فورين أفيرز: إيران تغير دينامياتها الإقليمية بسياسات من خارج الصندوق

الخميس 20 يوليو 2023 10:42 ص

سلط الخبيران في الشؤون الإيرانية، جمشيد تشوكسى وكارول تشوكسى، الضوء على تغير ديناميكيات سياسات طهران في الشرق الأوسط، وتحديدا تجاه المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى، وذلك بعد 10 سنوات من العداء المرير بين الجانبين.

وذكر الخبيران، في تحليل نشراه بمجلة "فورين أفيرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن العداء بين السعودية وإيران انقلب رأسا على عقب على مدى الأشهر الخمسة الماضية، إذ أعاد البلدان اتفاقية التعاون الأمني بينهما وروابط الرحلات الجوية التجارية، وهو ما امتد إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية والنفوذ الاقتصادي لإيران في البحرين والكويت وعمان والإمارات ومصر وبلدان أخرى.

وأوضحا أن إيران ترى أن هناك فرصة للاستفادة من طموحات الولايات المتحدة المتضائلة في الشرق الأوسط، ولذا اتجهت نحو سياسة خارجية إقليمية أقل أيديولوجية وأكثر براجماتية.

غير أن الخبيرين يؤكدان ضرورة أن تتعامل الدول الغربية والعربية مع هذا التحول الإيراني بشك، إذ "لا شيء في السياسة الإيرانية يشير إلى أنها تنوي أن تكون جارة جيدة على المدى الطويل".

 فكثير من الأدلة تشير إلى أن إيران تهدف إلى استعادة دورها كقوة ثورية، وتعتزم تأمين "هيمنة إقليمية"، ولذا فإن التسوية مع إيران تمثل مقامرة كبيرة للسعودية وبقية دول الشرق الأوسط، ويمكن أن تمثل "كارثة" بالنسبة للغرب.

دعوات للاندماج

وخلال عامي 2021 و2022، مهدت محادثات المصالحة المكثفة في بغداد الأساس لاستئناف العلاقات الثنائية بين الرياض وطهران.

وسعت السعودية إلى تطمينات من إيران بأن الحرب في اليمن يمكن حلها وأن إيران لن تشجع الشيعة الذين يعيشون في شرق المملكة على التمرد.

وبعد 4 أيام من الوساطة الصينية، في أوائل مارس/آذار الماضي، أعلن البلدان عزمهما على استئناف العلاقات الدبلوماسية. وزار وزير الخارجية السعودي طهران في 17 يونيو/ حزيران، ما يعكس وتيرة تطبيعية مذهلة.

كما استجابت الدول الأخرى، ذات الأغلبية السنية، بفارغ الصبر لمبادرات إيران. وبعد إجراء محادثات هاتفية منتصف عام 2022، أعلنت أبوظبي عودة سفيرها إلى طهران.

وفي مارس/آذار الماضي، بالتزامن مع التقارب السعودي الإيراني، التقى نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية بوفد كويتي لبدء حل مشكلة الحدود البحرية المتنازع عليها منذ فترة طويلة.

وتسعى وزارة الخارجية الإيرانية إلى استعادة العلاقات مع البحرين، ما سيفيد الحكام السنة في المنامة من خلال تخفيف توتراتهم مع الشيعة من مواطني المملكة الخليجية الصغيرة.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجرى وزير الخارجية الإيراني والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، محادثات في الأردن لمناقشة إعادة العلاقات الدبلوماسية التي قطعت عام 1980.

وتأمل القاهرة أن يؤدي التعاون مع طهران إلى تعزيز مصالحها الإستراتيجية، بما في ذلك توسيع نفوذها على الفصائل المسلحة المدعومة من إيران مثل حماس داخل غزة.

ومن جهتها، أعلنت ليبيا في مارس/آذار عن افتتاح السفارة الإيرانية في طرابلس لأول مرة منذ عام 2011.

ووفي يوليو/تموز الماضي، في منتدى حركة عدم الانحياز في أذربيجان، التقى وزير خارجية السودان بنظيره الإيراني لاستعادة العلاقات الثنائية، التي قطعت قبل 7 سنوات بناء على طلب السعودية.

ويعتقد القادة في طهران أن تخفيف الضغط الاقتصادي يمكن أن يساعد في نزع فتيل الاحتجاجات على حكمهم الديني التقييدي.

بعد أيام من توقيع إيران والسعودية على اتفاقهما في بكين، دعت الإمارات لأول مرة وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني لحضور مؤتمرها السنوي للسكك الحديدية في الشرق الأوسط في أبو ظبي لمناقشة تحسين روابط النقل على طول ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، وهو طريق لنقل البضائع من روسيا إلى الهند يعبر إيران.

وفي مايو/أيار أيضًا، التقى وزيرا المالية العماني والإيراني في جدة خلال الاجتماع السنوي لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية لبدء العمل على إعادة دمج كيانات الشركات الإيرانية في المراكز التجارية الجنوبية للخليج. ووقعت طهران ومسقط اتفاقية تطوير مشتركة لحقل هنغام البحري للنفط والغاز المشترك.

وارتفعت قيمة تجارة إيران مع البحرين والعراق والكويت وقطر والسعودية والإمارات بنحو 10% منذ عام 2022.

