الاتحاد الجمركي ضمن سبل التقارب بين أوروبا وتركيا.. حان وقت التغيير

الخميس 20 يوليو 2023 09:53 م

اجتمع وزراء خارجية الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الخميس في بروكسل، لبحث إمكانية تعزيز علاقاتهم مع تركيا في ظلّ عدم قدرتهم على أن يعرضوا عليها أفقاً جدّياً للانضمام إلى التكتل، رغم خلافات مستمرة حول قبرص وسيادة القانون.

وحثّ الذراع الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي، الدول الأعضاء على السعي إلى إجراء "مشاركة بنّاءة" مع تركيا، رداً على إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان، والتداعيات الجيوسياسية لحرب روسيا ضد أوكرانيا.

وحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، فإن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، ناقشوا طلب الرئيس التركي، الذي قال مسؤولو التكتل عنه إنه يتلخص في رغبته في "زيادة وصول أنقرة إلى الاتحاد الجمركي للكتلة"، و"إعفاء المواطنين الأتراك من الحصول على تأشيرات لدخول دول الاتحاد"، و"تمديد المساعدة لأنقرة المرتبطة بإدارة الهجرة".

واعتبرت الصحيفة أن النتيجة التي سيتوصل إليها الوزراء "ستشكل الأساس لتقرير المفوضية الأوروبية حول العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والذي سيناقشه قادة الاتحاد في وقت لاحق من هذا العام".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي (لم تكشف عن هويته)، قوله: "لا نتقبل فكرة طلب الحصول على عضوية الاتحاد كاملةً، ولكن هناك بالتأكيد رغبة لدى الكثير منا لمعرفة المجالات التي يمكننا فعل المزيد معاً فيها".

وفتح الأوروبيون الطريق أمام تحسين العلاقات مع أنقرة، فبعد لقائه مع الرئيس التركي تحدث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، في تغريدة عن رغبتهما المشتركة في "تنشيط" العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

وتوقع أشخاص مشاركون في المحادثات "إحراز تقدم" في مسألة إعفاء الأتراك من الحصول على تأشيرات ومشاركة تركيا في الاتحاد الجمركي للكتلة، مشيرين إلى أن ذلك سيتطلب تحركاً من جانب أنقرة بشأن بعض القضايا مثل مشاركة البيانات وتشريعات مكافحة الإرهاب والتدابير التجارية التي تعتبرها بروكسل حمائية.

وتعارض قبرص واليونان، العضوان في الاتحاد الأوروبي، تبني علاقات أوثق مع تركيا لا تشمل تحقيق الأخيرة تقدماً في المبادرة التي تقودها الأمم المتحدة لتطبيع العلاقات على الجزيرة المقسمة الواقعة على البحر المتوسط.

وتشعر بعض دول الاتحاد بالانزعاج من فشل أردوغان في تبني العقوبات الغربية ضد روسيا، وتوسيع علاقته التجارية مع موسكو، فيما لا يزال آخرون قلقين بشأن توثيق العلاقات مع بلد صرّح الاتحاد الأوروبي بأن سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان تمثلان "مخاوف رئيسية" فيه.

بيد أن موقع "ميدل إيست آي"، قال في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، فإن أعضاء الناتو الأوروبيون فوجئوا عندما وافق أردوغان هذا الشهر على دعم محاولة السويد للانضمام إلى الحلف.

وتم ذكر قضيتين على وجه الخصوص في البيان الختامي، حيث تعهدت السويد بدعم تحرير التأشيرات وتحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ضمن التزام أوسع بـ"الدعم الفعال للجهود المبذولة لتنشيط" عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة للقضية الأولى، من غير المحتمل أن يتم تحرير التأشيرات في المستقبل المنظور، وبالتالي يجب أن يركز العمل على إطار عمل لتعزيز إجراءات التقديم لمجموعات معينة من المتقدمين، بينما يهدف المسؤولون إلى معالجة القضايا العالقة حول ممارسة الحريات الاقتصادية الممنوحة للمواطنين الأتراك بموجب الاتفاقات السابقة.

وفيما يتعلق بالقضية الثانية، فإن تحديث الاتحاد الجمركي الذي طال انتظاره ليس ممكنًا فقط، ولكن بالنسبة لأنقرة، فهو أهم ملف تريد أن تنتقل إليه بروكسل.

وظلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعطل التقدم في هذا الملف منذ سنوات.

ومنذ منتصف التسعينيات، تم استكمال الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا باتفاقيات تفضيلية ثنائية بشأن المنتجات الزراعية والفحم والصلب.

وكان الاتحاد الجمركي هو المرحلة الأخيرة من اتفاقية أنقرة لعام 1963، حيث كانت الفكرة الأولية هي أن تركيا ستنضم في نهاية المطاف إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الدلائل على أن محاولة أنقرة ستواجه عقبات سياسية كانت واضحة بالفعل عندما اعترضت اليونان على الاتحاد الجمركي، لكنها رفعت حق النقض (الفيتو) مقابل التعويض المالي والتنازلات التي ستبدأ مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مع قبرص.

وتم تصميم الاتحاد الجمركي بافتراض خاطئ بأن أنقرة ستنضم في النهاية إلى الاتحاد الأوروبي.

وكان من المفترض أن يكون انتقاليًا، لكنه أصبح هيكليًا في النهاية.

وأدت التغييرات التي طرأت على بيئة التجارة العالمية بعد عام 1995، وتوسع الاتحاد الأوروبي، والزيادة الكبيرة في الصفقات التجارية الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى، إلى تآكل الوضع التفضيلي لتركيا.

ومع معاهدة لشبونة، أصبحت السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي جزءًا لا يتجزأ من سياسته الأمنية والخارجية، مما جعلها أداة جيوسياسية.

ويمكن ملاحظة ذلك في موقفها الأكثر طموحًا ونشاطًا بعد عام 2009 في إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع دول ثالثة.

وفي استراتيجية التوسيع لعام 2014، قالت المفوضية الأوروبية إن الوقت قد حان للعمل من أجل إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للاتحاد الجمركي، مشيرة إلى أنه "ينبغي على الاتحاد الأوروبي التعامل مع تركيا في توسيع وتحديث العلاقات التجارية المتبادلة لصالح كلا الجانبين".

وخلال الفترة نفسها، بدأت أنقرة تدرك أنه لا ينبغي لها أن تستمر في ربط تعزيز العلاقات التجارية الثنائية، بمحاولة الانضمام إليها إذا أرادت أن تتحسن الأولى.

في مايو/أيار 2015، تم اتخاذ قرار لبدء الاستعدادات لتحديث إطار عمل مشترك لمعالجة ما يسمى بأزمة الهجرة.

وبعد ذلك بعام، أعطت المفوضية الأوروبية الضوء الأخضر لبدء المفاوضات.

ومع ذلك، وفي يونيو/حزيران 2018، دعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أنقرة إلى الاستمرار في تنفيذ الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، لكنها تخلت في الوقت نفسه عن إطار العمل، من خلال ربط تفويض مفاوضات الاتحاد الجمركي بعناصر محاولة انضمام أنقرة والتطورات في شرق البحر المتوسط.

ومع تطبيق الاتحاد الجمركي، اختفت الرسوم الجمركية وقيود الكمية والتدابير ذات التأثير المماثل في تجارة المنتجات الصناعية بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

وبحسب معطيات رسمية من وزارة التجارة التركية، فإن حجم التبادل التجاري بين تركيا والاتحاد الأوروبي بلغ العام الماضي 196.4 مليار دولار.

ويؤكد ذلك أن الاتحاد الأوروبي يحافظ على صفة الشريك التجاري الأهم بالنسبة إلى تركيا.

وبلغت حصة الاتحاد الأوروبي من صادرات تركيا 40.6% خلال 2022 بقيمة 103.1 مليارات دولار.

كما يحتل الاتحاد الأوروبي المركز الأول في قائمة الواردات التركية، حيث بلغ إجمالي قيمة السلع التي استوردتها تركيا العام الماضي 364 مليار دولار، وكان نصيب الاتحاد منها 93 مليار دولار أي 25.6%.

ويقول تقرير "ميدل إيست آي"، إنه يجب أن يُنظر إلى إعادة تنشيط العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على أنها "التزام أوسع، حيث يشكل العمل في الملفين المذكورين مقترحات ملموسة".

ويضيف: "ستكون لفتة لطيفة دعوة وزير الخارجية التركي الجديد هاكان فيدان، إلى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في جيمنيش الألمانية في أغسطس/آب".

