تحليل: أوضاع إيران الداخلية تحدد مستقبل علاقاتها مع دول الخليج

الخميس 20 يوليو 2023 12:17 م

سلط رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية، عضو مجلس إدارة الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، عبدالله بشارة، الضوء على عملية نزع التصعيد بين إيران ودول الخليج العربية، مشيرا إلى أن "الشأن المحلي" لإيران سيحدد شكل هذه العملية.  

وذكر بشارة، وهو أول أمين عام لمجلس التعاون الخليجي، في تحليل نشره بموقع "منتدى الخليج الدولي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الأشهر الثلاثة الماضية شهدت تحولا كبيرا في الجغرافيا السياسية للخليج، إذ لأول مرة منذ عقدين على الأقل، تنشئ دول مجلس التعاون الخليجي وإيران إطارًا جديدًا، يمكن من خلاله التعامل مع العلاقات الثنائية وإدارة الخلافات.

وإذا اتبعت إيران الاتفاقات الجديدة، ستنتقل منطقة الخليج من حالة المواجهة التي لا نهاية لها إلى الحوار والدبلوماسية، وهو نهج حثت غالبية المجتمع الدولي دول الخليج على اعتماده.

ومن الواضح أن هناك تغييرات جديدة في السياسة الإقليمية اعتمدتها العديد من دول الخليج، ففي الأسابيع الأخيرة، قام وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، بجولة في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، واقترح مبادرات لحل الخلافات بين إيران وجيرانها العرب، وحاول بدء حوار لمناقشة الأزمات الدولية التي يمكن أن تؤثر على الاستقرار الإقليمي.

ويرى بشارة أن الموجة الدبلوماسية الإيرانية الجديدة نجحت في مساعيها مع السعودية، التي وافقت معها مؤخرًا على إعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية لأول مرة منذ عام 2016.

كما التزم البلدان بإعادة فتح سفارتيهما، وزار وزير الخارجية السعودي الأمير، فيصل بن فرحان، طهران لمناقشة مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك الصراعات المستمرة في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغزة وسلوك إيران في مياه الخليج.

كما انعكست نوايا جولة حسين أمير عبد اللهيان في دول مجلس التعاون الخليجي في تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الذي بعث برسائل إيجابية إلى المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى عندما أعلن عن استعداد طهران لتحسين العلاقات الإقليمية ودعم الاستقرار.

ومع ذلك، يشير بشارة إلى أن تاريخ إيران السياسي الحديث يؤكد وجود صلة واضحة بين نمو الاضطرابات الداخلية ومضي طهران قدما في مغامراتها الإقليمية.

فالشاغل الإيراني الرئيسي حاليا يتمثل في معالجة الفترة الطويلة من الاحتجاجات وأعمال الشغب والاضطرابات التي أعقبت وفاة الشابة، مهسا أميني، في سبتمبر/أيلول 2022.

وعلاوة على المواجهة الأيديولوجية للحكومة الإيرانية مع سكانها من الشباب المحبطين، تواجه البلاد أيضًا انخفاضًا خطيرًا في مستوى الخدمات الحكومية، إذ بات من الصعب العثور على الضروريات الأساسية في الأسواق الإيرانية.

وتفاقمت هذه المشكلة بسبب قمع الحكومة للنساء والأقليات العرقية والدينية، ما دفع الإيرانيين إلى الكفاح من أجل حريتهم وحرياتهم المدنية وكذلك احتياجاتهم الأساسية.

وعلى مدى العامين الماضيين، حاولت الحكومة الإيرانية بقوة إعادة المثل العليا للثورة الإسلامية، ما أدى إلى توسيع الفجوة بين الشباب وحكومة رجال الدين، التي لم تُظهر أي اهتمام بهم منذ نظام الحكم الذي تأسس نظام ما بعد 1979.

وأدت موجات الاضطرابات الداخلية المستمرة في إيران وتدهور الوضع الاقتصادي إلى زيادة المخاوف من السلوك الإيراني العدواني في المنطقة في محاولة لحشد الدعم في الداخل.