ويشير الخبيران إلى أن إعادة العلاقات عبر الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي إلى فصل تدفقات العملة الإيرانية عن الدولار واليورو، ما يسمح للسلع الإيرانية بتجاوز العقوبات الأمريكية والأوروبية.

كما ستستفيد الدول العربية من تصدير منتجاتها، والتي غالبًا ما تشمل التقنيات الغربية التي تمنعها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من بيعها إلى الأسواق الإيرانية المربحة.

علاقات خطرة

وبفضل 10 سنوات من السياسة الخارجية الأمريكية المتغيرة والمربكة في الشرق الأوسط، تشعر الدول العربية أيضًا أنه ليس لديها خيار سوى التعاون بشكل أوثق مع طهران.

وترى هذه الدول دلائل على أن التزام الولايات المتحدة بحمايتها آخذ في التضاؤل، فيما تعمل إيران على توسيع تحالفاتها مع روسيا والصين.

وعلى مدار العام الماضي، سعت طهران بوقاحة إلى الاستيلاء على ناقلات البتروكيماويات السعودية والإماراتية عبر الخليج، ونجحت في بعض الأحيان.

وعندما التقى مسؤولون سعوديون بنظرائهم الإيرانيين في بكين، قبلت السعودية ضمنيًا نفوذ إيران في اليمن وسوريا ولبنان ووجودها في الدوائر الدبلوماسية الخليجية.

وتوصلت الإمارات إلى قناعة بفشل التعاون الأمني الفعال مع الولايات المتحدة، على الرغم من وجود الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية في البحرين المجاورة.

ومن خلال اختيار المصالحة مع إيران، وخاصة عبر الصين، يتراجع القادة السنة عن علاقاتهم الخاصة مع واشنطن، وفي هذا الإطار اختارت كل من الإمارات والسعودية الإعلان عن قراراتهما بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران حتى قبل إخطار واشنطن.

والأمر الأكثر خطورة بالنسبة للولايات المتحدة، هو أن الصين استضافت، في مايو/أيار، حوارًا بين إيران وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمناقشة إنشاء أسطول بحري مشترك لإجراء عمليات أمنية في الخليج العربي.

الرد الأمريكي

ومع اندفاع القادة العرب للمصالحة مع طهران، أصبحت أدوات الولايات المتحدة الدبلوماسية، مثل المصادرة والعقوبات الاقتصادية والقيود العسكرية، غير مجدية على نحو متزايد.

ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قررت أن التقليل من أهمية هذه التطورات هو استراتيجية ذكية، حسبما يرى الخبيران في الشؤون الإيرانية.

ففي يونيو/حزيران، قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، بلا مبالاة إنه إذا كان "المزيد من التكامل، والمزيد من الحوار، والمزيد من الشفافية في جميع أنحاء المنطقة.. يمكن أن يزيل التوترات، فسيكون ذلك إيجابيًا".

ويؤكد الخبيران، في هذا الصدد، أن النهج الأمريكي خاطئ، ودللا على ذلك بأن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وعد بأن تسعى طهران "فقط إلى التكامل الاقتصادي مع الدول الأخرى".

كما أن تاريخ إيران التوسعي الطويل، وأغلب تصرفات قادتها الحاليين، تؤكد أن نوايا طهران لم تتغير، بحسب الخبيرين، اللذين أكدا أنه لا يوجد دليل على أن المبادرات الدبلوماسية الإيرانية الأخيرة تعكس أي تغيير في عقيدة السياسة الخارجية الأساسية التي وضعها المرشد الأعلى، علي خامنئي، في عام 2010.

ولا تقتصر هذه الرؤية على اعتبار "شواطئ الخليج العربي وجزء كبير من خليج عمان تنتمي إلى إيران"، بل تمتد لوجوب إظهار إيران "لقوتها" في جميع أنحاء المنطقة، لأن "هذا هو واجبها التاريخي والجغرافي والإقليمي".

وحتى اليوم، تواصل إيران التعبير عن طموحها الثابت للسيطرة على المنطقة من خلال الحفاظ على سيطرتها على الجزر المتنازع عليها مع الإمارات، والتي ضمتها في عام 1971، ما سيسمح لها بوقف تدفقات الطاقة.

ولذا، يرى الخبيران أنه يجب على الدول العربية مطالبة إيران بإثبات التزامها بأن تصبح شريكًا إقليميًا موثوقًا به، عبر وقف تهديداتها ضد ناقلات النفط والغاز ووقف تزويد الفصائل اليمنية بالسلاح الذي يتم استخدامه لمهاجمة السعودية، بدلاً من التسرع في استرضاء طهران بالاتفاقات الدبلوماسية.

وفي غياب مثل هذا الدليل، يجب على دول الخليج العربية ونظرائها في الشرق الأوسط الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة. لكن يجب على الولايات المتحدة أن ترد بالمثل. ومن خلال تعزيز التزاماتها الأمنية بشكل ملموس في الشرق الأوسط والاعتراض المستمر على تهديدات إيران في الخليج العربي وخليج عمان، يمكن لواشنطن تعزيز ارتباطاتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية مع حلفائها السنة لطمأنتهم بأن الولايات المتحدة لم تتخل عنهم، بحسب الخبيرين.

المصدر | جمشيد تشوكسي وكارول تشوكسي | فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران الخليج السعودية الكويت فيصل بن فرحان

كيف تبدو إيران "وحيدة" في محيطها الإقليمي دون أن تكون "وحدها"؟