تحليل: العراق يتجه مجددا نحو المركزية مع التفكيك التدريجي للفيدرالية

الأحد 16 يوليو 2023 09:55 م

رأت رئيسة برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، مارينا أوتواي، أن العراق يشهد حاليا تفكيكا تدريجيا لإرث إيجابي نادر لاحتلاله من قبل الجيش الأمريكي في 2003 وهو إدخال الفيدرالية.

وزعمت أوتواي التي تناولت في كتاباتها إعادة البناء السياسي في العراق، أن بغداد تعمل حاليا على تقليص الحكم الذاتي لإقليم كردستان، وتحرمه من مصادر دخله المستقلة الرئيسية.

وأشارت في تحليل نشرته بـ"مركز ويلسون" وترجمه "الخليج الجديد" إلى أن الدستور العراقي، الذي لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في كتابته عام 2005، تم طبخه على عجل ولم يحظ بإجماع العراقيين ولهذا ترك العديد من المشاكل بدون حل.

وتابعت أوتواي أنه لهذا ولدت الفيدرالية العراقية مهتزة وغير متكافئة منذ البداية، مع وجود منطقة فيدرالية واحدة فقط، هي كردستان، داخل في دولة مركزية.

ووفق أوتواي، فإن البرلمان العراقي اعتمد قوانين جعلت من الممكن نظريًا تحويل المحافظات الأخرى إلى أقاليم فيدرالية، تتمتع بنفس درجة الحكم الذاتي التي تتمتع بها كردستان.

ولكن عندما اتخذت بعض المقاطعات الخطوة الأولى، حرصت بغداد على عدم استمرار العملية.

وعقبت أنه حتى الحكم الذاتي الذي يتمتع به إقليم كردستان كان دائمًا موضع تحدٍ، حيث تلوح في الأفق عدد من القضايا الرئيسية العالقة.

ورأت أوتواي أن أبرز هذه القضايا هو عدم وضع حدود واضحة بين كردستان وبقية العراق، وعدم تحديد من تم تضمينه في تعداد سكان كردستان، لأن صدام حسين نقل العديد من العرب إلى المنطقة وأراد الأكراد إزالتهم، واستمرار ضعف الاستقلال لإقليم كردستان.

وذكرت أن تلك القضايا الرئيسية العالقة لم يتم حلها حتى الآن.

السيطرة على النفط

وقالت أوتواي إن مجلس النواب العراقي لم يعتمد أبدا قانونا للنفط والغاز يوضح سلطة كل من الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان في إدارة احتياطيات النفط، بما في ذلك من له الحق في توقيع العقود وتصدير النفط والغاز من كردستان.

وذكرت أن حكومة إقليم كردستان وبغداد تفاوضتا إلى ما لا نهاية بشأن مبيعات النفط الكردي، مع التزام حكومة إقليم كردستان بتسليم الكميات المنصوص عليها من النفط إلى شركة تسويق النفط العراقية (سومو) ومنظمة تسويق النفط العراقية والعراق مقابل الموافقة على تقديم نسبة مئوية من ميزانيتها إلى حكومة إقليم كردستان.

وأشارت إلى الاتفاقيات لم تدم أبدًا وتم إعادة التفاوض بشأنها باستمرار، دون نجاح دائم. كان رد فعل بغداد والمجتمع الدولي بأسره [على استفتاء الاستقلال] سلبيًا تمامًا.

وبعد سبتمبر/أيلول 2017، ساء الوضع بشكل كبير عندما نظمت حكومة إقليم كردستان استفتاء على الاستقلال، وأخطأت بشكل صارخ في تقدير قوتها ودرجة الدعم الدولي الذي يمكن أن تتلقاه.

وعلى الرغم من التأييد الداخلي للاستقلال كان ساحقًا (شارك 72% من الناخبين وصوت 92 % منهم لصالح الاستقلال) إلا أن رد فعل بغداد والمجتمع الدولي كان بأكمله سلبيا تماما.

وجاء هذا الموقف رغم تأكيد رئيس كردستان بأن الاستفتاء كان استشاريًا فقط وأنه سيمثل ببساطة بداية عملية مفاوضات مطولة مع بغداد.

لكن وفق أوتوا كان الرد في العراق وفي الخارج إدانة عالمية لكردستان ورفضًا لمطالب الأكراد التي طال أمدها بأن لديهم الحق في الاستقلال.

عودة المركزية

وذكرت أوتوا أنه وفقا لتلك المعطيات تحول استفتاء كردستان من خطوة إلى نحو الاستقلال، إلى خطوة الأولى نحو تقليص الحكم الذاتي الكردي وتفكيك النظام الفيدرالي العراقي.

أوقفت بغداد على الفور جميع صادرات النفط من كردستان، ومنعت حكومة إقليم كردستان من تحصيل الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية، وسيطرت على مطاري أربيل والسليمانية.

سمحت المفاوضات بين الجانبين باستئناف صادرات النفط ببطء من كردستان، وأعادت فتح المطارات للسفر الدولي، ولكن تحت ضوابط أكثر صرامة من بغداد. وتوصل الطرفان إلى اتفاق بشأن تحصيل الرسوم الجمركية، مما قلص دور حكومة إقليم كردستان مرة أخرى.  

وبحسب أوتوا فقد أوضحت بغداد نواياها طويلة المدى تجاه حكومة إقليم كردستان بشكل واضح للغاية في فبراير/ شباط 2022 عندما قضت المحكمة الاتحادية العليا بأن قانون النفط والغاز لعام 2007 في كردستان غير دستوري.

كما قضت بأن على حكومة إقليم كردستان تسليم كل النفط الذي تنتجه إلى شركة تسويق النفط السعودية لتسويقه.

واحتجت حكومة إقليم كردستان على الحكم. لكن لم يكن لديها نفوذ لمواجهته. وفي أوائل عام 2023 قبلت الشروط التي فرضتها بغداد للسماح باستئناف صادرات النفط.

وخلصت أوتوا إلى أن التفكيك البطيء للفيدرالية العراقية يمثل ضربة خطيرة لكردستان، كما أنها ضربة لمحاولة الولايات المتحدة كبح المركزية التي تطال كل الدول العربية، مشيرة إلى أن مثل هذه المركزية تشجع على تفاقم الصراع العرقي والطائفي في الشرق الأوسط، الذي تتسم جميع مجتمعاته بالتعددية.

 

المصدر | مارينا أوتواي/مركز ويلسون- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيدرالية العراق كردستان زوال الفيدرالية عودة المركزية

بغياب تحالفين.. تشكيل "الحسم الوطني" السني في العراق