ودعت ورقة أعدتها الذراع الدبلوماسية للكتلة، واطلعت عليها "فاينانشيال تايمز"، وزراء خارجية الاتحاد للنظر في المكان الذي "يمكن أن يركز فيه الاتحاد الأوروبي جهوده على تعزيز أو زيادة نفوذه في العلاقات مع تركيا، وذلك بالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية الجديدة لأنقرة بعد غزو روسيا لأوكرانيا".

وشددت الورقة على أهمية "مناقشة سبل المضي قدماً في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على المدى القصير والمتوسط، وذلك في ضوء السياق الجيوسياسي المتغير".

وأشار مسؤول في الاتحاد الأوروبي إلى "حدوث تغيير في نهج الحكومة التركية الجديدة"، لكن "نريد أن نرى إلى أين يمكننا أن نذهب في ذلك"، لافتاً إلى الرغبة في "إصدار تركيا قراراً منفتحاً وصريحاً بشأن القضايا الصعبة محل الخلافات، على الأقل".

ورأت الصحيفة أن تغير موقف أردوغان تجاه انضمام السويد إلى "الناتو"، يعد أحد التحركات التي تمت خلال الأسابيع الأخيرة والتي أدت إلى خفض تصعيد التوترات بين الغرب وأنقرة التي تسعى لإعادة جذب المستثمرين الأجانب، ووقف أزمتها الاقتصادية.

ودعت الورقة الأوروبية وزراء خارجية الاتحاد لـ"مناقشة المزيد من الفرص المتاحة للكتلة للبناء على الخطوات القائمة، مثل التعاون الاقتصادي وإدارة الهجرة وتغير المناخ، والنظر في خطوات المشاركة البنَاءة التي تسمح للاتحاد بأن يكون أكثر فعالية في استكشاف إمكانيات التعاون".

واعتبرت أن "الوضع الجيوسياسي الحالي يمكن أن يؤدي إلى التقريب بين وجهات النظر، وإتاحة فرص جديدة للتعاون المستهدف على أساس تقارب مصالح السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وتركيا"

إلا أن وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك، قالت إنّ "العملية لا تزال بعيدة المنال لأنّ الفصول الأساسية للمفاوضات مثل سيادة القانون وحقوق الإنسان لم تطبّق وهي أبعد ما يكون عن التنفيذ. (...) يجب ألا نكون ساذجين، فلن تكون هناك هدايا".

لكنّ زيادة التعاون في المدى المنظور لا سيّما تحرير تأشيرات الدخول الذي تطالب به أنقرة يمكن أن يتعقّد من جرّاء الخلاف المستمرّ حول قبرص.

ومنذ اجتياح تركيا لثلث قبرص الشمالي عام 1974، باتت الجزيرة مقسومة بين جمهورية قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي و"جمهورية شمال قبرص التركية" التي أُعلنت من جانب واحد عام 1983 ولا تعترف بها سوى أنقرة.

وقال الوزير القبرصي كونستانيتوس كومبوس إنّه "بالنسبة لقبرص فإنّ مستقبل العلاقات بين الاتحاد الاوروبي وتركيا له ماض محدّد جدّاً. نأمل في استئناف سريع للمفاوضات الجوهرية لحلّ القضية القبرصية"، مطالبا بأن تكون العلاقات مع أنقرة "متناسبة وخاضعة لشروط".

لكنّ الأزمات الجيوسياسية تجعل تركيا شريكاً أساسياً للاتحاد الأوروبي.

فبعد أزمة الهجرة عام 2015، أبرمت دول الاتحاد الأوروبي اتفاقاً مع تركيا يهدف إلى الحدّ من وصول المهاجرين إلى أوروبا مقابل حصول أنقرة على مساعدة مالية كبيرة. ولا يزال يتعيّن على بروكسل أن تدفع لأنقرة قسماً من الستة مليارات يورو التي وعدتها بها آنذاك.

من جانب آخر، تواجه تركيا اتهامات بالالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بعد غزوها أوكرانيا، خصوصاً عبر نقل النفط الروسي رغم الحظر الأوروبي، لكنّ أنقرة نجحت العام الماضي في التوسط لتحريك صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الاتحاد الجمركي الاتحاد الأوروبي السويد الناتو تقارب

قضايا شائكة.. الاتحاد الأوروبي وتركيا يواصلان مباحثات تسهيل التعاون التجاري