إيران.. لماذا نجح المتشددون فيما فشل فيه الإصلاحيون؟

الخميس 27 يوليو 2023 09:58 م

"الاختراقات التي استطاع التيار المتشدد في إيران تحقيقها في العديد من الملفات الخلافية والشائكة مع الخارج، سيظل نجاحها مرهوناً بكيفية التعامل مع هذه الملفات بعد تسويتها".

هكذا يخلص تحليل لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، متسائلا عن سبب نجاح المتشددين فيما أخفق فيه الإصلاحيون، وعما إذا كانت سياسيتهم ستشهد تغيراً يتلائم مع حجم الاختراقات المهمة، لاسيما فيما يخص عودة علاقات إيران مع محيطها الإقليمي، أم أنها ستشهد تجمداً أو تعطلاً ما".

ويلفت التحليل إلى أن التحركات الإيرانية الحالية تطرح على الصعيد الدبلوماسي، تساؤلات حول دوافع وأسباب التحول الذي تشهده السياسة الخارجية الإيرانية، في ظل سيطرة التيار الأصولي على مفاصل الحكم في إيران، ذلك التيار الذي يتصف في العموم بالتشدد في ملفات السياسة الخارجية، ولا يُقدم في الغالب على تقديم تنازلات، بخلاف التيار الإصلاحي الذي يجنح إلى المرونة في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية.

إذ أن العكس من ذلك هو ما تحقق في إيران خلال العامين الماضيين، التي حكم فيها التيار المتشدد بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي، أنجز خلالها هذا التيار ما لم يستطع التيار الإصلاحي الذي حكم لمدة 8 سنوات برئاسة الرئيس السابق حسن روحاني تحقيقه.

ففي ظل حكم التيار الأصولي أُعيدت العلاقات مع السعودية، وتحسنت العلاقات مع الإمارات، ودار الحديث حول محاولات إعادة العلاقات مع البحرين ومصر والمغرب، فضلاً عن عودة التوجه الإيراني نحو الحلفاء القدامى في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتوطيد العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل الصين وروسيا، وعقد اتفاقيات إطارية غير مسبوقة مع العديد من الدول.

وبينما شهدت فترة حكم التيار الإصلاحي بجناحه المعتدل فترة تأزم العلاقات مع محيط إيران الإقليمي، ولم يستطع تحقيق سوى إنجاز الاتفاق النووي عام 2015 مع القوى الدولية، والذي سرعان ما  خرجت منه الولايات المتحدة، التي وقعت عقوبات أحادية على إيران عام 2018، ما اعتبر ضربة قوية وهدم للإنجاز شبه الوحيد للتيار المعتدل، على نحو خَصم من رصيده في الداخل الإيراني.

يقول التحليل إن فترة الأعوام الثلاثة التي نفذ فيه الاتفاق، التي رُفعت خلالها العقوبات عن كاهل الاقتصاد الإيراني، لم تشهد نجاحاً ملموساً من قبل حكومة روحاني في التوزيع العادل لعوائد رفع العقوبات على المجتمع، وتحسين ظروفه المعيشية، الأمر الذي مهد لفقدان التيار المعتدل لجزء مهم من شعبيته، ومن ثَم خسارة مقاعده في البرلمان، ثُم الرئاسة، ليستطيع التيار المحافظ بجناحه الأصولي استعادة سيطرته على مفاصل النظام مجدداً.

ويعلق التحليل على ذلك بالقول: "فرضت عوامل عدة داخلية وخارجية على صناع القرار الحاليين في إيران الخروج من العباءة التقليدية لمنهج التيار المتشدد في إدارة ملفات السياسة الخارجية، وذلك في ظل ما يشهده الداخل الإيراني من تفاعلات غير مسبوقة منذ نجاح الثورة الإسلامية، وما تمر به المنطقة من تطورات، تطال تداعياتها إيران بشكل مباشر".

فعلى صعيد التطورات الداخلية، شهدت إيران حراكاً شعبياً لم تختبره السلطة الإيرانية منذ قيام الجمهورية الإيرانية، من حيث استمرارية هذا الحراك لأشهر عدة، ولشمولية مكوناته لأطياف المجتمع، وتعدد مطالبه وتصاعدها حتى بلغت حد المطالبة بإنهاء حكم نظام الجمهورية الإسلامية وتغيير الدستور.

وعلى الرغم من رمزية أغلب هذه العقوبات التي فرضت على إيران مؤخراً بسبب ملف حقوق الإنسان، فإن العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة، عقب انسحابها منفردة من الاتفاق النووي، كانت قد تسببت في تفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وعلى خلفيتها خرجت العديد من الاحتجاجات الفئوية اعتراضاً على انخفاض الدخل وارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات التضخم، بالإضافة إلى احتجاجات شح المياه التي شهدتها عدة محافظات في البلاد.

ودفعت تلك التطورات التيار المتشدد إلى السعى لتحقيق إنجازات لتحسين صورته في الداخل وتوفيق أوضاع البلاد الاقتصادية من خلال عقد المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع الحلفاء التقليديين وتحسين العلاقات مع دول الجوار بهدف تخفيف حدة تأثير العقوبات الموقعة على أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد.

أما على صعيد التطورات الخارجية، وفق التحليل، فقد شهدت المنطقة عدة تحولات: أولها، اتجاه الصين الحليفة لإيران لتوطيد علاقاتها مع دول الخليج، والاصطفاف إلى جانب هذه الدول في عدة ملفات، ربما لا تتناسب مع توجهات إيران، وهو ما استدعى من إيران جهداً متزايداً في السعى لتوطيد علاقاتها هي الأخرى مع الصين، بما يضمن لها الحفاظ على حليفها التقليدي.

