامتها الإمارات مع المجلس الانتقالي شكوكا منفصلة حول ما إذا كان الزبيدي يستطيع بالفعل التصرف بشكل مستقل في اليمن.

صوت ثالث آخر محتمل هو فرج سالمين البحسني، محافظ حضرموت شرقي اليمن، والذي تم تعيينه أيضا في مجلس القيادة الرئاسي.

وكانت منطقة حضرموت الصحراوية في شرق اليمن منطقة استقرار نسبي خلال الصراع، حيث استفادت من حكومة حضرمية فاعلة وجيش محلي منظم.

واشتهر الحضرميون منذ قرون بتجارتهم وهجرتهم في المحيط الهندي، ولطالما تمتعوا ببعض الاستقلالية داخل اليمن نائين بأنفسهم عن الاضطرابات السياسية في صنعاء، حتى أن بعض الحضرميين ناقشوا احتمالات انفصال دائم عن الدولة اليمنية.

علاوة على ذلك، باستثناء المساعدات العسكرية من الإمارات، يظل المسؤولون الحضرميون مستقلين نسبيا عن القوى الأجنبية التي تعمل على زعزعة استقرار البلاد، ويمكن أن تكون بمثابة طرف وسط في المفاوضات.

ومع ذلك، هناك احتمال آخر يتمثل في طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي ظهر كواحد من أكثر القادة العسكريين فاعلية في البلاد.

من مقره في مدينة الحديدة الساحلية، يواصل حراس الجمهورية، المكون من فلول وحدات النخبة العسكرية التابعة لعمه، السيطرة على المناطق الساحلية الغربية من البلاد والدفاع ضد المزيد من التوسع الإقليمي للحوثيين.

وقد دعا طارق صالح، وهو نفسه عضو في المجلس الرئاسي، إلى إعادة حزب عمه السياسي القومي، المؤتمر الشعبي العام، الذي يمكن أن يكون بمثابة وسيلة محتملة للتوحيد والمصالحة.

ومع ذلك، فإن اسم عائلة طارق البارز نعمة ونقمة، وقد ساعده ذلك في الاحتفاظ بولاء أنصار عمه، لكنه يعمل أيضا على تذكير الجمهور بقربه من عائلة صالح، المعروفة على نطاق واسع في اليمن بفسادها وإساءة استخدام السلطة.

مصالحة شاملة

كل من هؤلاء القادة المحتملين المذكورين لديه عيوب كبيرة، وقد لا يتمكن أي منهم من تشكيل هذا النوع من الدعم الواسع الذي تمتع به الرئيس الإرياني قبل 50 عاما- كشخص يحظى باحترام متبادل من قبل جميع الأطراف.

وفي ذات الوقت، اعتمد نجاح الإرياني على قدرته على إنهاء الحرب، والإشراف على انسحاب القوات الأجنبية، وتشكيل حكومة تسوية ضمت أعضاء من جميع الأطراف، وتكرار هذا العمل الفذ اليوم يتطلب عدالة ومصالحة تشمل جميع قطاعات القيادة السياسية اليمنية.

ومع ذلك، لدى اليمن فرصة حاسمة للاستفادة من الجماعات التي تتمتع بشرعية شعبية أكبر للعثور على شخص يمكن أن يكون بمثابة مرشح حل وسط.

في نهاية المطاف، سيحتاج أي زعيم فعال في يمن ما بعد الحرب أن يُظهر للسكان أن الحكومة تمثل الشعب وليست مدينةً للقوى الخارجية، التي يجب معالجة ويلاتها.

وحال تحقيق ذلك، ستحتاج السعودية وإيران في النهاية إلى تحمل المسؤولية عن المساهمة في الحرب والأزمة الإنسانية التي أدت إلى مقتل أكثر من 300 ألف يمني- وهي تعويضات يمكن أن تتخذ شكل دعم لإعادة الإعمار بعد الحرب التي تحتاجها البلاد بشدة.ذ

لكن طالما ظلت البلاد ممزقة بين كيانين سياسيين ملوثين ومثيرين للانقسام، لا يمكن أن يحدث أي مما ذكره، وسيأتي في النهاية وقت يتفق فيه الوسطاء والمعتدون والمدنيون أخيرا على أن الوقت قد حان للمضي قدما وإنشاء القوة الثالثة الخاصة بهم.

 

المصدر | آشر أركابي/ فورين أفيرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن القوة الثالثة الحوثيون الحكومة اليمنية

دبلوماسية الحج.. هل تقود إلى إحلال السلام بين التحالف والحوثيين في اليمن؟

قوات مدعومة إماراتيا تحاصر مقر الحكومة اليمنية في عدن.. لماذا؟

اليمن.. حزب الإصلاح يدعو لتوسيع قاعدة الشراكة ويحذر من سلام ملغوم

ماذا لو انتهت حرب اليمن اليوم؟.. 3 تحديات أمام دولة للحوثيين في شماله