وخلال العام الماضي، استنتجت قيادة الجمهورية الإسلامية على الأرجح أنها تواجه مواجهة غير مسبوقة في الداخل وفي المنطقة، واستنتجت أنها بالغت في دورها بالمنطقة، ما تسبب في رد فعل عنيف، وجعلها أقل استعدادًا لمواجهة الاحتجاجات المحلية.

وأدى قرار إيران بدعم روسيا في حربها في أوكرانيا وتوسيع نفوذها في أمريكا اللاتينية إلى تعميق الانقسام بينها وبين السكان، وكثير منهم لا يثقون في الكرملين، فضلاً عن زيادة عزلة إيران على المسرح العالمي.

وقبل ذلك، أدى دعم إيران لوكلائها في لبنان وسوريا إلى استنزاف الموارد الحكومية، ما أدى إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية الإيرانية.

ودفعت كل هذه العوامل طهران إلى تبني نهج جديد مع جيرانها العرب وتقديم مبدأ المصلحة المشتركة وعدم التدخل كسياسة إقليمية جديدة.

عقد صفقة

وأعادت زيارة وزير الخارجية السعودي إلى طهران طرح توقعات الرياض بأن تلتزم القيادة الإيرانية بالاتفاقية الجديدة، الموقعة في بكين، والتي تضع عدم التدخل والاستقرار الإقليمي كأولوية للمنطقة بأسرها، وتعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية على المصالح السياسية.

وبشكل حاسم، تتوقع دول مجلس التعاون الخليجي أن تترجم إيران استعدادها الجديد للتفاوض إلى إجراءات ملموسة، سواء فيما يتعلق بدعمها للميليشيات الأجنبية أو أنشطتها النووية أو غيرها من القضايا التي تؤثر على أمن المنطقة.

ومن أجل تسوية كل هذه الخلافات، ستحتاج إيران أيضًا إلى التفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا، للوصول إلى صفقة أخرى بشأن برنامجها النووي توافق بموجبها على تعليق التخصيب النووي مقابل تخفيف العقوبات.

ويؤكد بشارة أن الشرق الأوسط يرفض قبول إيران المسلحة نوويًا، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، مضيفا: "إذا استمرت طهران في تطوير أسلحة نووية، فهناك قلق حقيقي في المنطقة من أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد تهاجمها، ما يؤدي إلى حرب ستقع دول مجلس التعاون الخليجي فيها عن غير قصد".

ومن المؤكد أن البرنامج النووي الإيراني يمثل مصدر قلق خطير لدول مجلس التعاون الخليجي بمفردها، لكن التهديد الأكثر إلحاحًا للاستقرار الإقليمي هو شبكة طهران من القوات بالوكالة في العراق ولبنان وسوريا، والتي فعلت الكثير لدفع الشرق الأوسط نحو حروب أهلية استمرت عقدًا من الزمان.

وأدى اعتماد إيران على الوكلاء لتعزيز نفوذها في جميع أنحاء المنطقة إلى استنزاف مواردها، ودفع إسرائيل لمواجهة توسعها في سوريا من خلال العمل العسكري، وفاقم التوترات مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما تلك المتضررة من دعم إيران للحوثيين في اليمن.

 ونظرًا لأن طهران تفتقر إلى الأموال ويجب أن تخصص حصة متزايدة من مواردها لاحتواء الاضطرابات في الداخل، فإن دول مجلس التعاون الخليجي يسودها تفاؤل حذر بأن طهران قد تكون منفتحة على تقليص نشاط أذرع الوكالة كجزء من تسوية أوسع.

وتوازن إيران حاليا بين خيارين محتملين، الأول يتمثل في انفراج إقليمي مع جيرانها العرب، واستقرار وضعها السياسي الداخلي والمساعدة في ضمان بقاء الثورة الإسلامية، والثاني هو استمرار سعيها للهيمنة الإقليمية، بما يؤدي إلى مزيد من المواجهة مع المجتمع الدولي ومع الشباب الإيراني المحبط.

ولذا يخلص بشارة إلى ضرورة أن تفعل دول مجلس التعاون الخليجي ما في وسعها لمساعدة طهران على اتخاذ الخيار الصحيح.

المصدر | عبدالله بشارة/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران الخليج مجلس التعاون الخليجي حسين أمير عبداللهيان

أشادت بوساطة قطر وعمان.. إيران: علاقتنا مع دول الخليج إيجابية