أما ثاني هذه التحولات، فهو تشابك علاقة إيران مع روسيا، وما فرضته الحرب الروسية على أوكرانيا من نمط جديد للتحالف مع إيران، الأمر الذي عرض الأخيرة لانتقادات، وضغوط غربية متزايدة بسبب دعمها لروسيا في هذه الحرب بالطائرات المسيرة.

وحول ثالث هذه التحولات، هو عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وحضور رئيس النظام السوري بشار الأسد للقمة العربية في السعودية في مايو/أيار الماضي، وتأكيد بيان القمة الختامي على تكثيف الجهود العربية لمساعدة سوريا على تجاوز أزمتها، والحفاظ على وحدة أراضيها وسيادتها عليها.

ورابع هذه التحولات، وفق التحليل، فهو دخول العلاقات التركية السورية منعطف مهم في الجهود المبذولة لتسوية الخلافات بينهما، بوساطة روسية قاربت أن تؤتي ثمارها، في أعقاب انعقاد اجتماعين رباعيين استضافتهما موسكو.

ويعلق التحليل على ذلك بالقول: "دفعت هذه التطورات في مجملها التيار المتشدد إلى إعادة حساباته، لاسيما فيما يخص نمط ومدى نفوذه في العديد من ملفات المنطقة، وموائمة هذا النفوذ بما يمكن وصفه بصفقات إعادة العلاقات المتوترة مع عدد من دول الجوار الإقليمي".

ومع التسليم بأن القرارات السيادية في إيران عادة ما تتخذ من قبل المرشد الأعلى للجمهورية، في ظل احتفاظه بقدر كبير من السيطرة على مؤسسات النظام كافة، فإن هامشاً من حرية الحركة داخل الإطار العام الذي يرسمه المرشد، يسمح لمؤسسة الرئاسة بإدارة الملفات المختلفة.

وفي هذا الإطار يمكن التسليم أيضاً بأن فرص التيار المتشدد في تنفيذ وتحقيق أجندته على الأرض، تفوق بكثير الفرص المتاحة للتيار الإصلاحي، نظراً لما يتمتع به التيار المتشدد من سيطرة على أهم مؤسسات هيكل الحكم في البلاد، ويأتي على رأسها بالطبع مكتب المرشد الأعلي.

وبالمقارنة بين ما استطاع تحقيقه التيار المعتدل خلال فترة حكم روحاني، مع ما استطاع تحقيقه التيار المتشدد خلال الفترة المنقضية من حكم رئيسي، يقول التحليل إن عاملين أساسين قد ساعدا التيار المتشدد على تحقيق اختراقات مهمة في ملف علاقات إيران بالعالم الخارجي.

يتمثل الأول في سيطرة التيار المتشدد على مؤسسات التشريع ومراكز صنع القرار، فمع خضوع مؤسسات التشريع المهمة في البلاد لسيطرة التيار المحافظ، هدف الأخير منذ فوز رئيسي بمنصب الرئاسة إلى تغيير أمناء المجالس المهمة في دائرة صنع القرار السياسي في البلاد، بما يضمن تمرير قرارات حكومة رئيسي، وتنفيذ أجندته، وهو ما لم يتوفر للتيار المعتدل خلال 8 أعوام هي فترة تولي روحاني منصب الرئاسة.

وعلى الرغم من تحقيقه اختراقاً مهماً لقواعد اللعبة السياسية في الداخل الإيراني بحصوله على منصب الرئيس، وتشكيله أغلبية البرلمان في دورته الثانية عشر، إلا أن هذا التيار ظل مكبل الأيدي في ظل توغل التيار الأصولي في المؤسسات المهمة والحساسة في البلاد، وعرقلته لمحاولات عده سعي التيار المعتدل لتحقيقها خلال هذه الفترة.

أما السبب الثاني، فهو فشل استراتيجية المراهنة على الغرب، فمنذ تولي روحاني منصب الرئيس وتعيين وزير خارجيته محمد جواد ظريف، بدا توجه كلاهما إلى المراهنة على العلاقات مع الغرب واضحاً، بهدف تخليص إيران من العقوبات المفروضة عليها، ومن تداعياتها السلبية على الاقتصاد والداخل الإيراني بشكل عام.

ذلك التوجه الذي انتقده المرشد الأعلى علي خامنئي في أكثر من مناسبة، مؤكداً على خطر المراهنة على الغرب، لاسيما في ظل ما مثله هذا التوجه من انتقادات وجهت لايران من قبل حليفيها التقليديين الصين وروسيا.

كما تزايدت حدة هذه الانتقادات مع موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي وانسحابها منه وتوقيع عقوبات الضغوط القصوى على إيران.

وعلى الرغم من أن النفوذ الإقليمي الإيراني قد شهد "سنوات ذهبية" خلال عهد روحاني وبالتالى التيار المعتدل، إلا أن تزايد نفوذ طهران في سوريا والعراق واليمن حُسب ولا زال لصالح مؤسسة الحرس الثوري التي تمثل بجدارة التيار المتشدد في البلاد، وبالتالي تم تفريغ إنجازات التيار المعتدل من مضمونها، ووُضع روحاني وجواد ظريف بعد تعطل الاتفاق النووي تحت طائلة التصفية السياسية.

وبعكس توجه التيار المعتدل ناحية الغرب، نجح التيار الأصولي في فرض تشدده على سير المفاوضات الخاصة بإعادة إحياء الاتفاق النووي مع القوى الدولية، بهدف كسب الوقت لتحقيق مزيد من التقدم في البرنامج النووي، وبالتالى الضغط على أطراف التفاوض بما يخدم مصلحة إيران، إلى أن وصلت الأخيرة في النهاية إلى عقد مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة تتم حالياً بوساطة إقليمية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران المتشددون الإصلاحيون سياسات خارجية