خط الجزر الأحمر.. كيف غيرت زلة موسكو ميزان العلاقة مع طهران؟

الجمعة 21 يوليو 2023 02:04 م

سلط الباحث بمؤسسة "جيمس تاون"، بول جوبل، الضوء على غضب إيران من موقف روسيا الأخير من مطالبة الإمارات بجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، الخاضعة حاليا لسيادة طهران، مشيرا إلى أن الخلاف كشف عن التحول في ميزان القوة النسبية بين البلدين.

وذكر جوبل، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد" أن موسكو وقعت، في 12 يوليو/تموز، على إعلان لدول الخليج العربية، مفاده أن نزاعها مع طهران بشأن الجزر الثلاث يجب أن يحل عن طريق المفاوضات، وفي اليوم التالي نددت طهران بموقف روسيا واستدعت السفير الروسي في طهران للاحتجاج.

وقالت الخارجية الإيرانية، في بيان: "الجزر الثلاث ملك لإيران إلى الأبد، وإصدار مثل هذه التصريحات يتعارض مع علاقات إيران الودية مع جيرانها"، وهو موقف سرعان ما ردده مسؤولون ومعلقون إيرانيون آخرون.

وبعد ذلك بيومين، في 14 يوليو/تموز، قال ممثل الكرملين الخاص للشرق الأوسط، ميخائيل بوجدانوف، للسفير الإيراني في موسكو، إن روسيا تواصل دعم وحدة أراضي إيران دون قيد أو شرط.

ومع ذلك، ردت طهران، في 17 يوليو/تموز، بالقول إن هذه التصريحات غير كافية، ليتصل وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 18 يوليو/تموز، بنظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قائلا إن موسكو "ليس لديها شك" بشأن وحدة أراضي إيران، بما في ذلك سيطرتها على الجزر الصغيرة الثلاث في مضيق هرمز.

غير أن جوبل يشير إلى تداعيات الخلاف انعكست في تعليقات لطهران، أشارت إلى أن العلاقات مع موسكو قد تتضرر لأن الجانب الروسي انتهك أحد "الخطوط الحمراء" الأكثر أهمية لإيران.

 وظهر رد الفعل الإيراني الحاد في تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين جددوا التأكيد على أن إيران تعترف بوحدة أراضي أوكرانيا وجميع الدول الأخرى، وهو موقف يتحدى صراحة احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وسعيها لتغيير الحدود مع جارتها بالوسائل العسكرية.

بل إن بعض الإيرانيين أشاروا إلى أن تعاون طهران مع موسكو سينتهي إذا لم تتراجع الأخيرة عن دعمها للمفاوضات حول الجزر التي تعتبرها إيران ملكًا لها.

وهنا يشير جوبل إلى أن موسكو كان لديها كل الأسباب لتعلم أنها إذا دعمت فكرة المفاوضات حول الجزر فستواجه نفس النوع من المشاكل التي واجهها الصينيون عندما اتخذوا خطوة مماثلة في وقت سابق.

وإضافة لذلك، كان على السلطات الروسية أن تدرك أن مثل هذه الخطوة ستقوض حتماً موقف موسكو من شبه جزيرة القرم وكذلك علاقاتها المتنامية مع طهران.

وبالفعل، حذر خبراء روس من هذه المخاطر، ومنهم كارين جيفورجيان، التي وصفت موقف موسكو من الجزر الثلاث بأنه "كان أكثر من مجرد خطأ"، مرجحة أن تشدد طهران موقفها بشأن القرم وغيرها من الملفات المهمة بالنسبة للحكومة الروسية.

سجال كاشف

ويضيف جوبل أن مسار هذا السجال لم يكشف فقط عن مشاكل خطيرة في عملية صنع القرار بالسياسة الخارجية الروسية، بل أيضا عن السرعة التي تراجع بها الكرملين، ما يُظهر أن موسكو تشعر بوضوح أنها بحاجة إلى إيران أكثر من احتياج إيران لها.

 ويمثل ذلك انعكاسًا في موقف العلاقة الثنائية بين البلدين، وهو ما يرجح جوبل أن تستغله إيران في المستقبل، حيث تطالب بالدعم الروسي لمواقفها دون الشعور بأنها مضطرة لتقديم دعم موسكو لجميع أعمالها، بالضرورة، لا سيما في حالة أوكرانيا.

كما يرى جوبل أن رد فعل إيران الشديد واستعداد موسكو للتراجع يعني أنه عندما "تفقد طهران الاهتمام بتطوير العلاقات مع روسيا"، فمن المرجح أن يتغير شيء ما في المستقبل، إما بسبب العزلة المتزايدة لروسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا، أو لأن زلات موسكو، ستدفع إيران للبحث عن حلفاء بديلين.

 وقد يبدو أن احتمال حدوث مثل هذا التطور ضئيل، "ولكن إذا انخرطت روسيا في دبلوماسية غير مدروسة فيما يتعلق بإيران، فمن شبه المؤكد أن تقرر طهران أنها لا تستطيع الوثوق بروسيا والتوجه إلى الآخرين" بحسب جوبل.  

بينما يقلل بعض الخبراء الروس من أهمية هذا الخطر، يقر آخرون، مثل جيفور جيان، بأنه شيء لا تستطيع موسكو تجنبه.

وأوضح أن السرعة التي تصرف بها لافروف ووزارة الخارجية في هذه الحالة لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه ممثلو روسيا بشأن الجزر الثلاث، تشير إلى أن القيادة الروسية العليا تشعر بالقلق من أن أي خسارة لنفوذها بطهران قد تكلف موسكو مكاسبها الأخيرة.

 وأضاف أن هذه الخسارة قد تشمل قرار إيران بالانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ودعمها لموقف موسكو بشأن بحر قزوين واستعدادها لتزويد روسيا بالأسلحة للحرب في أوكرانيا.

نفوذ إيران

وبالإضافة إلى هذه العواقب الجيواقتصادية والجيوسياسية على التعاون الإيراني الروسي، هناك نتيجة أخرى محتملة قد تكون في ذهن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في ظل الظروف الحالية، حسبما يرى جوبل، مشيرا إلى أن إيران تعمل بعناية على تعزيز نفوذها في المناطق الإسلامية بالاتحاد الروسي، مدركة أن بذل جهد أكثر قوة في تلك المناطق من شأنه أن يضر بعلاقاتها مع الكرملين.

وإذا انهارت العلاقة بين طهران وموسكو، أو حتى إذا أرادت طهران إرسال رسالة إلى موسكو حول تكاليف موقفها من الجزر الثلاث، فمن المرجح أن تكثف إيران هذا الجهد، مع نتائج لا تُحصى على الاستقرار الداخلي لروسيا وحتى لوحدة أراضيها، بحسب جيان.

وربما كان التحسب لهذا السيناريو في الذهنية الروسية دافعا لتصرف لافروف السريع، لكن التساؤل يظل مفتوحا حول ما إذا كانت كلماته ستكون كافية لرأب الصدع الحادث بين طهران وموسكو.

ويخلص جوبل إلى أن المسؤولون الإيرانيون اختبروا عمليا ما يمكن أن يفعله نظراؤهم الروس عندما يسعون وراء مصالح دول أخرى، وقد يكون كثير منهم أقل استعدادًا لقبول التطمينات البسيطة، وإذا كان الأمر كذلك، فقد يجد الكرملين جسره إلى محيطات العالم متضررًا، تمامًا مثل جسره المنكوب إلى شبه جزيرة القرم.

المصدر | بول جوبل/جيمس تاون - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران روسيا الإمارات مضيق هرمز ميخائيل بوجدانوف