ترى مينا بولمان، وهي باحثة مختصة في العلاقات الدولية والسياسات الأمنية، أن جوهر جولة رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا في السعودية والإمارات وقطر بين 16 و19 يوليو/ تموز الجاري كانت تأمين إمدادات الطاقة لبلاده مقابل مساعدة تلك الدول في تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط والغاز الطبيعي.
وأضافت مينا، في تحليل بموقع "ذا ديبلومات" الأمريكي (The Diplomat) ترجمه "الخليج الجديد"، أن هذه أول زيارة لكيشيدا إلى الشرق الأوسط منذ توليه رئاسة الوزراء في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وهي أول زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى المنطقة منذ زيارة آبي شينزو في يناير/ كانون الثاني 2020 إلى السعودية والإمارات وسلطنة عمان.
وتابعت أن كيشيدا عقد اجتماعات مع كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مشيرة إلى أن أكثر من 80% من واردات اليابان من النفط الخام تأتي من هذه الدول الثلاث.
وأردفت أن اليابان، التي تعتمد على وارادات الطاقة، كانت أكثر اهتماما بتأمين إمداداتها من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال من الشرق الأوسط، فيما تريد دول الشرق الأوسط، القلقة بشأن اعتمادها على صادرات النفط في عالم إزالة غاز ثاني أسيد الكربون، مساعدة من اليابان في تنويع اقتصادها.
ومضت مينا قائلة إن حوالي 30 من المديرين التنفيذيين في شركات يابانية رافقوا كيشيدا في رحلته لاستكشاف فرص التعاون مع الشركات في الدول الخليجية الثلاث في مجالات مثل إزالة الكربون وأشباه الموصلات.
الطاقة النظيفة
في السعودية، أطلق كيشيدا وبن سلمان مبادرة مشتركة لتعزيز الطاقة النظيفة، إذ تهدف المملكة إلى تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول 2060، وفقا لمينا.
وأضافت أن اليابان والإمارات اتفقتا على تعزيز التعاون في مجال إزالة الكربون والطاقة النظيفة، بما في ذلك العمل معا لتطوير أحدث التقنيات وبينها الوقود الخالي من الكربون، وتعهدا بتحقيق صافي انبعاثات كربونية بحلول 2050.
وتابعت: باعتبارها الدولة المضيفة لمؤتمر الأمم المتحدة المقبل لتغير المناخ (COP28)، فقد دعت الإمارات جميع الأطراف في المؤتمر إلى تصعيد الوصول إلى هدف صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول 2050.
وقالت مينا إن اليابان وقّعت أيضا مع الإمارات مذكرة تعاون في مجال التعليم، والتعليم أمر بالغ الأهمية للإمارات من أجل تطوير مواردها البشرية وتنويع الأنشطة الاقتصادية للدولة، وتقليل اعتمادها على الصادرات النفطية.
وفي قطر، اتفق كيشيدا وتميم على التعاون لتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة في جميع أنحاء العالم وتعزيز التعاون الأمني من خلال الحوار بين مسؤولي الدفاع، كما أضافت مينا.
واستطردت: قد تكون العلاقة بين اليابان وقطر هي العلاقة التي تتمتع بأكبر مجال للنمو؛ واختارت الخطوط الجوية اليابانية الدوحة كوجهة لرحلات اليابان المباشرة الأولى من طوكيو إلى المنطقة.
اضطرابات عالمية
و"تحرك كيشيدا لتأمين إمدادات الطاقة التقليدية لليابان أمر مفهوم في سياق الاضطرابات العالمية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا (منذ 24 فبراير/ شباط 2022)، وكذلك رغبته في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة"، بحسب مينا.
واليابان والصين على خلاف منذ سنوات بشأن السيادة على جزر غير مأهولة في بحر الصين الشرقي، وهو نزاع تحظى فيه طوكيو بدعم من الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، المنافس الاستراتيجي لبكين.
واستدركت مينا: "ومع ذلك، هناك شيء مثير للسخرية في مناشدة الدول، التي لا تتمسك بسيادة القانون محليا، لدعم حكم القانون على المستوى الدولي".
وأردفت: "كما أن هناك مفارقة في حقيقة أن نفس الرحلة التي كان من المفترض أن تسلط الضوء على ضرورة إزالة الكربون سلطت الضوء أيضا على اعتماد اليابان على المصادر التقليدية للطاقة".
وزادت بأن "استراتيجية تغير المناخ في اليابان تعرضت لانتقادات من جانب نشطاء تغير المناخ ، الذين قالوا إنها ستطيل استخدام الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) بدلا من تقديم الالتزام الضروري للطاقة المتجددة".
واعتبرت مينا أن "ما توضحه رحلة كيشيدا أكثر من أي شيء آخر هو المقايضات الحتمية التي يواجهها القادة في العالم الحقيقي، فقد اتخذ ما كان يعتقد أنه أفضل خيار يمكنه القيام به في ظل قيود معينة ومعلومات كانت بحوزته في هذا الوقت".
وأعربت عن أملها "أن تقوم الحكومة اليابانية في المستقبل بتصحيح المسار حسب الضرورة لتحقيق أقصى قدر من السلام العالمي وتقليل الانبعاثات مع تغير القيود (مثلا، تصبح مصادر الطاقة المتجددة متاحة على نطاق أوسع) وإتاحة معلومات جديدة (مثلا، توضح طبيعة دور الصين في المنطقة)".
