100 عام على معاهدة لوزان.. بنود وشائعات ودرس دائم لتركيا

الثلاثاء 25 يوليو 2023 09:45 ص

قبل مئة عام، وتحديدا في 24 يوليو/ تموز الجاري 1923، وقَّعت الدولة العثمانية المهزومة ودول الحلفاء المنتصرة، وبينها بريطانيا وفرنسا، معاهدة سلام في مدينة لوزان بسويسرا لا تزال سارية وأسست لقيام الجمهورية التركية الحديثة في 29 أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته.

فمع اقتراب الحرب العالمية الأولى من نهايتها (1914-1918)، شرعت القوى الأوروبية في توجيه "ضربة قاضية نهائية إلى "الرجل المريض على مضيق البوسفور"، كما تمت الإشارة إلى الإمبراطورية العثمانية (1299-1923) في أيامها الأخيرة"، وفقا لحمزة كارسيتش، الأستاذ المشارك في كلية العلوم السياسية بجامعة سراييفو، في تحليل بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني (MEE).

كارسيتش لفت إلى توقيع هدنة مودروس، في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1918، والتي نصت على استسلام العثمانيين ومهدت الطريق لاحتلال وتقسيم الأراضي العثمانية من جانب الحلفاء.

ثم جرى توقيع معاهدة سيفر بالعاصمة الفرنسية باريس، في 10 أغسطس/ آب 1920، وهدفت إلى "التخلص من السيادة التركية وخصصت أجزاء كبيرة من الوطن التركي للطموحات الإقليمية اليونانية والأرمنية والكردية"، وأسست لبداية حقبة الاحتلال الغربي لأراضٍ تركية، كما تابع كارسيتش.

لكن المجلس الوطني التركي الكبير (البرلمان) رفض معاهدة سيفر وحُكم على الموقعين عليها بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، وقادت حركة التحرير الوطني، بقيادة مصطفى كمال باشا (أتاتورك لاحقا)، حرب استقلال بين مايو/ أيار 1919 وأكتوبر/ تشرين الأول 1922.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1922، تم توقيع هدنة في مودانيا بمنطقة مرمرة، ما مهد الطريق إلى معاهدة لوزان للسلام في 24 يوليو/ تموز من العام التالي.

ومعاهدة لوزان بمثابة وثيقة استقلال لتركيا، أقرت بانتصارها وأرست حدودها الحديثة وحافظت على وحدة أراضيها، بعد تهديدات من دول أوروبية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.

143 بندا

في لوزان، وقَّع المعاهدة ممثلون عن المجلس الوطني التركي التركي من جانب وكل من المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا وبلغاريا والبرتغال وبلجيكا ويوغوسلافيا من جانب آخر.

وتتألف المعاهدة من مقدمة و4 فصول و143 بندا، وبدأ سريانها في 23 أغسطس/ آب 1923، بعد أن صادق عليها البرلمان التركي، وبموجبها أعلن مصطفى كمال أتاتورك تأسيس الجمهورية التركية الحديثة في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1923.

المعاهدة نصت على استقلال تركيا وتحديد حدودها وحماية الأقليات المسيحية اليونانية الأرثوذكسية فيها مقابل حماية الأقليات المسلمة في اليونان.

كما نظمت وضع تركيا الدولي الجديد، ورتبت علاقتها بدول الحلفاء، ورسمت الجغرافيا السياسية لتركيا الحديثة، وعينت حدودها مع اليونان وبلغاريا.

وتضمنت تنازل الدولة التركية النهائي عن ادعاء أي حقوق سياسية أو مالية أو أي حق سيادي في الشام والعراق ومصر والسودان وليبيا وقبرص، بجانب تنظيم استخدام المضائق البحرية التركية في وقت الحرب والسلم.

فيما ضمنت تركيا اعترافا دوليا بسيادتها واستقلالها وإلغاء أحكام معاهدة سيفر، ونصت كذلك على الاعتراف بحدود اليونان كما وردت في معاهدة مودانيا، فيما تنازلت أثينا عن منطقة قرة أغاج لصالح تركيا كتعويض عن الحرب.

مدة المعاهدة

على الرغم من مرور مئة عام على معاهدة لوزان، إلا أنها لا تزال تحظى باحترام كثيرين، بينما ينتقدها آخرون جراء إهدارها لحقوق الأقليات وعدم إنشاء كيانات خاصة بهم.

ومع حلول الذكرى السنوية لتوقيع معاهدة لوزان، تتجدد في كل عام شائعات وادعاءات بشأن المعاهدة، أبرزها وأكثرها انتشارا هو أنها تنتهي بمرور 100 عام على بدء سريانها.

وبانقضاء المئة عام، كما يتردد، ستتخلص تركيا من القيود المفروضة عليها، لتصبح قادرة على التحكم في معادنها الثمينة، واستعادة السيطرة على أجزاء من الأراضي القديمة التابعة للدولة العثمانية سابقا.

لكن في أكثر من مناسبة، قال خبراء مختصون إن نصوص المعاهدة لا تتضمن أي بند يحدد فترة سريانها أو يتحدث عن تاريخ انتهائها، ما يعني أنها مستمرة.

درس دائم

وبحسب كارسيتش فإنه "بعد أكثر من 100 عام، أصبحت معاهدة سيفر رمزا حاضرا في الخطاب العام في تركيا وخارجها يعبر عن ممارسة القوى الغربية لمعايير مزدوجة على تركيا ومحاولة التدخل في شؤونها".

وشدد على أنه "لم يتم إلغاء (معاهدة) سيفر (عبر معاهدة لوزان) إلا بعد أن حققت حركة المقاومة الوطنية التركية انتصارات عسكرية على الأرض بين 1919 و1922، وهذا هو الدرس الدائم منذ 100 عام".

ولفت إلى أنه "من بين جميع المعاهدات التي أُبرمت بعد الحرب العظمى (العالمية الأولى)، ظلت معاهدة لوزان وحدها قائمة".

و"بعد قرن من الزمان، تقدم لوزان درسا بسيطا ولكنه قويا: ليست المبادئ أو المعايير هي التي تحدد نتائج المفاوضات الدبلوماسية وجوهر اتفاقيات السلام، وإنما الحقائق على الأرض (الأمر الواقع).. هكذا كان الحال في 1923، وما زال كما هو اليوم"، كما ختم كارسيتش.

نقطة تحول

وفي رسالة نشرها الإثنين بمناسبة مرور مئة عام على توقيع معاهدة لوزان، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن المعاهدة شكلت واحدة من "نقاط التحول" في التاريخ.

وأكد أن "إرادة الشعب التركي العزيز في نيل الاستقلال الكامل أظهرت نفسها بقوة أيضا خلال مرحلتي التفاوض والتوقيع على المعاهدة".

وتابع أن "هذه الإرادة، التي قادت إلى الانتصار في حرب الاستقلال رغم النقص في الإمكانات، لا تزال ترشد وتنير الطريق وتمنح العزيمة للنضال في مواجهة الصعوبات".

أردوغان أردف: "بصفتنا أبناء شعب تصدى للعديد من الهجمات وتجاوز الكثير من العقبات وتغلب على العديد من الخيانات في ماضيه المجيد الذي يعود لآلاف السنين، سوف نجعل (رؤية) قرن تركيا حقيقة واقعة معا بمشيئة الله".

ومضى قائلا: "سنواصل العمل بهدف إقامة تركيا قوية في الميدان وعلى طاولة المفاوضات من أجل إحلال السلام والاستقرار والأمن في منطقتنا".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الدولة العثمانية الحلفاء تركيا معاهدة لوزان الاستقلال الجمهورية